على مدى العصور المتعاقبة تطور وتغير الكثير من جوانب حياة المرأة المصرية و ظل المنحنى فى كافة الجوانب ما بين التقدم و التأخر غير متزن وغير منتظم، و برز التغير الأكثر حضوراً فى الأذهان و الذاكرة فى مظهر المرأة المصرية،فنجد إختلاف مظهرها في كل عصر وزمان عما قبله إلا أنها لازالت تحاول مقاومة الظلامية التى تحاول قوى التطرف و الوهابية التى تسعى دائماً لطمس هوية المرأة المصرية، ففي الدولة الفرعونية كان مظهر المرأة المصرية الشهير يرتبط بحضارة هذا الزمان وحتى اللحظة التى نحن فيها هذا المظهر يمثل رمزاً للحضارة و المرأة القوية التى لم يعرف التاريخ مثلها من بعد، وتغير الوضع فى عصر الفاطميين لترتدى ما يسمى بالحلة ومعناها أن الملابس كلية تطرز إما بالذهب أو الحرير، وإختلف مظهر المرأة فيما بعد في الدولة العثمانية عندما ظهر اليشمك التركى تأثراً بالثقافة الوافدة علينا و من ثم مع الإحتلال الفرنسي والبريطانى حتى حلت ثورة 1919التى كان أثرها على مظهر المرأة الخارجى كما كان على نفسها من الداخل، وظهر ذلك فى الإنفتاح الذى حدث للمرأة وإستمر حتى منتصف سبيعينيات القرن الماضى حيث عاد المنحنى ينحدر مرة أخرى بعد بدء نهش التيار الوهابي للجسد المصرى، وكل هذه المراحل وما تبعها من تغيرات في مظهر المرأة المصرية وملبسها أثرت بشكل كبير على دور المرأة بل وكذلك وضعها الإجتماعي وكذلك السياسي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في جميع مجالات الحياه العامة. برديات الفراعنة والنقوشات التى بقيت من هذه الحقبة تحكى لنا عن مظهر المرأة الفرعونية آنذاك فنجدها ترتدي زينتها و تتعطر فالمرأة الفرعونية كانت تهتم بالأناقة في ملابسها ومواطن مفاتنها، بالاضافة لذلك فقد تفننت المرأة في تصميم ملابسها بكافة أشكالها سواء البسيطة الضيقة أو الفضفاضة، وتطورت ملابسها لتصبح من قطعتين إحداهما على هيئة قميص داخلي ضيق ورقيق والآخر على هيئة غلالة فضفاضة مفتوحة ينعقد رباطها فوق الثديين ثم تنسدل تلك الغلالة على أحد اليدين وتبدو اليد الأخرى مكشوفة، فى الوقت ذاته تظهر لنا البرديات والتاريخ أن المرأة المصرية فى ذلك الزمان لم تتعرض للتحرش بسبب مظهرها، بل نجدها بلغت أعلى المناصب حتى إعتلت عرش مصر كمثل الملكة ماريت بايت و حتشبسوت، فكانت المرأة المصرية أول إمرأة تحكم فى العالم. مع بداية الحضارة الاسلامية فى زمن الفاطميين إختلف زي المرأة إختلافاً كبيراً عما كانت فى السابق حيث إنتقلت من خانة التأنق و الإبراز للجمال الجسدى ، إلى الملابس الأكثر حشمة لكن المرأة المصرية بطبعها تأبى الإنسلاخ كلياً من أصولها، لذلك مع الحشمة ظلت تحتفظ بزينتها و كانت هذه الصورة بازغة فى العصر الفاطمى ، حيث كانت المرأة المصرية ترتدى الملابس المحتشمة مطرزة إما بالذهب أو بالحرير، فى حين فى عصر المماليك ، بالغت فيه المرأة فى العناية بجسدها ومظهرها ، فكانت ترسم الوشم فضلاً عن صبغ الحناء ولبس الخلخال في قدمها وابتعدت قليلاً عن الملبس المحتشم فعرفت وقتها ما يسمى "القنادير" وهى قمصان قصيرة ضيقة وظل هذا الوضع سارياً الى ان أصبحت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية 1517م. واختلفت أزياء المرأة المصرية ما بين الأميرات و عامة النساء و لكن الأزياء بشكل عام كانت تؤخذ من عاصمة الإمبراطورية العثمانية (إسطنبول(، و كانت الاميرات ترتدى "الليك" وهو عبارة عن رداء يلبس فوق القميص مشقوق من الأمام إلى الذيل مفتوح من الجانبين ويلف حول الخصر حزام من الحرير أو الكشمير،أما نساء العامة فكن يرتدين "السلبة" وهي قميص من الحرير بدون أكمام وفوقها حبرة تغطي الجسم من الرأس الى القدم مصنوع من الحرير لونها أسود وأيضاً البرقع الأبيض للوجه وتحت الحبرة يوجد غطاء مطرز للرأس ، لكن تلك الحقبة كان دور المرأة فيها في الحياة العامة محدود. ظل هذا الوضع حتى مطلع القرن العشرين حيث أصبحت ترتدي البرقع المزركش بالترتر والخرز مع الملاية اللف التي كانت تضيق وتقصر حسب رغبة المرأة وكانت التطور الطبيعى للسبلة فى العصر المملوكي وكانت المرأة لابد وأن تزين ساقيها بالخلخال والشبشب ذى الكعب وظلت هكذا حتى ثورة 1919م التي كانت أولى خطوات التغيير من جميع الجهات سواء للدولة أو حتى للمرأة ايضاًو حتى للمرأة داخلياً وخارجياً فيما يخص مظهرها، وظل البرقع هو أحد أبرز أيقونات زى المرأة القومى سواء بين بنات الطبقة العليا أو حتى بنات الطبقات الأقل ، مع اختلاف تطريزه وزركشته إلى ان قامت ثورة 1919 التى اعتبرتها المرأة المصرية بداية لتحررها وخلع البرقع عنها ذلك الذي اعتبرته مثال للقيد والقمع الاجتماعي على المرأة ومانع لحريتها، ولهذا تحديداً فى 1915 أُصْدِرَت مجلة " مجلة السفور "، ودعت مقالات كتابها آنذاك إلى تحرير المرأة من خلال السفور و الخروج للحياة العامة و إهتمت بالتأكيد على أن "المرأة شريكة الرجل"، وهذا ماأزعج الإصلاح الدينى، وكانت هذه أولى البذور فى حقل تغيير المرأة ونظرتها لنفسها وحياتها. وظهر أول تحدٍ حقيقى من قبل المرأة بعد الثورة، عندما وقعت الحادثة الأشهر فى هذا الصدد "خلع البرقع" بكل جرأة و قامت بها رائدة الحركة النسائية "هدى شعراوي" فكانت نموذجاً لكثير من السيدات و الفتيات اللاتى إتبعوا نفس نهجها سواء إنتمين للطبقة العليا أوالمتوسطة فى القاهرة، بينما ظلت بنات البلد والسواحل يرتدين الملاية اللف أما الفلاحات فقد تطور الملس الواسع فى الوجه البحرى إلى جلباب ضيق من عند الصدر وله فتحات من جانبى الصدر لسهولة إرضاع الفلاحة لوليدها وواسع بعض الشيء من الأسفل حتى تستطيع العمل والجلوس والنهوض بسهولة. و لما قامت ثورة 1952 و تحول الحكم إلى جمهورى بعد الملكية ، و بدأت المرحلة التحررية الفعلية للمرأة،صار صدى المناداة بتعليم المرأة وخروجها للعمل أوسع وأكثر تأثيراً و بالفعل خرجت المرأة المصرية لتمارس حقوقها فى التعليم و العمل فتغير ملبسها عما سبق فنجدها إتجهت إلى الملابس العملية أكثر وإنفتحت على الموضة العالمية متأثرة بها فظهر فى منتصف الستينيات البنطلون النسائى، ولم يعد المظهر الساحر والرقة هي ما يشغل النساء التي حملت السلاح وتدربت علي القتال خلال العدوان الثلاثي، كما لم تعد الأناقة والتطريز هما هدف المرأة العاملة الوحيد، بعد أن اقتحمت مجال العمل فى الجهات الحكومية جنباً إلى جنب مع الرجل، ومن هنا ولد البنطلون النسائي، فكانت الفتيات يرتدين تلك الملابس القصيرة ويعلقن على أكتافهن حقائب يد أنيقة، كما ظهرت باروكات الشعر مع القليل من المستحضرات وخاصة الكحل واستمرت هكذا حتى أواخر سبعينيات. ورغم أن ارتداء السيدة للبنطلون قوبل في البداية بالدهشة والاستنكار، إلا أنه سرعان ما فرض نفسه على المجتمع وعلى أذواق السيدات حتى أصبح موضه وقاسم مشترك في ملابس النساء فى النادي وعلى الشاطىء، وبالطبع على جبهات القتال. كما ازداد انتشار الملابس العملية مثل التايير أو "الانسامبل"، والذي يتكون من سترة وتنورة ضيقة نوعاً ما، وتتيح الحركة والجلوس، وارتدت معه النساء البلوزات الحرير وغيرها. وبحلول السبعينيات كان العالم قد بدأ ثورة على كل القيم المجتمعية المورثة فى محاولة لبناء عالم جديد، ونالت مصر نصيبها من هذه الثورة مع انفتاح المجتمع المصري وقتها على الثقافات والمجتمعات الأخرى، فظهرت بنطلونات ال"شارلستون" أو كما أطلق عليها وقتها "رجل الفيل"، ولاقت رواجاً كبيراً بين شباب الجيل وشاباته، وواكب "الشارلستون" ظهور التنانير شديدة القصر "الميني جيب" والأكثر قصراً "الميكرو جيب" أحياناً، وانتشارها بدرجة كبيرة، كما قصرت أطوال الفساتين واستغنت السيدات عن الأكمام نهائياً، وارتدت احيانا السترات القصيرة فوق الملابس. وفى أواخر سبيعنيات القرن الماضى، جاءت رياح الوهابية تقلب الموازين و تنزغ الهوية المصرية وكان أثرها الأقوى على المرأة المصرية و مظهرها و بدأ يتكرر على مسامع المرأة أنها عورة و أن جسدها عورة و ظهور شعرها وصمة و إنتهى الأمر بإنتشار دعوات إرتداء الحجاب ومن ثم الخمار فالنقاب، لما جاء عقد التسعينيات الذي إمتاز بدخول التيار الوهابي لمصر على نطاقات أشد وأوسع، ولاقى إرتداء الحجاب رواجاً و قبولاً بين الطبقات الوسطى والفقيرة نتيجة ظهور ما يعرف بالدعاة الاسلاميين عبر الدروس الدينية والبرامج الاذاعية والتلفزيونية،ودخلت مصر العباية الخليجية لتنتشر بين النساء و الفتيات لتكون مصر التى كانت قدوة توجه ثقافات الشعوب هى المتأثر والمحاكى لدول الخليج خاصة السعودية. ولهذا مع بداية الثمانينات أزياء النساء تغيرت بشكل كبير، إذ انتشر الحجاب الذي تعددت أشكاله، وأبرزها "الطرحة" وظهر بالتوازي مع ذلك معارض ومحلات تجارية متخصصة في ملابس المحجبات فقط. كما ظهرت أشكال أخرى من الملابس المحافظة، مثل التنورات الطويلة و"البلوزات" الحريرية ذات سنادات الأكتاف، ولم يكن هذا الإتجاه هو السمة الوحيدة لأزياء النساء في فترة الثمانينات والتسعينات، إذ انتشرت بالتوازي معه موضة أخرى عند غير المحجبات، أهمها ال"تي شيرت"، والأحذية ذات الرقبة القصيرة "هاف بوت"، وسراويل الجينز من نوعية "سنو واشد" التى تميزت بلونها الأبيض الثلجي. ومع التطور التكنولوجي السريع لم تعد الموضه حبيسة "باترون الخياطة" أو فاترينات "عمر أفندي"، فمن خلال التسوق الإلكتروني عبر الإنترنت تستطيع نساء اليوم شراء أى قطعة ملابس من أى دولة فى العالم، فأصبح زي المرأة داخل مصر لا يختلف كثيراً عن أزياء مثيلاتها في أوروبا وأمريكا، وأصبح الجينز "السكيني" قطعه أساسيه فى خزانة أى فتاة إلى جانب السترات المقصوصة أو ال"كروبد سويترز"، وكذلك بنطلونات "الليجينز" و ال"الفيزون" بألوانها الزاهية، إلى جانب الجاكيت القصير "البليزر".