لم يجمعهما الحب فقط .. بل أيضاً عشقهما لخدمة "الموتي " لوجه الله ، فلم تكتف أم عاطف بمشاركة الحاج سعيد حياته العائلية فقط .. بل قررت أن تتواجد معه وتشاطره في عمله كمغسل في مشرحة زينهم، ورغم عمل عم سعيد مع الأموات لما يزيد على 18 عاماً، إلا أنه ما زال يحتفظ بوجه بشوش، فلم يستطع الزمن طمس نظرة الرضا التي تملأ عين أكبر مغسل- ليس في مشرحة زينهم فقط- بل في مصر كلها ، ويبدأ صاحب ال75 عاماً يومه بصلاة الفجر والذهاب إلى المشرحة، غير مُلتفت لحالة الهلع التي تصيب الكثير عند معرفتهم بوظيفته، التي تمتد إلى ما يقترب من الواحدة ليلاً بدون كلل، فهو دائم القول بأن المشرحة أحب إليه من بيته، ويضيف: "مشرحة زينهم مش حاجة قليلة.. دي مدرسة ، أي مغسل مهما كانت خبرته هييجي ويتعلم منها".. وهو ما زال يتذكر اليوم الذي جاء إليه أحمد رضوان مغسل الممثلين والمشاهير ليتعلم أكثر عن غسل الميت وإكرامه، ويكمل : مثلاً عندما تأتي جثة محروقة أو مقطعة أو مشوهة.. عليك أنك تكفنها حتي تظهر في النهاية كجسد كامل وليست كأشلاء. ويحكي الحاج سعيد عن مواقفه مع أحبابه الموتي قائلاً :" في مرة جالي ميت درويشي .. أي اللي علي باب الله اللي ملهمش لا بيت ولا أهل.. وسبحان الله وشه كان منور قوي ومبتسم، وفجأة وجدت رائحة المشرحة كلها مسك .. وفي يوم بكيت عند تغسيلي لعروسة ماتت و"الحنة في أيديها"، ففي يوم زفافها وبعد انتهاء الفرح طلبت من عريسها أن تصلي الفجر وأثناء وضوئها فارقت روحها الدنيا، لتزف مرة أخري في جنازة كبيرة اختلطت بها أصوات البكاء والنواح والدعاء . "أنا بحبهم وهما بيحبوني.." هذا ما قاله كبير المغسلين عن علاقته بالجثث والموتي، فحبهم له أمر منطقي، فهو يؤهلهم للقاء الله علي أفضل حال، فكيف لا يحبونه؟ وطيلة عمله في المشرحة قابل العديد من المواقف والأحداث التي لا تنسي، خاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة، فأغلب الشهداء بداية من 25 يناير مروا عليه، لذلك استحق لقب "صديق الشهداء" بجدارة، سواء كانوا متظاهرين أو رجال شرطة أو جيش ، أما عن زوجته أم عاطف التي انضمت للعمل مُغسِّلة في"زينهم" منذ 7 أعوام، كانت قبل ذلك تُغسِّل للمعارف ومن يحتاجونها دون أن تكون تابعة "لتُربي" أو أي مشرحة، ولم تستطع ذاكرتها نسيان أول حالة تعاملت معها بالمشرحة، وهي لعروسة بفستانها الأبيض، توفيت مع عريسها في أثناء زفافهما بعد حادث بالسيارة علي كوبري 6 أكتوبر، وطمس الوجع والصدمة ملابس الفرح المبهجة "للمعازيم" الذين حملوا العروسين لقبرهما. ويتملك أم عاطف شعور بالراحة عند تأهيلها أي جثة قبل دفنها، وتقول:" لما أبقي تعبانة ومش قادرة أتحرك وأجد جثة قدامي بحس أن روحي ردت فىَّ ورجعت شابة تاني.. أصلي بحب التعامل مع الأموات أكثر من الأحياء؛ لأن الميت تأخذ ثواب تغسيله، لكن اللي عايشين مش ضامن هيعملوا فيك إيه لو قدمت لهم خدمة، فعلاً الواحد يخاف من الأحياء أكثر من الأموات". 0