هى صاحبة مهنة لا يحتمل كثير من الرجال مجرد الحديث عنها، لكنها «لقمة العيش» التى كتبت عليها أن تختصر حياتها بين الأموات، ترى بعينيها جثثا مشوهة ومقطعة، احترفت التعامل معها وتغسيلها لتكون هى صاحبة «اللمسة الأخيرة». «أم عاطف»، 60 سنة، أشهر مغسلة فى مشرحة زينهم، سيدة بسيطة اعتادت يومياً على رؤية الأموات، تقول إن هناك تواصلا بينها وبينهم، وإن أسعد لحظات حياتها هى وقت دخولها لتغسيل الجثة، وكانت مهنتها سبباً فى رؤيتها أشياء لن تنساها إلا بخروج روحها، وأصعبها على الإطلاق رؤية أم تحمل فستان فرح ابنتها تنتظر تغسيلها بعد وفاتها فى حادث سيارة، أثناء عودتهما للمنزل عقب شراء الفستان. «أم عاطف»، تروى لنا عن «قلبها الجامد»، والعالم المختلف الذى تعيش فيه، وأيضا عن أسلوب حياة يصعب على الكثيرين تصديقه أو تخيل العيش به، وكان هذا نص الحوار.. * منذ متى تعملين فى هذه المهنة؟ - من حوالى 32 سنة، كان عمرى وقتها 28 سنة، وبدأت مع والدتى التى علمتنى أصول المهنة، وكانت هى تعمل لله دون أجر من أهل المتوفاة وأنا بدأتها كذلك إلى أن أصبحت مهنة لأكل العيش. كنت أذهب مع أمى للتغسيل وكنت أساعدها، وفى يوم حصلت مشاجرة كبيرة بين الشرطة وبعض تجار البلح فى منطقة إمبابة وألقت الحكومة قنابل مسيلة للدموع لتفريق الناس، مما أدى إلى حدوث وفيات وكانت من بينها سيدة وطلبت منى والدتى أن أذهب مع أهلها لتجهيزها وبالفعل ذهبت، وكانت هى المرة الأولى التى أقوم فيها بتجهيز متوفاة بمفردى، ومن وقتها وأنا أغسل وأكفن السيدات. * منذ متى بدأتِ العمل فى المشرحة؟ - منذ نحو 10 سنين، وقبل ذلك كنت فى مستشفى الموظفين فى إمبابة، وكذلك فى المنازل، وحتى الآن أذهب للمنازل لو طلبنى أحد. * هل العمل فى المشرحة مختلف عن المنازل والمستشفيات؟ - طبعا، فيه اختلاف كبير؛ لأن المنازل والمستشفيات دى حالات مفيهاش شبهة جنائية، عشان كده ما بيكونش فيه تشريح، أما المشرحة فاللى بييجى فيها لازم يتشرح، والجثة المتشرحة مختلفة تماماً عن الجثة الطبيعية، ومش أى حد يعرف يغسل فى المشرحة، لازم يكون قلبه جامد؛ لأن كتير من أهل الحالات المتوفية بيجيبوا معاهم مغسّلة ولما تدخل وتكشف السترة من على الأمانة (الجثة) فيه اللى بيغمى عليها وفيه اللى بتجرى وترفض تغسل وتكفن؛ لأن الجثة المتشرحه لازم تتغسل بالماء جيدا، وأنا بفتح ليها خرطوم المياه وأقعد أدعك فى الرأس عشان أصفى منها الدم لأنها بتنزل دم الجسم كله عشان الكفن ما يتوسخش وبعدين بغسلها عادى زى باقى الجثث. * وهل يوجد اختلاف بين الرجل والسيدة فى الغسل والتكفين؟ - لا يوجد فى الغسل أى اختلاف، لكن فى الكفن يختلف؛ حيث إن كفن الرجل 3 أدراج أما كفن السيدة فهو 5 أدراج؛ وذلك لأن عورة السيدة تختلف عن عورة الرجل، والأدراج هى قماش الكفن، والمرأة لها قميص وأربعة أدراج، وهذا ما نعرفه نحن، أما الجميع فيعرف أنه 5 أدراج، وطبعا بعد نحنحة المتوفاة من بقايا الطعام يتم تشطيفها بالماء، وذلك بالقطن المبلل حتى لا ألمس جسدها، وهذا هو رفع الجنابة وبعد ذلك الوضوء ثم مرحلة الغسل بالماء والصابون ونستخدم فيه اللوف الخاص بالأموات، وهو أكثر نعومة من اللوف الخاص بالأحياء حتى لا يصبح خشنا على الميت وبعد ذلك نضع ماء ورد أو كافورا فى الماء ثم نغسل به الجثة وتأتى بعد ذلك مرحلة الكفن، وقبل التكفين أقوم بعمل 3 ضفاير فى شعر المتوفاة: واحدة من اليمين والثانية من الشمال والثالثة فى منتصف الرأس، وأنا أصنعها أقوم بقراءة سورة الإخلاص، ثم أقوم بوضع الجثة فى الكفن لمقابلة ربها. * هل اختلف العمل فى المشرحة قبل الثورة عن بعدها بالنسبة للسيدات؟ طبعا، قبل الثورة كانت الواحدة بتيجى المشرحة متوفية فى حريق أو حادثة سياره أو اختناق بسبب أنبوبة بوتاجاز، أما بعد الثوره شفت العجب، اللى جاية مغزوزة واللى جاية مضروبة بطلق نارى، ودى حاجات كنت بشوفها كل حين ومين، أما بعد الثورة فبقت عادى، ولما يطلبوا منى أجهز عشان أدخل أغسل واحدة بقيت ما بسألش سبب الوفاة أما الأول كنت بسأل إيه سبب الوفاة علشان الجثة بتكون متشرحة وصعب أعرف السبب بعد التشريح. * ما المقابل الذى تحصلين عليه من تغسيل وتكفين المتوفاة؟ - أنا مش بتقاول ولا غيرى برضو بيتقاولوا، واللى يقول عكس كده يبقى كداب لأننا بنعامل الموت كل يوم، وما ينفعش نكون عكس كده، أنا باخد الحسنة اللى بيدفعها أهل المتوفاة سواء كانت كتيرة أو قليلة وممكن ما يدفعوش برضو مش بتكلم وبقول أجرى على الله ولكن هى بتبقى دايما من 20 إلى 50 جنيها للمتوفاة أو المتوفى، حسب ظروف أهله. * ما المشهد الذى لن تنسينه أبدا من حياتك؟ حاجات كتير، لكن 3 مشاهد لن تخرج من ذاكرتى إلا بخروج الروح من جسدى: المشهد الأول الأسبوع الماضى عندما حضرت جثة مجهولة لشاب فى العشرينات من عمره من منطقة إمبابة ولأننى مقيمة فى هذه المنطقة طلبت أشوفه يمكن أعرفه لأنى أعرف معظم سكان إمبابة وكانت المفاجأة أنه «أحمد على» ابنى الذى لم أنجبه بل قمت بتربيته بعد أن أنجبت والدته رحمها الله توءما فطلبت أن أقوم بمساعدتها فى تربيته فوافقت، خاصة أن أولادى تركونى بعد أن تزوجوا وكبر الطفل وحصل على ليسانس ونظرا لعدم وجود عمل أقنعه أصدقاؤه بالعمل على «توك توك» فوافق بعد فترة وأول يوم عمل له على التوك توك اتقتل وسرق منه التوك توك وحتى الآن لم يقبضوا على الجناة، والمشهد الثانى لعريس وعروسته وبعد الفرح وهما فى السيارة انقلبت بيهم من على كوبرى أكتوبر، ولما حضرت فى الصباح دخلت أغسل العروسة وجدتها بفستان الفرح. والمشهد الثالث أيضا لفتاة كانت ذاهبة هى ووالدتها لشراء فستان الفرح ودهستها سيارة وأمها حضرت إلى المشرحة ووقفت على غسلها ماسكة الفستان. كل هذه المشاهد لا يمكن أن أنساها لأننى بعد الغسل انخرطت فى البكاء ما عدا المشهد الأول لأنه أغمى على فى نفس المكان لأنه يعتبر ابنى. * ما أسعد الأوقات التى مرت عليك طوال حياتك؟ - لحظة دخولى على المتوفاة لتغسيلها وتكفينها، وذلك لأننى أشعر وقتها بقربى من المولى، عز وجل، لأننى أجهزها لمقابلته هذا بخلاف أننى أفضل الحياة مع الأموات عن الأحياء وأتمنى أن أغسل وأكفن ولا أخرج من غرفة التغسيل إلا على الدار الآخرة.