كان يشعر بأنه سيكون صاحب مشوار أدبي مؤثر وهو ما تحقق بالفعل .. حيث أصبح حمدي أبو جليل أديبا تترجم أعماله إلي اللغات الانجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية كما نال عنها العديد من الجوائز الأدبية . تصوير : محمد لطفي ورغم أنه قد لا يبدو معروفا بالشكل الكافي إلا في الوسط الأدبي فإن حكايته وأعماله وموهبته جديرة بأن نحكي عنها خاصة بعدما كافح هذا الرجل طويلا حتي صار موظفا بوزارة الثقافة ثم رئيسا لسلسلة الدراسات الشعبية بها .. المزيد عنه في الحوار التالي . * الحياة البدوية التي نشأت فيها , كيف شكلت موهبتك الأدبية ؟ أنا أنتمي لقبيلة بدوية عريقة في عرب الفيوم الذين يمثلون ملخصا لبدو شمال الصعيد أو مصر الوسطي وهم يختلفون تماما عن بدو مطروح وسيناء وليست عندهم مشكلة هوية أو انتماء وأغلبهم يزرعون وحياتهم ماشية بسلاسة وطبعا التحضر والتمدن طوي صفحات كثيرة من حياة هؤلاء البدو كان منها اللهجة وبعض العادات والتقاليد والأزياء البدوية الخاصة الآن لم يتبق من كل ذلك سوي الحصان والبندقية والأشعار والأغاني وحواديت الماضي أيام مقاومة الأجداد للحملة الفرنسية والوقوف وقفة رجالة في ثورة 1919 .. أنا بقي نشأت في ظل هذه الحياة ووجدت نفسي مدفوعا لأن أعبر عن قوم مدهشين ستنقرض ثقافتهم فقلت أحكي عنهم في قصصي . * وماذا عن قصتك أنت بالتحديد؟ أنا من مواليد سنة النكسة (1967) تعليمي كان محبطا آلمني فترة طويلة ولكنه ربما يكون السبب الذي جعلني عاشقا للكتب .. مجرد معهد فني تجاري , ومع ذلك لا أري أن من لم يتعلم قد خسر كثيرا , لأن التعليم البائس حسب اعتقادي المتواضع يقتل فيك الاحساس بالحرية والتمرد ومحاولة الفهم , علي العموم أنا نشأت في بيئة فقيرة جدا دفعتني لأن أعمل في الفاعل علشان أصرف علي نفسي وأتجوز وأواصل حياتي كان ظهري مصلوبا دائما .. * لكن متي اكتشفت أنك أديب؟ يقولون إن الابداع يولد من رحم المعاناة .. لكن أنا شخصيا صعب أحدد البدايات لأن الاحساس بالموهبة أو القدرة الأدبية لا يأتي فجأة , وفي نفس الوقت هناك مؤشرات أو نقاط ضوء علي الطريق في أثناء المشوار يعني مثلا أنا كتبت الشعر وأنا في إعدادي ثم قرأت بالصدفة رواية البؤساء لفيكتور هوجو وأنا شاب صغير ثم تأثرت بالقصص والحواديت فوجدت نفسي أكتب وشعرت أن بداخلي شيئا يمكن أن أقوله فاشتغلت صحفيا هاويا بجريدة الأحرار إلي جانب شغلانة الفاعل ! وعرقت وتعبت وعانيت كثيرا .. * ومتي أصدرت أولي مجموعاتك القصصية؟ أول مجموعة قصصية لي كانت تحت عنوان ( أسراب النمل ) أصدرتها وأنا عندي (31 سنة ) ولم أصدق نفسي أنني أكتب وقتها المهم أخذت عليها جائزة أفضل مجموعة من هيئة قصور الثقافة , ومنها قصة فازت بجائزة أخبار اليوم وصدرت ضمن عشر قصص في كتاب قدم له الأستاذ فتحي غانم رحمه الله , ثم أصدرت مجموعة أخري عنوانها ( أشياء مطوية بعناية فائقة ) وحصلت بها علي جائزة الابداع العربي من الشارقة بدولة الامارات . ثم أصدرت أول رواية لي بعنوان ( لصوص متقاعدون ) في عام 2002 وقد ترجمت إلي العديد من اللغات منها الانجليزية والفرنسية والإسبانية . وأخيرا أصدرت رواية ( الفاعل ) والتي ترجمت أيضا إلي هذه اللغات المذكورة وقد نجحت كثيرا عندما ترجمت إلي الاسبانية تحديدا وأنا ذهبت إلي إسبانيا ورأيت بنفسي مدي تأثيرها بمناسبة صدورها هناك . * هل يمكن أن نعتبر ( الفاعل ) سيرة ذاتية لك؟ كل ما تتضمنه الرواية ينطبق علي حياتي فهي تحكي قصتي وأنا مجرد عامل في الفاعل وترصد تفاصيل إنسانية كثيرة في هذه المهنة الشاقة ولكنها مع ذلك ليست سيرة ذاتية إنما هي مجرد اعتراف وشهادة للحياة أيضا هذا العمل به طموح فني متمثل في اللغة والحكي والبناء الأدبي في ( الفاعل ) هو بناء روائي . * هل هذه الرواية مجرد شهادة ما قبل الرحيل تأثرا بنبوءة المرأة البدوية لك بنهاية حياتك عند الخامسة والأربعين كما ذكرت في إحدي صفحاتها؟ أنا كلما أقترب من هذه السن أحاول التهوين من أمر هذه النبوءة , وأنا أخشي أن أكون جزءا من هذه الأسطورة ! لكن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالي وعموما الرواية كما قلت لك تجربة إنسانية في الأساس واخترت نفسي لكي أكون بطلها حتي أعبر عن الواقع بصدق . * ماذا عن جائزة نجيب محفوظ التي حصلت عليها عن هذه الرواية؟ هذه الجائزة يمنحها قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والحمد لله اختاروا روايتي وفازت وأعتقد أن الفضل يرجع للغة وأسلوب الكتابة .. أنا أكتب بلغة الكلام العادي البسيط والسهل بعيدا عن التعقيد أو الفلسفة ومع جودة الحدوتة ومتعتها ينجح العمل الأدبي ويتفوق ويحصد الجوائز أيضا . لو ركزنا علي لغة الكلام سنشعر أنها أقرب إلي الموال السياسي والاجتماعي خصوصا أن اللهجة المصرية متحضرة جدا ومعبأة بالمعاني بفضل تراث عريض من الشقاء والحكمة والحضارة وخلاصة كلامي أن الانتصار الآن لمتعة النص ورقة الحكي . * هل تري أنك معروف في مصر بشكل يليق بموهبتك؟ أنا معروف بين أبناء المهنة زملائي يعني لكني أشعر في نفس الوقت برضاء لأن هناك قراء وإقبالا علي شراء وقراءة روايتي والدليل أنك تجلس وتجري حوارا صحفيا معي الآن .. أيضا الأدب الان يوزع أكثر من زمان وأصبح له زبونه الخاص .