كم يُرعبنى أن أشاهد -خلال الأشهر الستة الماضية، وبصورة شبه يومية- حلقةً من حلقات جهنّم على أرض مصر! كم يُفزعنى مشهد النيران بألسنتها المتصاعدة التى لا تأتى على شىءٍ إلا جعلته كالرميم! كم يقلقنى تزايد عدد الحرائق بشكلٍ بالغ الخطورة! قد لا يوجد حصرٌ دقيقٌ لأعداد الحرائق التى حدثت خلال الفترة الماضية، لكنها كثيرةٌ وبصورةٍ ملفتة، والأكثر رعبًا هو اتساع نطاقها وزيادة عدد ضحاياها. الأمثلة كثيرة، لكن ثمة حرائق لا تغيب عن الذهن نظرًا لخطورتها وحجم خسائرها، منها حريق مصنع الأخشاب ببنى سويف فى فبراير الماضى بسبب خللٍ فى التوصيلات الكهربائية وسوء تخزين المواد القابلة للاشتعال، وكانت النتيجة محو المصنع بالكامل من الوجود. لم يكد يمر شهرٌ واحد على حريق المصنع، حتى تألّم المصريون ألمًا شديدًا جراء احتراق ألف فدان مزروعة بالكتان، مما سبّب خسائر فادحة للاقتصاد القومى. وبعد أيامٍ قليلة، فزع المصريون لمشهد حريق المدرسة الدولية بالإسكندرية. والقائمة تطول، وعدد الحرائق لا تُسعفه السطور. ويبقى السؤال المهم: كيف ننقذ مصر من النار؟! الإجابة تكمن فى قراءة تحليلية لأرقام تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن الحرائق فى مصر العام الماضى، والتى تؤكد أن البلاد شهدت حوالى 46٫925 حريق، بزيادة 3.2% عن العام السابق. وكانت أعقاب السجائر وأعواد الكبريت سببًا فى 31.5% منها، بينما كان الماس الكهربائى مسئولًا عن 18%، والإهمال البشرى بنسبة 10.4%، فى حين شكّلت الحرائق العارضة 20.9% من الإجمالى. الخلاصة من هذه الأرقام تكشف أننا فى أمسّ الحاجة إلى إلغاء طرقنا القديمة فى التفتيش على معدات وأنظمة الحماية من الحرائق فى المبانى والمنشآت، والتى تتم بشكلٍ صورى يشوبه التدليس والرشوة وفرض غرامات صارمة على المنشآت المخالفة لمعايير السلامة وإلزام المبانى الجديدة بتركيب أنظمة إطفاء إلكترونية، وتعميم أجهزة الإنذار المبكر واستثمارات أوسع فى البنية التحتية للإطفاء. هكذا ننقذ مصر من النار، خاصة ونحن مقبلون على صيفٍ من اللهب.