هل أدرك تامر حسنى أخيرًا أن جمهوره كبر وتجاوز الأربعين، فبدأ يخاطب جمهورًا جديدًا؟! سؤال طرح نفسه أمامى بقوة وأنا أتابع حالة النشاط الفنى التى يعيشها تامر حسنى هذا الصيف بشكل مختلف عن خطواته السابقة. الحقيقة التى لا أنكرها كمتابع لمسيرة تامر حسنى، أنه أكثر أبناء جيله اجتهادًا ونشاطًا واستمرارية سواء على مستوى الغناء أو بالطبع التمثيل الذى قطع فيه شوطًا كبيرًا منذ مطلع الألفية حتى أصبح رقمًا مهمًا فى معادلة شباك التذاكر، وكذلك أصبح فى جعبته أرشيفًا سينمائيًا ضخمًا لا يمكن إنكار نجاحه حتى لو اختلفت فنيًا مع طبيعة الأفلام التى يقدمها، ولكنها ناجحة بمقاييس السوق وتخاطب شرائح كبيرة جدًا من الجمهور. اقرأ أيضًَا | بمشاركة رضا البحراوي.. تامر حسني يطرح «المقص» من فيلم «ريستارت» | شاهد تامر حسنى منذ خطواته الأولى وهو متمكن جدًا من فكرة التسويق، ويضعها نُصب عينيه دائمًا فى كل تجربة، نجح لفترات طويلة فى أن يكتب معادلة النجاح الفنى على مستوى الغناء، وكذلك الترويج المكثف الذى يصنع هذا النجاح، صحيح أنه لم يكن بعيدًا عن مرمى الاتهامات بالمبالغة فى الترويج لأرقامه ونجاحاته، ووصل الأمر إلى حد اتهامه بالاعلان عن أرقام غير حقيقية لإيرادات أفلامه أو حتى شراء المشاهدات على موقع يوتيوب، ولكن كل هذا الجدل لم يخرج عن كونه حالة تصاحب أى نجاح لفنان يمتلك شعبية جارفة ورصيدًا كبيرًا من المحبين والمعجبين، يقابله أيضًا رصيد ليس قليلًا أو يُستهان به من الأعداء أو غير المحبين لفلسفته وطريقته. فى واحدة من أكثر فتراته نشاطًا وتنوعًا، يقدّم تامر حسنى نفسه فى شكل فنى متجدد هذا الصيف، حيث اعتمد بصورة كبيرة على دويتوهات مع مطربين آخرين يمثلون شرائح تبدو بعيدة ومختلفة عن جمهور تامر نفسه. سلسلة الدويتوهات الأخيرة التى قَدَّمها، سواء مع الشامى أو رضا البحراوى أو كزبرة، ومع الموزع الموسيقى على فتح الله، تؤكد أن تامر اقتنع ضمنيًا بأن النجاح المعتاد والاكتفاء بشريحته المضمونة من الجمهور لم يعد خيارًا آمنًا، بل نجاح قد يتآكل مع الوقت بفعل تغير الأجيال والأذواق وكذلك التطورات العنيفة فى ساحة الموسيقى. الشامى.. إيقاع جديد التعاون بين تامر حسنى والمطرب السورى الشامى فى أغنية «ملكة جمال الكون»، لم يكن مجرد لقاء عابر، بل خطوة مدروسة لاختراق ساحة الشباب والمراهقين من جمهور التيك توك، الذى يتصدره الشامى منذ عام 2024، بأغنيته الأشهر «يا ليل يا لعين» التى حققت أرقامًا مرتفعة على جميع المنصات الرقمية، ودفعت الشامى ليصبح التريند الثالث عالميًا على منصة الفيديوهات القصية الشهيرة. الأغنية جمعت بين إيقاع المقسوم المصرى وإيقاع الدبكة الشامية، وهى توليفة نادرة ومُلفتة تعكس الخلفية الثقافية للمشاركين، كتب كلماتها ولحنها كلٌ من تامر حسنى والشامى، الدويتو لم يُقدم الشامى ك «نجم ضيف»، بل كشريك حقيقى فى الصنعة، وهو ما يوضح نية تامر فى تقديم شىء مختلف وإيمان بقيمة شريكه فى التجربة، خصوصًا أنه بادر فى الشتاء الماضى بتقديم دويتو مع رامى صبرى الذى يعتبر من جيل تامر حسنى ولكن أسهمه خلال السنوات الخمس الأخيرة تشهد صعودًا سريعًا. «المقص».. الشعبى بروح تامر أما التعاون مع رضا البحراوى فى أغنية «المقص»، فكان بمثابة تأكيد على أن تامر لم يغلق أبواب الأغنية الشعبية، بل يعود لها من وقت لآخر بصيغة خاصة. كتب ولحن تامر حسنى الأغنية بنفسه، واختار أن يبدأها من مقام البياتى، ووَزَّعها الموزع عمرو الخضرى، بتكنيك يشبه أغانى الأفراح الشعبى، التى تعتمد على أورج عبد السلام ونمط المزج بين الإيقاعات الصاخبة والكلمات الخشنة التى تدور حول فكرة «غدر الصحاب» التيمة المسيطرة على الغناء الشعبى والمهرجانات خلال السنوات العشر الأخيرة. «المقص» لا تشبه «100 وش» التى قَدَّمها تامر قبل سنوات مع أحمد شيبة ومصطفى حجاج ودياب، لكنها تنتمى لنفس المدرسة فى روحها الشعبية وهدفها الجماهيرى، الجديد هنا هو أن رضا البحراوى - بصوته الخشن وحضوره العفوى - أضاف للأغنية طابع «الموالد»، بينما نجح تامر حسنى فى مواكبة هذه الحالة بحرفية مدهشة. هذا الدويتو يُظهر أن تامر لا يخشى الاقتراب من المساحات «الشعبية» بشرط أن تكون محكومة بجودة إنتاج عالية، وأن تحافظ على خطه الفنى العام. كزبرة ومغازلة جماهير المهرجانات يأتى الدويتو مع كزبرة فى أغنية «قلودة» من فيلم ريستارت ليمثل أكثر اختيارات تامر حسنى جرأة فى هذه المرحلة، فكزبرة أحد أبرز نجوم المهرجانات الجُدد، ويمتلك شعبية جارفة فى الأوساط الشبابية. تامر هنا لا يُقدِّم مهرجانًا بمعناه الصاخب فقط، بل يُعيد تشكيل الأغنية بطريقته وليستفيد أيضًا من شعبية كزبرة فى حضوره بالفيلم والأغنية تأكيدًا لفكرة البحث عن جمهور جديد وتحديدًا من المراهقين. العودة ل «الهاوس والتكنو» من أكثر التعاونات تميزًا على مستوى الشكل الموسيقي، كانت أغنية «حبيبى تقلان» التى تعاون فيها تامر مع الموزع على فتح الله، الأغنية تعتمد على إيقاعات إلكترونية تنتمى لمدرسة الHouse والEDM، وتركز على المزج بين التكنو والإيقاع الشرقى مع افتتاحية تحمل روح الإيقاع الإفريقى. على فتح الله، له حضور معروف فى الوسط الموسيقى كواحد من الموزعين اللى بينجحوا فى تقديم موسيقى إلكترونية ببصمة شرقية خفيفة، والنتيجة هنا كانت أغنية تبدو منتمية لمشهد البوب العالمى، وقابلة للعرض فى قوائم الاستماع الدولية، دون أن تفقد هويتها العربية. وسط كل هذا، يظل حفل «ريد بُل جوكبوكس» الذى قَدَّمه تامر حسنى مؤخرًا، نقطة فاصلة فى تعامله مع جمهوره، الحفل أعاد تامر إلى خشبة المسرح وسط جمهور كبير ومتنوع، فى أجواء غير تقليدية بعيدة عن قاعات الحفلات بل هى محاولة لإعادة تقديم أغنياته الشهيرة بتوزيعات و«قوالب» موسيقية مختلفة عن الأصلية. تامر دخل المسرح وهو مدرك لطبيعة جمهوره الجديد، ونجح فى أن يثبت أنه لا يزال قادرًا على إشعال المسرح، رغم مرور أكثر من 20 سنة على ظهوره الأول. لذلك فإن التجربة تؤكد أن تامر حسنى لا يتحرك ارتجالًا، سلسلة التعاونات الأخيرة تؤكد أنه يقرأ الواقع، ويفهم أن النجومية اليوم لا تعتمد على نجاحاتك السابقة فقط، بل على قدرتك على التجديد والتقاطع مع مختلف الأذواق. بين جمهور التيك توك، وجمهور الأفراح الشعبية، وجمهور المهرجانات، وجمهور البوب الإلكترونى، وضع تامر حسنى نفسه كنقطة وصل بين هذه الأنماط المتعددة.