انتهت حرب أكتوبر لتبدأ على الفور المفاوضات لتحرير بقية أرض سيناءالمحتلة فى ذلك الوقت ثم انتهت هذه السنوات العصيبة بتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل .. ورغم مرور 34 سنة على توقيع المعاهدة إلا أن مطالب تعديلها لم تتوقف خاصة مع تغير الظروف وحدوث فراغ أمنى تام فى عمق سيناء نتيجة غياب الجيش المصرى بحكم المعاهدة مما أدى لنمو وانتشار الجماعات المتطرفة وارتكابها لمذبحة رفح الأخيرة .. رغم كل ما يقال عن وجود مباحثات سرية بين مصر وإسرائيل لتعديل المعاهدة إلا أن اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمنى والإستراتيجى والقريب من دوائر صنع القرار قد أكد لنا أن الإدارة المصرية لم تتقدم بأى طلب رسمى حتى الآن لتعديل المعاهدة وكل ما يقال حول اجتماعات بين الطرف المصرى والإسرائيلي حول تعديل المعاهدة هو كلام غير صحيح فنحن حتى الآن لم نتقدم بطلب رسمى لإسرائيل فى هذا الشأن وهذا أمر ملفت ومثير للدهشة ومحزن فى ذات الوقت لأن الظروف أصبحت ملائمة لمثل هذه المطالب لكن على كل حال فإن ما يدور بشأن تعديل المعاهدة يشمل تعديل الملحق الأمنى فقط ولا يشمل المعاهدة كلها أى أنه فى حالة دخول مصر فى مباحثات مع الجانب الإسرائيلي فإن المباحثات لن تتطرق للمعاهدة فى مجملها وإنما ستركز على النواحى الأمنية بهدف زيادة انتشار قوات الجيش المصرى فى أنحاء سيناء. وحول موقف إسرائيل المحتمل إذا طلب الجانب المصرى تعديل المعاهدة يقول اللواء طلعت مسلم الخبير الأمنى والإستراتيجى: عندما كانت سيناء بأكلمها فى أيدى الجيش المصرى قبل النكسة كانت المنطقة مؤمنة بالكامل فالتجربة تقول أن الانتشار الأمنى والعسكرى يزيد من فرص السيطرة على شبه الجزيرة وبالتالى يزيد من فرص التنمية والتعمير لكن بعد حرب 1967 احتلت إسرائيل سيناء ومنذ ذلك التاريخ لم يعد الجيش المصرى بكامل قوته لهذه الأرض لأن معاهدة السلام أقامت مناطق معزولة السلاح بإستثناء المنطقة (أ) المجاورة للمجرى الملاحى للقناة والتى يتواجد فيها الجيش المصرى بكامله قوته ولهذا أقول أنه من المفروض استغلال فرصة التوتر الأمنى فى سيناء والتوجه بطلب للدخول فى مباحثات دولية لتعديل المعاهدة بحيث نضمن انتشار الجيش المصرى فى شبه الجزيرة للقضاء على الفراغ الأمنى الذى تعانيه سيناء وذلك وفقا للمادة الرابعة من الملحق الأمنى التى تعطى لأى من الطرفين الحق فى المطالبة بتعديل المعاهدة بالرجوع للطرف الثانى. ولكن مع ذلك أنا أعتقد أن إسرائيل لن توافق بسهولة على هذه المطالب ولن تقبل بتغيير المعاهدة إلا إذا كانت مضطرة لذلك عندما يلجأ الطرف المصرى لتغيير الوضع القائم بنفسه دون الرجوع لإسرائيل ودون الدخول فى مباحثات وهذا فى رأيى لن يحدث من طرف واحد. ويقول توحيد مجدى الكاتب الصحفى والباحث فى الشئون العبرية: إن من قام بكتابة بنود الملحق الأمنى بالمعاهدة هو الرئيس السابق حسنى مبارك كنائب للرئيس السادات وموشيه ديان كنائب لمناحم بيجن ولذلك سميت بلجنة (حسنى – ديان) فهذه اللجنة هى التى وضعت الملحق الأمنى الذى نسعى للمطالبة بتعديله الآن وكان الملحق الأمنى يركز على إقامة منطقة عازلة على الحدود مباشرة وفى المنطقة (ج) بما يعنى تراجع الجيش المصرى تماما من سيناء وتركيز تواجده فى المنطقة (أ) و المنطقة (ب) فى حين يبقى عمق سيناء بإتجاه إسرائيل بلا قوات للجيش المصرى. ويضيف توحيد مجدى أن الخلاف الآن يدور حول المنطقتين (ج) و (د) فالمنطقة الأخرى لا تصل إليها قوات الجيش ولا الطائرات الحربية وإن كانت تضم شرطة خفيفة وطائرات صغيرة غير مسلحة ولذلك فإنه من الناحية الأمنية مطلوب تعديل المعاهدة حتى يتم تشغيل طائرات حربية لوجستية فى هذه المنطقة وإدخال بعض المدرعات والدبابات وتحديث الأسلحة والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة فى المراقبة والمتابعة وزيادة عدد الجنود والتحصين ورغم هذه الالتزمات المجحفة على مصر وفقا لبنود المعاهدة فإن إسرائيل ليس عليها إلتزامات وتتحرك داخل حدودها المحتلة بحرية كاملة وتنشر طائراتها ووحداتها ودباباتها دون ضوابط، وأنا فى حدود متابعاتى أعتقد أن إسرائيل ربما توافق على الدخول فى مباحثات لتعديل الإتفاقية بغرض تأمين الحدود وإسرائيل نفسها ترى أن هناك بعض التعديلات التى يجب إدخالها على المعاهدة بل وتستغل ذلك فى الضغط على الحكومة الأمريكية من أجل الحصول على معونات وأسلحة ودعم عسكرى جديد. ولايزال هناك تيار قوى معارض لمعاهدة السلام منذ توقيعها حيث يقول الكاتب اليسارى حسين عبد الرازق : أنا لازلت أطلق عليها إتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل وليست معاهدة السلام لأنها فى رأيى لم تحقق سلاما فى المنطقة .. وهذه الإتفاقية كانت تحتاج إلى تعديل منذ تم توقيعها لأسباب أمنية وعسكرية وإقتصادية لأنها تشتمل على بنود تنتهك السيادة المصرية وذلك عندما تفرض على مصر أن تقيم علاقات دبلوماسية وإقتصادية وتجارية وثقافية مع إسرائيل ولا يوجد نص فى القانون الدولى يجبر دولة أن تدخل فى علاقات مع دولة أخرى فهذا أمر يتعلق بسيادة الدولة على أراضيها، لكن بلاشك من أهم الجوانب المطلوب إعادة النظر فيها هى البرتوكول الأمنى الموقع بين مصر وإسرائيل بخصوص إقامة مناطق معزولة السلاح فى سيناء أى أن الجيش المصرى لا يصل إليها ويتمثل ذلك فى تقسيم سيناء إلى مناطق فنجد أن المنطقة (ج) منزوعة السلاج تماما وفى المنطقة (ب) هناك تحديد لنوعية السلاح الموجود وتحديد لعدد القوات الموجودة وهذا يعنى أن الحدود العسكرية لمصر تختلف عن حدودها السياسية. ويضيف حسين عبد الرازق أن تعديل الإتفاقية مرهون بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية فهى الدولة الراعية لها ولكن طالما ظلت العلاقات المصرية الأمريكية على ما هو عليه منذ أيام السادات وفى ظل تبعية الخارجية المصرية للولايات المتحدةالأمريكية وفى ظل الهيمنة الأمريكية الناتجة عن المعونات العسكرية والمدنية فإنه من الصعب أن ترعى أمريكا مباحثات تعديل الإتفاقية ولهذا لكى يكون لطلب تعديل المعاهدة جدوى يجب أولا أن تنتهج الإدارة المصرية سياسة داخلية وخارجية جديدة تستند على عوامل قوة بعيدا عن التبعية لأمريكا لكن السياسة لم تتغير منذ النظام الماضى. وإذا كان هذا هو ما تطالب به مصر فهل ستقبل إسرائيل بمطالب مصر بتعديل المعاهدة يقول الدكتور رفعت سيد أحمد، الخبير فى الشئون العبرية ومدير مركز يافا للدراسات السياسية: إسرائيل تتعرض لمخاطر عديدة قادمة من الحدود مع مصر نتيجة تسلل المهاجرين الأفارقة إليها وهؤلاء يمثلون ضغطا على الحكومة الإسرائيلية لأنهم سرعان ما يندمجون فى المجتعمع ويطالبون بالجنسية والوظائف أيضا حماية الحدود أصبح حتميا فى ظل سيطرة الجماعات المتطرفة عليها ولهذا فإن إسرائيل قد تدخل فى مباحثات تعديل المعاهدة إذا طلبت مصر ذلك ولكن ذلك بهدف تأمين مصالحها وحدودها ومن مصلحتها أيضا تأمين حدودها الجنوبية مع مصر خوفا من إندلاع حرب محتملة مع إيران أو نظرا لتوتر الجبهة السورية ولهذا فإن إسرائيل غير متفرغة لمصر الآن هناك ما هو أهم فى سوريا وإيران وأنا لا أستبعد أن أتكون هناك أصابع إمريكية وإسرائيلية فيما يحدث فى سوريا الآن لمصلحة إسرائيل والمشروع الصهيونى. لكن مشكلة النظام المصرى الجديد أنه لم يطالب حتى الآن بإجراء أى تعديلات على المعاهدة كما أنه لم يطالب بأية إمتيازات أخرى فى سيناء رغم أن الأوضاع المحيطة تمثل فرصة أكيدة لانتزاع السيطرة الأمنية الكاملة على سيناء . بل أن النظام المصرى قام بتعيين سفير جديد فى تل أبيب منذ أسابيع قليلة دون أن يطالب ببعض التغييرات ففى ذلك إشارة واضحة لهرولة النظام السياسيى نحو التطبيع بدلا من إعادة النظر فى المعاهدة وهذا يعنى ان السياسة المتبعة منذ عهد السادات ومبارك لم تتغير وكان المفترض فى ظل نظام إسلامى يحكم مصر أن يقوم بهذه الخطوة مبكرا خاصة وأن هذا النظام بنى جزءا كبيرا من تاريخه ونضاله على تصديه ومقاومته للمشروع الصهيونى لكننا لم نرى أى تغيير. ويضيف الدكتور رفعت سيد أحمد أن إعادة النظر فى مجمل بنود المعاهدة هو حق قانونى لدولة حدثت فيها ثورة ومن أبجديات التغيير فى أى مجتمع عقب الثورات إبطال العلاقات والمعاهدات الظالمة. ومن الناحية الإقتصادية أيضا فإنه من مصلحتنا الإستراتيجية إعادة النظر فى الجانب الاقتصادى فى المعاهدة وليس الأمنى فقط فمثلا إتفاقية الكويز وتأثير غياب الأمن والسيطرة فى سيناء على التنمية فكل هذه الأمور يجب معالجتها.