الأغلبية الصامتة ليس لديها أى وسيلة للتعبير، فهم محكوم عليهم بأن يظلوا هكذا مجرد متفرجين أمام الأحداث .. هم البسطاء الذين تحمس بعضهم وسار خلف المظاهرات من أجل الخبز فقط .. التغيير بالنسبة لهم كان بداية حلم وأول طريق فى اتجاه تحسين معيشتهم فتحقق التغيير واختطف السياسيون الكعكة وتراجعت مطالب الخبز والعدالة الاجتماعية وذهبت الأغلبية الصامتة إلى بيوتها ولم تخرج حتى الآن .. نحن حاولنا أن نقترب من هموم هذه الأغلبية وقد وجدنا أن لكل مواطن عالم خاص يعيش فيه بعيداً عن الأحداث والفضائيات ونجوم المشهد السياسى، بل ربما لن نبالغ لو قلنا أننا هنا نتحدث عن ملايين الساكتين فى بطون الأحياء الشعبية والريف والعشوئيات بل وحتى المناطق الراقية.. وفى السطور التالية نقدم لكم بعض النماذج وقد طلبنا من كل واحد منهم أن يخرج من عامله الخاص ليتحدث إلينا عن رؤيته للواقع وهل يرى أملا فى المستقبل وكيف يرتب أولويات المرحلة القادمة بين الخبز والحرية والديمقراطية.. الحاجة منيرة: بيتى مهدود من الزلزال وجايز الثورة تعمل حاجة - الحاجة منيرة محمد محمود (63 سنة) بائعة خبز بالسيدة عائشة تسكن فى الشارع بلا مأوى وقد خرجت عن صمتها لتتحدث معنا قائلة: جوزى مات وترك لى 5 عيال .. أنا قاعدة مع أمى فى أوضه واحدة يادوب شايلة نفسنا وبيتى مهدود من ساعة الزلزال ومن وقتها وأنا عايشه فى الشارع وسعيت كتير قوى مع الحكومة طوال السنين اللى فاتت . وبعد الثورة قالوا فيه أمل والدنيا ممكن تتغير بس كل ما أقعد قدام التليفزيون أحس إنهم بيتكلموا عن دولة تانية والفقراء غلابة مالهومش غير ربنا ولا ثورة ولا غير ثورة ..
عم أحمد: بيقولوا الثورة قامت بس أنا ماليش فى الحاجات دى! - بعد لحظات من الصمت والتردد والخوف ذكر لنا هذا المواطن أن اسمه أحمد محمود وعندما سألناه عن عمره قال : أنا مش عارف أصل أنا عايش ب "التوكال" يعنى كده على الله .. وأنا كنت شغال فى الخيامية وكنت معلم قد الدنيا وعندما كبرت قعدت فى البيت وعيالى مشغولين بحالهم، وعندما سألنا عم أحمد عن الثورة والحياة فى مصر ورأيه فيها كمواطن فاجأنا بقوله: أنا ماليش فى الحاجات دى أنا باسمع إن فيه ثورة من فترة بس أنا مش شايف حاجة قدامى..
الشيخ مدين:إحنا عايشين زى أيام النكسة .. الكل تحول لشياطين! - الشيخ مدين عبد الغفار محمد من أهالى منطقة الناصرية الشعبية، صاحب مطعم وله تاريخ طويل فى النضال وقد خرج عن صمته ليقول: بعد الثورة الهموم غطت كل المناطق الشعبية ومثلما ترى الآن لا أحد يبيع ولا يشترى .. والواحد يخرج من بيته فى الصباح من أجل الرزق حتى يعود فى المساء بأى (نفحة)!.. أنا كرجل كبير أرى أن هناك أمل قادم فى الطريق لكن علينا أن نصمت قليلاً وإن لم نهدأ فلن نعمل ونقول للشباب فى ميدان التحرير إهدأوا واحترموا كلام الكبير لأنى لو تركت ابنى يضرب ويرفع صوته على الكبير يبقى قل على الدنيا السلام خلاص ضاعت الأخلاق والقيم .. أنا شاركت فى النكسة وحرب أكتوبر ورأيت مالم يره أحد ففى أيام النكسة كنا زى النهارده كله يتكلم وكنا عبارة عن شياطين وهذا ما أراه الآن .. لإننا لازم نهدأ وإذا كان الشعب كله يقوم بثورات وإضرابات إذن من سيعمل خاصة وإن الدولة أفلست أنا عارف كده ومتأكد .. يبقى لازم نصبر ولو صبرنا والانتاج زاد كلنا سنأكل لقمة عيش ولو استمر الحال على ما هو يبقى الضنك والضيق سيزيد. وجيلنا الناس الكبار كانوا يسمعوا الكلام أما اليوم لو قلت للشاب اختشى يقولك اسكت إنت وده فى رأيى سبب الحال المائل! أحمد زكى: الفلاحين عايزين لقمة العيش - أحمد زكى (34سنة) شاب ريفى يسكن فى أقصى شمال الدلتا بمركز سيدى سالم كفر الشيخ.. شاعر موهوب لكنه ظل طيلة حياته صامتاً لا تصل أشعاره أو آراءه لأنه بعيد عن أضواء العاصمة كملايين غيره من سكان الارياف . احمد قرر أن يخرج عن صمته وأراد ان يرسم بورتريه عن حاله وحال ملايين غيره من سكان الأرياف فقال: الحياة ضاقت أكثر مما كانت قبل الثورة وفى الأرياف لا توجد مصانع ولا فرص عمل ولا حتى أراضى زراعية فالأرض بدأت تضيق على الناس وكان من الأصول أن تتحرك الأقلام لتكتب عن العدل الاجتماعى الغائب فى الأرياف لإن الفلاحين لا يحتاجون أكثر من لقمة العيش ولا يعرفوا ديمقراطية ولا أحزاب وأنا شخصياً لازلت أبحث عن "حياة" لأننى لا أملك سوى حرفتين الفأس والقلم والفأس لا يؤكل عيش والقلم أصبح سلعة بائرة لأن القرش صار سيداً وفى النهاية حضرت للقاهرة لعلى أجد الحلم الذى أبحث عنه وسط الزحام لإن القاهرة لأهل الريف زى النداهة تنده على اللى عايشين فى القرى فيتوه هناك وسط الزحام وأكوام البشر.