تعد الكاتبة الصحفية "مي شاهين" أول آنسة تتلمذ علي يد الكاتبان علي ومصطفي أمين في دار "أخبار اليوم"، وكتب لها أن تكون من الجيل الذي حمل علي أكتافه المهام الشاقة لنجاح كافة المطبوعات الصحفية التي أصدرتها الدار وحققت بها نجاحات خرافية في زمن قياسي بشارع الصحافة. حماس مصطفي أمين لنبوغ مي شاهين الصحفي وتمكنها من اللغة الانجليزية جعله يصدر قرارا بتعيينها رسميا بعد فترة طويلة من الاختبار في عام 1956 براتب قدره " 40 جنيها" وهو رقم مذهل يشكل ثروة بأسعار هذا الوقت، إذ كان راتب خريج الجامعة في الحكومة وقتها لا يتجاوز 15 جنيها أو أقل من ذلك، حماسه لها أيضا هو وعلي أمين جعله يسند لها رئاسة قسم الأبحاث بدار أخبار اليوم. حماسه أيضا وتقديرا لموهبتها الصحفية دفعه لترشيحها للعمل بمجلة " ريدرز دايجست " بالولايات المتحدة التي كانت تترجم مقالاتها وقصصها الصحفية لمطبوعات أخبار اليوم بالعربية. ولدت مي شاهين في 16 ديسمبر 1929 بمركز اجا بمحافظة الدقهلية، حصلت علي ليسانس في الأدب الانجليزي من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1951، وحصلت بعد ذلك علي دبلوم في التحرير والترجمة والصحافة من كلية الاداب. بدأت عملها في " أخبار اليوم " بقسم الترجمة، فقامت بترجمة العديد من القصص الإخبارية والمقالات من" التايمز " و"النيوزويك"، وعندما تيقن مصطفي أمين من حرفيتها في الكتابة طلب منها كتابة " اليوميات " التي كانت مخصصة لكبار الكتاب، كان يتبادل كتابتها " محمد التابعي، طه حسين، توفيق الحكيم،عباس العقاد، كامل الشناوي، ومحمد زكي عبد القادر"، وكانت اليوميات التي تكتبها مي شاهين تنشر عندما يعتذر أحد هؤلاء الكتاب عن الكتابة. عملت مي شاهين إلي جانب عملها بأخبار اليوم في مجلة " المختار "- النسخة العربية لمجلة " ريدرز دايجست " الأمريكية - وعندما تولي موسي صبري رئاسة تحرير "الأخبار" خصص لها بابا أسبوعيا بعنوان "الجنس الآخر". وعن عملها في أخبار اليوم تقول مي شاهين في أحد حواراتها الصحفية: "في دار أخبار اليوم عشت وسط جيل العمالقة، وكان أستاذي علي ومصطفي أمين حريصين علي نجاحي في عالم الصحافة، لدرجة أن علي أمين أرسل زميلتي حورية عفيفي لتدفع لي مصروفات المعهد وكنت قد صرفت المصروفات التي أرسلها لي والدي من طنطا في شراء بعض الفساتين، وبعد دفع المصروفات علقت النتيجة وتأكد أستاذي علي أمين من نجاحي في المعهد ". الفستان الشوال تميزت مي شاهين بأسلوب صحفي بسيط اكتسبته من علي ومصطفي امين، ففي مقال لها بمجلة " الجيل " عام 1958 تنتقد موضة الفستان "الشوال" نتوقف عند بساطة وجمال الأسلوب فهي تقول: "بيني وبينك الستات مجانين، تصوروا عقلنا الصغير نحن الستات، كل شئ نفعله بدون تفكير وبلا وعي كأننا ببغاوات أو قردة في أقفاص، لا نكاد نلمح شيئا حتي نقلده، وتكون النتيجة ضحكا ونقدا وسخرية من الرجال، ولا ألوم الرجال، لأنني أعذرهم، فقد أصبحت تصرفاتنا نحن النساء مثل المجانين". وتابعت: "وتقليعة الموضة هي أكبر دليل علي الجنون، إنها موضة هذا العام، الزكيبة أو الشوال، كما يسمونه، فأي جمال في ظهور السيدة مثل اللوح بلا خصر ولا صدر، أي جمال في ظهور الركبة وهي أقبح جزء في جسم المرأة باعتراف خبراء الجمال من الرجال، إن موضة الشوال في نظري تضفي علي المرأة مظهرا من العبط والغباء، ولقد سمعت زوجا يقول لزوجته عندما أريد أن أضحك أفكر في أمرين، إما أن أتذكر آخر نكتة لإسماعيل يس، أو أتذكر منظرك في الفستان الشوال". شارع الصحافة قدمت مي شاهين للمكتبة كتابا واحدا 1957 بعنوان " شارع الصحافة " يعد مرجعا لكل باحث يحاول رصد مسيرة دار "أخبار اليوم"، تقول فيه إن شارع الصحافة في مصر أسسه مصطفي أمين ليصبح شبيها بشارع "فليت ستريت" الذي هو شارع الصحافة في لندن. وقد بدأت قصة هذا الشارع 11 نوفمبر 1945، عندما قرر مصطفي أمين أن يحتفل بمرور عام علي صدور "أخبار اليوم "، وتحقيقها شعبية واسعة، بأن يضع حجر أساس المبني الجديد لها، وهي التي كانت تصدر من علي سطوح إحدي بنايات شارع قصر النيل، واختار المنطقة التي يطلق عليها الآن شارع الصحافة لتكون مقرا لأكبر مؤسسة صحافية في ذلك الوقت بعد الأهرام لم يكن يوجد شارع اسمه شارع الصحافة، كان هذا الشارع مهملا يحمل اسم "وابور النور"، تطل علي جانبيه الخرائب والعشش وصناديق الزبالة. ولم يكن هناك شارع اسمه شارع الجلاء، كان شارعا ضيقا يمشي فيه قطار السكة الحديد الذي يوصل بين قشلاق قصر النيل الانجليزي ومحطة العاصمة، وكان الحي الذي أصبح بنيت فيه أخبار اليوم قد اشتهر بأنه منطقة عشوائية وبأنه "حي اللصوص ومدمني المخدرات، والهاربين من العدالة"، ذلك أن طرقه الملتوية، وخرائبه المتهدمة ومسالكه القذرة تجعل من المستحيل علي البوليس أن يدخل، فما الذي جاء بأخبار اليوم هنا؟". تجيب مي شاهين علي السؤال قائلة : " كان علي أمين ومصطفي أمين يحاولان الدفاع عبثا عن هذا الاختيار للمكان،،وقال إبراهيم عبد القادر المازني، أنه لا يستطيع لقصر قامته أن يسير في هذه البرك والمستنقعات، وأنه يفكر أن يستعمل البراشوت للوصول إلي أخبار اليوم. وسمعنا أثناء تجولنا سيدة " تفرش الملاية لجارتها وضحك مصطفي أمين وقال " يبدو أن هناك جريدة أخري بجوارنا، وتساءل الرسام "رخا" هل سنبني الدار الجديدة بالطوب أم نجعلها علي شكل عشش حتي نحتفظ بالسيمترية بين الجيران، وقالت المحررة فاطمة حسن إنها تقترح أن تحضر المحررات إلي الدار يوميا راكبات عربات كارو،واقترح محرر أن ترتدي المحررات " الملايات اللف " نزولا علي تقاليد نساء الحي،غير أن السبب الحقيقي الذي دفع مصطفى، وعلى أمين لاختيار هذا المكان ليصبح شارع الصحافة في مصر، أنها كانت ارخص منطقة عرضت عليهما، كما أن الشركة المالكة للأرض وافقت علي بيعها بالتقسيط،كما أنهما كانا يقولان إنهما اختارا أقذر منطقة حتي تعطي أخبار اليوم مثلا في الإنشاء والتعمير، وتحويل الخرائب إلي مبان، والحواري الضيقة إلي شوارع، والقبور إلي عمارات، وهو ما حدث بالفعل. فقد انتهزت أخبار اليوم جلاء الانجليز من القاهرة، لتغير اسم الشارع المتقاطع معه إلي شارع الجلاء، وبدأت دعايتها للشارع حتى اجتذبت أصحاب المشروعات الجديدة فبنيت عمارة البنك الصناعي ومستشفي السكة الحديد، وعدد من العمارات الكبيرة. أما شارع الصحافة فغيرت اسمه من شارع " وابور النور "، بعد أن كتبت عريضة باسم الصحف تطلب تغيير اسم الشارع إلي شارع الصحافة، ووقعت علي العريضة جريدة أخبار اليوم،ومجلة آخر ساعة، ومجلة آخر لحظة،وجريدة أخبار المساء، وجميعها كانت تصدر من دار أخبار اليوم،ولأن الإمضاءات لم تكن تكفي فأتت بإمضاء جريدتي " الجورنال ايجيبت " وجريدة " الزمان"، حيث توجد مطبعتهما، وتنتهز فرصة إنشاء شركة التوزيع التي قامت بين جريدتي المصري والأخبار ومجلة كتب للجميع فتأتي بإمضائهم، ويحمل علي أمين العريضة إلي عبد المجيد صالح وزير الأشغال في ذلك الوقت ليوقع قرارا بتسمية شارع " وابور النور" باسم "شارع الصحافة "وكان حلم مصطفي أمين أن يتحول الشارع إلي شارع يشبه شارع الصحافة في لندن، فقام بإقناع أنطون الجميل بأن تشتري الأهرام أرضا لمطبعتها الجديدة في أرض مهجورة، وكانت نقابة الصحافيين ترغب في أن تمنحها الحكومة أرضا، لكن أمين أقنعها بأن تأخذ أرضا بالقرب من شارع الصحافة بجوار نقابة المحامين. من أرشيف " أخبار اليوم"، وكتاب "شارع الصحافة"