الأراجوز.. حدوتة المهمشين والفقراء، هو النموذج الساخر لسلبيات اجتماعية، ارتبطت به كل الفئات يعشقه الصغير والكبير، لأن خروجه من رحم هذه الطبقة حافظ علي استمراره، خاصة أنه كان يحمل قيمها وتقاليدها ونصوص كلامها، وخلال تاريخه الطويل عاش الأراجوز كالمصلح الاجتماعي، استخدم كرمز للمعالج بشكل هزلي الأراجوز فن يحتوي علي إسقاطات وتلميحات سياسية واجتماعية، فليس غريباً علي قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي، أن تعلن منظمة اليونسكو للأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، عن إدراكها لشخصية »الأراجوز» كتراث شعبي موروث ضمن تلك القائمة، خلال دورته ال13 التي انطلقت بموريشيوس. الأراجوز بطرطوره الأحمر المنتهي بكورة سوداء، وجلبابه الفضفاض المحدد بحزام من القماش ويديه الخشبيتين من الأشياء المبهرة لنا، أما صوته المجلجل بضحكته الطفولية الرنانة فكانت أهم ما يميزه ويجذبنا إليه، ذلك الصوت العبثي والهزلي والذي يتلون مع اختلاف الشخصيات التي يقدمها الأراجوز في عرضه (سوداني صعيدي خواجة امرأة شاويش شيخ غفر) أما لهجة وصوت الأراجوز فكانت دائماً وأبداً هي لهجة أولاد البلد العامية. كان أهم ما يميز الأراجوز في مشاهده التمثيلية هو الدور الذي يقوم به كبطل ومشاكس وغلباوي في مواجهة الخصم الذي أمامه، وهو ما يجعلنا نسترجع تاريخ ظهوره والهدف من استخدامه. علي الرغم من أن الأراجوز أشهر الدمي الشعبية عندنا، إلا أنه من الصعب علي المؤرخين تحديد فترة زمنية محددة، بدأ فيها فن الأراجوز في مصر، يرجع ذلك أولاً إلي قلة عدد الباحثين الذين أرخوا فن الأراجوز، كنوع من أنواع عروض فن الدمي، علي عكس خيال الظل الذي كان محط انتباه الكثير من الدارسين والمؤرخين لما فيه من دراسة سيناريو وحوار، وكذلك لأنه ظهر بصور عديدة تطورت واختلفت علي مدار العصور تباعا لكل زمن. ويري بعض المؤرخين مثل لطفي أحمد نصار أن فن الدمي انتشر بشدة في نفس الوقت الذي انتشر فيه فن خيال الظل، وكان عرضه يتزامن بصورة كبيرة مع خيال الظل. ويذكر الرحالة التركي أولياجيلي في أحد كتبه أنه رأي فنانين في القرن العاشر يلاطفون المرضي بدمي خشبية، ما كان يضحكهم ويرفه عنهم وهذا يحسن من حالتهم المرضية. ويقول بعض المؤرخين إن أصل كلمة أراجوز جاءت من »قرقوز» وهو اسم الشخصية الرئيسية في خيال الظل التركي، ولكن هذا القول يفنده نبيل بهجت في كتابه الأراجوز المصري، مدللاً علي أن فن خيال الظل انتقل من مصر إلي تركيا وليس العكس، لذا فمن المستحيل أن يكون الأراجوز المصري قد تأثر بالشخصية التي تم تصديرها من نفس المكان بالصفة الأولي، وذهب آخرون إلي أن الأراجوز هو تحريف لكلمة »قراقوش» نسبة إلي بهاء الدين قراقوش، وزير صلاح الدين الأيوبي وعرف عنه الظلم والغباء، وبما أن الأراجوز كان يستخدم لعكس الوضع السياسي والاجتماعي بصورة ساخرة، فقد استخدمه الناس في الأساس للتندر والسخرية من قراقوش، وأطلقوا علي الدمية اسما مشتقا منه، تهكما عليه وانتقاما منه بعد انتهاء عصره، واستعان نبيل بهجت في الدلالة علي ذلك بقول صابر المصري، شيخ فناني الأراجوز بمصر الآن، في عروضه »أنا الأراجوز ابن الملك قراقوش». والبعض الآخر يرجعه إلي العصر الفرعوني بمعني صانع الحكايات، والبعض يحدد ظهوره بداية من العصر المملوكي ثم الحملة الفرنسية، كأداة تنفيسية للتعبير عن الظلم والاضطهاد في المجتمع. كان عادة ما يقدم لنا مسرح الأراجوز أكثر من مشهد تمثيلي أثناء العرض يحفظه محرك الأراجوز ويتقنه، وأحيانا ماكان محرك الأراجوز يستخدم أكثر من دمية في العرض تبعا للمشهد، لذلك حفظت الذاكرة بعض الشخصيات الشهيرة التي كان يستخدمها (ابن الأراجوز زوجته نفوسة وزنوبة، زوجته السمراء بخيتة، حمودة الأقرع وأخوه، الأستاذ، البربري، العفريت، شيخ الغفر، الحانوتي، والد الزوجة، الفتوة)، كما كان يلجأ محرك الأراجوز إلي الغناء بصوت الأراجوز مع تحميس الأطفال للرد عليه وترديد بعض المقاطع في الأغنية، وهو ما كان يسعدنا كثيرا لأننا نشارك في العرض، كما كان البعض يحرص علي أن يوجه الأطفال بعض الأسئلة للأراجوز، خاصة عندما يكون المشهد أن أحد الأساتذة يعلم الأراجوز الحساب والجمع والطرح، في محاولة من محرك الأراجوز لإظهار أهمية العلم والتعلم واختبار شطارة الأطفال. من الطرائف التي كانت تحدث أن يتسلل أحد الأطفال إلي خلف البرفان الذي يختبئ فيه محرك الأراجوز ليستطلع بنفسه شخصية الأراجوز وكيف يتحدث ويتحرك، ليكتشف في النهاية أن الأراجوز هو تمثال أو عروسة قفازية وجهه من الخشب وأن يد المحرك تدخل تحت جلباب الأراجوز لتحرك رأسه ويديه يمينا ويساراً، وفور انتهاء العرض كان البعض يصر علي مصافحة الأراجوز أو تقبيله في وجهه مقتنعين أنه شخصية حقيقية ذات سمات خاصة. نجحت وزارة الثقافة في إدراج ملف الدمي اليدوية التقليدية »الأراجوز» بقائمة الصون العاجل للتراث غير المادي بمنظمة اليونسكو وذلك خلال الاجتماع السنوي للجنة الحكومية الدولية للمنظمة العالمية في مدينة بورت لويس بجمهورية موريشيوس حيث ترأس وفد مصر الدكتورة نهلة إمام الأستاذ بأكاديمية الفنون بحضور الدكتور أحمد مرسي رئيس الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية. قالت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة إن تسجيل الأراجوز بقائمة الصون العاجل للتراث غير المادي يعد إنجازا جديداً للجهود الرامية إلي الحفاظ علي الموروثات الشعبية غير الملموسة ويعد نصراً غالياً في ميدان حماية الهوية ويأتي بعد عامين من تسجيل فنون التحطيب الفرعونية بذات القائمة، وأضافت أن التراث المصري يزخر بالعديد من الملفات التي تسعي الثقافة لتسجيلها بقائمة اليونسكو خلال الفترة المقبلة مثمنة جهود وفد مصر في إعداد الملف وعرضه وحتي اعتماده كما وجهت التحية للخارجية المصرية لتعاونها مع الثقافة في إقناع الأعضاء بالتصويت لصالح الطلب المصري الذي تم إعداده خلال مارس 2017 وشمل العديد من الأسانيد الهامة إلي جانب الإنجازات التي تمت لإعادة إحياء هذا الفن، يشار إلي أن وزارة الثقافة نجحت في تسجيل فن التحطيب كتراث مصري غير مادي في نوفمبر عام 2016 سبقه إدراج السيرة الهلالية عام 2008 ليصبح فن الدمي اليدوية التقليدية »الأراجوز» هو الثالث بقائمة الصون العاجل للتراث بمنظمة اليونسكو.