شعرا، ثم أعيد ترجمة النص الشعرى إلى لغته الفرنسية، فقصة "أوبرا عايدة" تجسد صراعا بين "الواجب والعاطفة"، ورواية يوسف السباعى المنتجة عام 1950 تسير على نفس النهج وكليها تكون النهاية بقرار أحد المحبين الموت مع حبيبه بعد رحيله، ففى الأوبرا يموت الحبيب فى الحرب فتدفن "عايدة" نفسها معه، وفى الفيلم والرواية يموت المحب بالزائدة الدودية وتحرق البطلة البيت وهى معه، وفى "إنى راحلة" جسدت مديحة يسرى وكانت فى شبابها تمثل عود ياسمين دور "عايدة"، فتاة من عائلة غنية عشقت قريبها صاحب الحياة البسيطة، لكنها أجبرت على الزواج من شخص أرستقراطى لا تحبه، بعد ذلك يتزوج حبيبها، وفى النهاية تموت زوجة الحبيب السابق وتكتشف البطلة خيانة زوجها وتهرب إلى حبيبها فيهربا سويا من كل هموم الدنيا إلى الإسكندرية حيث يعيشان سويا لحظات معدودة فى عزلة وكأنهما فى الجنة، لكن يصاب "أحمد" بإنفجار الزائدة الدودية ويموت وهى بجانبه عاجزة فتكتب قصة حبهما، وتبدأ "عايدة" تجربتها معنا، ونحن نعيش تفاصيل قصتها بينما كل شيء ينم على الرحيل بكل تفاصيله المليئة بالشجن: اعتراف محتضَر يجب أن يلقى عن أكتافه، قبل الرحيل، عبئا أثقل ووزرا أنقض ظهره. اعتراف صريح علني، لا إلى كاهن فى خلوة، بل إلى الناس جميعا. أنا لا أخجل من اعترافي، فإنى أجد فيه دفاعًا عن نفسى وعن سواى من المظلومين الذين انطوت صدورهم على أسرارهم، والذين طوتهم عجلة القدر فراحوا ضحيتها واتهموا بالذنب ولا ذنب لهم.. وأجد فيه درسًا يعلمكم أن تلتمسوا المعاذير للناس، وألا ترموهم بالخطيئة دون أن تعرفوا خبيئتهم؛ فرُبَّ واحد منكم رماه القدر بنفس التجربة فما كان خيرًا منهم. "عايدة" قبل الرحيل تنقلك إلى عالمها القرمزي؛ لكنها تجلدك أيضا لموقفك المسبق من حالة عشقها، فتقول: "ما أشبهنا بالقضاة الذين جلسوا لمحاكمة الربان الذى غرقت سفينته فحكموا عليه بالإعدام بعد مداولة 7 أيام عرفوا خلالها ما كان يجب أن يعمله الربان حتى لا تغرق سفينته، وأجابهم الربان فى دهش: "حقيقة هذا ما كان يجب أن أعمله، لكنكم لم تعرفوه إلا بعد مداولة 7 أيام فى غرفة هادئة.. أما أنا فما كان أمامى سوى ثوان معدودات فى زوبعة عاتية". وهى تسرد قصتها بينما الحبيب فارق الحياة وصوت المطر ينهمر تذكرنا بأنها كانت تعلم تماما أنها أنثى مرغوبة؛ فتقول: "حمدا لله.. إنى مازلت جميلة.. بل لا أظننى كنت أجمل مما أنا الآن، لا تظنوا بقولى غرورا !!. أو ظنوا كما شئتم !! مغرورة أو غير مغرورة.. لقد كنت ارى نفسى جميلة .. وكان هو يرانى أجمل. ماذا يهم بعد ذلك إذا كنت فعلا غير جميلة ؟؟!".. وتستمر فى السرد والكاميرا تجسد ملامح حزنها وعلى ضوء الشموع ترسم لوحة رائعة لحزنها بينما هى تكتب: "كلنا عشاق.. وكلنا ريش فى مهب ريح الحب العاضفة العاتية.. لا سلطان لنا على أنفسنا، ولا سيطرة لنا على قلوبنا إلا بقدر ما تسيطر الريشة على نفسها فى مهب الريح.. لا يغرّنكم من البعض جمود أو قسوة، ولا يخدعنكم منهم ادعاء بالسيطرة على النفس وبالسخرية من الحب، أو أنهم فوق سلطان الهوى. لا يخدعنكم منهم هذا فهو قول هراء، وكلام سيذهب هباء، ولو كانت قلوبهم من حجارة، ومسها الهوى.. للانت وسرى النبض وجاشت بالحياة"،.. و"عايدة" تعترف أنها تتحمل مسئولية فقدها للحب وأنها لم تدافع عنه؛ فتقول ودموعها تنساب وأنت تعيش معها مشاهد من حياتها السابقة باستخدام المخرج ل"الفلاش باك": "كان على أن أكون شجاعة، وأن أنبئه أنه يستطيع أن يأمرنى بأن أرتدى ما يشاء، وأتناول من الطعام ما يريد، لكن عندما تصل المسألة للزواج.. فعلى أن أتزوج من أشاء، أنا وحدى التى ساتحمل عبء زواجي، و أنا التى سأشقى به أو أتمتع، و بعد سنوات سيرحل هو عن هذه الحياة، و يبقى الزوج فى عنقى حتى يموت أحدنا.. إن حياة المرأة فى زواجها، فلها وحدها أن تنتقى شريك حياتها. هكذا- كما قال لى بعد ذلك - حطمت أماله وضيعت أمانيه وعاد إلى حجرته بالميس يائسا ملتاعا.. يالحماقتي!!! علام كنت اعذب نفسى واعذبه؟ "وتستمر حياتها بعد الزواج من الآخر ونعيش معها تلك اللحظات فى أداء مليء بالشجن بين الزوجة مديحة يسرى والزوج رشدى أباظة، لتصف تلك المرحلة بصوتها الشجي: "فنحن فى عالمنا هذا المملوء بالعجائب ندعى الإشمئزاز من الحديث فيما لا نشمئز من فعله؛ ففعل المنكر لا يعد عيباً، بقدر ما يعتبر الحديث عنه عيباً، وليس على الإنسان أسهل من أن يبيح لنفسه فى الليل ما يشمئز من ذكره أو سماعه فى النهار".. وعندما يعيد الزمن الحبيب ويلتقيان ثانية يهيأك المخرج لهول النهاية عندما يجعلها تقول: "كنت أريد أن أراك وأخسر نصف عمري.. أليس ذلك أهون من ألا أراك ويذهب العمر كله سدى؟.. وبالطبع يكون لعماد حمدى الذى قام بدور البطولة رؤيته الخاصة فى الزمن والخوف من الغدر بالمحبين فيقول: "لا تكثرى من الآمال، فإن وظيفة القدر هى أن يخيب آمالنا، فلا تعطيه فرصة للشماتة بك".. أجمل ما فى هذا العمل أنك تسمع خلجات أبطاله بصوت مديحة يسرى الشجي، فالبطلة "عايدة" هى نفسها راوية قصتها بكل تفاصيلها وآلامها وفرحها، وكما هو معروف فإن لصيغة المتكلم خاصة فى التجارب الشخصية الإنسانية سحر ووقع خاص على النفوس والقلوب والعقول القراء. وتمنح صيغة المتكلم التجربة مصداقية؛ فما بالك ومن تحكى قصتها "سمراء النيل"، مديحة يسري.. وتنهى "عايدة" قصتها ثم تشعل النيران فى الكوخ وتحترق وهى تعانق "أحمد".. أنها حقا أنشودة الموت حبا .