يقضي الغارمون والغارمات في السجون عقوبات بسبب عدم تسديدهم لديون وأقساط، قد لا يتجاوز بعضها بضعة آلاف من الجنيهات، وهناك أمهات كثيرات زج بهن خلف الأسوار نتيجة عدم قدرتهن علي سداد دين حصلن عليه لتحسين مستوي معيشتهن أو وقعن إيصالات أمانة أو شيكات علي بياض لزواج بناتهن، ما دفع نواب برلمانيون وجمعيات أهلية وحقوقية لتبني إصدار تشريع ينص علي استبدال عقوبة الحبس بعقوبة بديلة في الخدمة المدنية والمنفعة العامة في المستشفيات ودور الأيتام والمسنين. هذا الاتجاه سببه أن الغارمات لسن مجرمات أو متهمات في قضايا جنائية وتتم معاقبتهن بالحبس وفقا لنص المادة "341" من قانون العقوبات، واللافت للنظر عدم وجود إحصائية رسمية بعدد الغارمات في مصر لكن وزارة التضامن الاجتماعي ذكرت أن نسبتهن تترواح بين 20 إلي 25٪ من إجمالي السجناء أي نحو 30 ألف سجينة. هذا العدد الضخم من الغارمات دفع ببعض الجمعيات الأهلية والخيرية بتدشين مبادرة تساعد في حل أزمتهن حيث قامت جمعية مصر الخير بسداد ديون الكثير من الغارمات والغارمين ، لكن تظل مشكلة الغارمين والغارمات تبحث عن حل فهل الحل في تعديل تشريعي يستبدل عقوبة السجن بالخدمة العامة أم بتحفيز وتشجيع أهل الخير من الأغنياء ورجال الأعمال بمساعدة الغارمين قبل وصولهم إلي السجن وفقا للمادة 341 من العقوبات والتي أصبحت سيفا مصلتا علي رقاب الفقراء. تقول سهير عوض مدير برنامج الغارمين بمؤسسة مصر الخير، إن المؤسسة قامت بمساعدة نحو 10 آلاف غارم خلال الفترة الأخيرة وأن عدد الذين نقوم بمساعدتهم في دفع المبالغ المستحقة عليهم بلغ نحو 5 آلاف في السنة، موضحة أن هناك تعاونا بين مؤسسة مصر الخير ووزارة الداخلية للتعرف علي الغارمين والغارمات لمساعدتهم بقدر المستطاع ووفقا للإمكانيات المتاحة لدي المؤسسة. وتوضح أن مؤسسة مصر الخير تقدم العون للمفرج عنهم في التدريب والتشغيل لافتة إلي أن عدد الغارمين التي عملت المؤسسة علي مساعدتهم وإخراجهم من السجون بعد دفع المبالغ المستحقة عليهم منذ عام 2010 بلغ نحو50 ألفاً، مشيرة إلي أن أحوال الغارمات المعيشية صعبة جدا وأنهن يمثلن النسبة الأكبر من المحبوسين علي قضايا إيصالات أمانة. تتابع: مؤسسة مصر الخير وضعت حدا أقصي للفرد لدعمه ومساعدته بحيث لايتجاوز المبلغ بأي حال من الأحوال عن "20" ألف جنيه وهناك حالات مستثناة يمكن مساعدتها بدفع مبلغ "25" ألف جنيه ، لكن في الأغلب تكون المديونيات من "5 إلي 10" آلاف جنيه ، مشيرة إلي أن جمعية مصر الخير لا تكتفي فقط بدفع المبالغ المستحقة علي الغارمين لكنها تعمل علي تدريبهم وتأهيلهم ومساعدتهم علي تعليمهم حرفة ورفع كفاءتهم لسوق العمل إضافة إلي بناء مصانع مجمعة ومشروعات صغيرة لتشغيلهم وتوفير فرص عمل مستمرة لهم حتي يكون لديهم وسيلة كسب دائمة ، ومن هذا المنطلق تقوم المؤسسة بتوفير العديد من المشروعات للغارمين والغارمات كالسجاد اليدوي والكليم حيث يتم تسويق تلك المنتجات ومنحهم مرتبات شهرية للعاملين بها. بينما أرجحت هناء غنيم عضو المجلس القومي للمرأة بمحافظة الدقهلية ومدير جمعية المدينةالمنورة للأعمال الخيرية أسباب ظاهرة الغارمين والغارمات إلي غياب ثقافة حسن تدبير الميزانية، موضحة أن معظم الغارمات تعثرن بسبب زواج بناتهن وشراء أجهزة كهربائية ومستلزمات أخري فوق قدراتهن العادية، فضلا عن أن البطالة وارتفاع إيجارات السكن، لافتة إلي أنه برغم جهود المجتمع المدني في معالجة مشكلة الغارمات إلا أنه لا يوجد تنسيق بين منظمات العمل الأهلي للتعامل مع الظاهرة، ووصفت غنيم مبادرة استبدال عقوبة السجن بالعمل في أنشطة أخري بالرائعة لأنها ستعمل علي حل أزمة الغارمات. ومن وجهة نظر أخري تؤكد الكاتبة الصحفية نوال مصطفي رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية أطفال السجينات أن الجمعية تبنت مبادرة استبدال عقوبة السجن بالخدمة المدنية منذ أكثر من عام وأنها قد حان الوقت لإعادة النظر في هذه الفلسفة العقابية ضد الغارمات والغارمين لأنهم ضحايا ظروف اجتماعية ومعيشية صعبة، لافتة إلي أن هؤلاء لجأن إلي الاقتراض والتوقيع علي إيصالات وشيكات لشراء متطلبات ومستلزمات زواج بناتهن وأنهن بسبب تعثرهن في سداد الديون واجهن السجن. توضح أن الجمعية قامت بسداد مديونيات العديد من السجينات وتأهيلهن نفسيا وبدنيا وإعدادهن للعمل بعد الإفراج عنهن، لافتة إلي أن التحالف الوطني لحماية المرأة الذي يتشكل من بعض الجمعيات القانونية والحقوقية والجمعيات المهتمة بالأسرة والطفل أطلق مبادرة لإجراء تعديل تشريعي لنص المادة "341" من قانون العقوبات الذي ينص علي أن التوقيع علي إيصالات أمانة يعد بمثابة جناية وليست جنحة مدنية، مشيرة إلي أن هذ التحالف طالب بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا الحجز عن تسديد ديون إيصالات الأمانة والشيكات باستبدالها بعقوبات مدنية خدمية تحت الرقابة الأمنية بدلا من تشريد الأطفال ، موضحة أن المادة المطالب بتعديلها في قانون العقوبات المادة رقم 58لسنة 1927 التي تقضي أنه يجوز للقاضي أن يحكم بعقوبة بديلة للحبس أو السجن للغارم والذي لايتجاوز ال 3 سنوات للعمل في المستشفيات والمدارس والهيئات الحكومية والجمعيات الخيرية وغيرها من الهيئات الأخري الصادر بها قرار من النائب العام بعد موافقة وزارة التضامن والعدل، بحيث يكون هذا العمل مقابل أجر عادل يستقطع جزء منه لسداد بعض الالتزامات المالية المترتبة علي الحكم بحيث ألا يتعدي الجزء المخصص لهذا الغرض 60٪ من الأجر ويصرف الباقي للغارم لتدابيرالحياة المعيشية، وهناك تعديل آخر طالبنا به ويتضمن إضافة مادة "327" إلي قانون العقوبات تنص علي أنه يجوز للقاضي أن يحكم بعقوبة بديلة للحبس أو السجن تطبيقا للمادة "13" من قانون العقوبات خاصة في الأحوال التي يكون فيها إيصال الأمانة أو الشيك أو أي شيء آخر مسند للجريمة ضمانا لدين غارم بحيث يشترط ألا يتجاوز قيمة الدين الواقع علي الغارم 50 ألف جنيه وأن يكون هذا الدين مدنيا أي غير تجاري وأن الغارم اضطرته الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلي الحصول عليه أي أن لكل ذي مصلحة إثبات طبيعة الدين بكل الطرق وبكل وسائل الإثبات . وتضيف مصطفي أنه في حالة إقرار مجلس النواب مشروع القانون فإنه بذلك يحل المشكلة ويحافظ علي أسرة الغارمة والغارم من الضياع. كان النائب محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب قد أكد في تصريحات سابقة أنه بصدد تقدمه بمشروع قانون يستبدل عقوبة سجن الغارم والغارمة بالخدمة المدنية إلي الأمانة العامة للمجلس خلال الفترة المقبلة وأن مشروع القانون لاقي دعما وترحيبا من نحو80 عضوا برلمانيا ، حيث ينص مشروع القانون علي منع حبس الغارمات واستبدال عقوبة الحبس بالخدمة العامة. وأضاف أنه يعد مذكرة إيضاحية تحت مسمي الخدمة الوطنية، وأن تنفيذ عقوبة الخدمة العامة تراقب من قبل وزارة الداخلية ومن خلال تقارير رقابية وأنه في حال عدم الالتزام بتنفيذ العقوبة بالمنفعة العامة يتم العودة إلي أصل العقوبة بالحبس المشدد ويلزم الغارم بسداد الديون في مدة لا تزيد علي مدة الحبس التي صدر الحكم بها ووفقا للقانون من 24 إلي ثلاث سنوات إضافة إلي عقوبة المنفعة العامة. وتابع أبو حامد إلي أن عمليات البيع بالتقسيط ينبغي ألا تتعامل بنص المادة "141" من قانون العقوبات ولكن تتعامل بالمادة "256" قانون مدني، بحيث لايعاقب بالحبس ولا تكون له سابقة وإنما من خلال التعويض أو من خلال الغرامة ، لافتا إلي وجود تعديل في مشروع القانون في المادة "341 والمادة 232" من قانون الإجراءات الجنائية التي تمنع إحالة هذه الحالات ويتم خضوعها لقانون العقوبات باستثناء ذلك المحكوم عليهم في بعض القضايا التي منها إصدار شيكات وإيصالات أمانة. ونبه وكيل لجنة التضامن الاجتماعي إلي أن مايتعلق بالبنوك والقروض الشخصية سيتم استطلاع رأي البنك المركزي فيها ، موضحا أنه سيتقدم بمشروع متكامل لمجلس النواب وأن القانون سيتضمن لائحة تنفيذية عند مناقشته ووفقا لما تستقر عليه المناقشات تحت قبة البرلمان. لكن الدكتور صلاح فوزي الفقية الدستوري أستاذ القانون يؤكد أن العقوبات والجرائم تكون وفقا لقانون وأن الحالة التي نحن بصددها المتعلقة بمصطلح الغارمات غير موجودة أصلا في قانون العقوبات ،ولذلك فالمشرع ينظر إلي هذه الجرائم وليس للدوافع وأن الأسباب لاتبحثها المحكمة ، لافتا إلي أن جرائم خيانة الأمانة تتمثل في إصدار شيك بدون رصيد أو إيصال أمانة أو تبديد ، فمن هنا نلاحظ أن المشرع حدد الجريمة في نص المادة "341" من قانون العقوبات والتي تتضمن كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو تذاكر أو كتابات تشتمل علي مخالصة أوغير ذلك فإن هذا يعد إضرارا بمالكيها أو بأصحابها أو وضع اليد عليها ، موضحا أننا نلاحظ أن الأشياء المذكورة لم يتم تسليمها إلا علي سبيل وجه الوديعة أو الإجازة أو علي سبيل الاستعمال أو الرهن أو كانت قد سلمت للمذكور كونه وكيلا بأجرة أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو القيام ببيعها أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها وفي هذه الحالة يحكم بحبسه إضافة إلي غرامة لاتتعدي مائة جنيه. ويوضح فوزي أن استبدال العقوبة بالخدمة العامة لجريمة شيك بدون رصيد فيما يتعلق بالغارمين عليها تحفظات منها أن القاضي لايحكم بحكم علي غارم أو غارمة بل إنه يحكم علي شخص مدان قام بالتوقيع علي شيك بدون رصيد وإيصال أمانة وهنا توجد شبهة عدم الدستورية وذلك لافتقادها مبدأ المساواة في العقاب لمن يخضعون لنص المادة "341" من قانون العقوبات والتي لاتعرف ما يطلقون عليهم الغارمون باعتبارهم ضحايا لظروف اقتصادية واجتماعية وميعشية وأنهم ضحايا استغلال تجار.