وقفت «سعدية - 50 سنة» - بائعة خضار فى شارع جانبى ضيق بحى روض الفرج -أمام قاضى محكمة الأسرة تروى أسباب لجوئها للمحكمة للحصول على الطلاق. بعد استمرار زوجها الذى يعمل بائعاً معها فى نفس المنطقة على إهانتها وضربها.. المفأجأة هى صدور قرار المحكمة برفض دعوى سعدية.. وعندما سألت لماذا رفضت المحكمة أن تطلقنى فوجئت بمن قال لها إن المادة 60 من قانون العقوبات تنص على أن التأديب حق نصت عليه الشريعة الإسلامية .. وهذا يعنى أن من حق زوجها أن يضربها. حكاية «سعدية» مع الضرب كانت أخف من حكاية «آمال» المتزوجة من مهندس يعمل فى إحدى الشركات الكبرى التى ذهبت للشيخ فكرى حسن وكيل وزارة الأوقاف السابق والذى يقوم بإلقاء دروس فى بعض جوامع محافظة الجيزة. ذهبت آمال تسأل الشيخ بعد انتهائه هل الشرع يبيح ضرب الزوج لزوجته خاصة أن أحد أقاربها الذى يعمل ضابط شرطة وآخر يعمل وكيل نيابة نصحاها بعدم اللجوء لأقسام الشرطة أو النيابة للإبلاغ عن ضرب زوجها لها لأن المادة 60 من قانون العقوبات تعطى للزوج حق تأديب زوجته..سألها الشيخ حسن: لماذا السؤال ؟. قالت إن زوجها دأب على ضربها وبعد ذلك فوجئت به يريد أن يضربها بمطواة كانت فى جيبه وعندما جرت منه وذهبت للجيران قال لهم إن ضرب الزوجة واجب شرعى وقانونى فالإسلام لم يمنع الضرب والقانون أيضاً لم يمنع الضرب. فكان رد الشيخ عليها أن الشرع لم يبح ضرب الزوجة واذهبى وأبلغى الشرطة عن زوجك واطلبى الطلاق. سعدية وآمال حالتان من كثير من الحالات التى تأتى إلى الجمعيات النسائية التى يطلب فيها الزوجات العون والدفاع عنهن من ضرب الأزواج. ولعل هذا هو السبب الرئيسى الذى جعل المؤتمر السنوى الأول لمشروع مناهضة العنف ضد المرأة والذى حضره العديد من رجال القانون والدين والجمعيات المهتمة بقضايا المرأة وأساتذة علم الاجتماع تصدر توصية رئيسية هى المطالبة بإلغاء المادة 60 من قانون العقوبات التى أكدت أن الحق فى التأديب مكفول طبقاً للشريعة الإسلامية.. ووضع حد للمادة 17 من هذا القانون التى تعطى الحق للقاضى للنزول بالعقوبة إلى الدرجة الأدنى أو زيادة العقوبة للدرجة الأعلى. الأستاذة آمال عبيد رئيس جمعية المرأة الريفية والحضرية بقنا أكدت لنا وفى المؤتمر على استخدام الرجال للمادة 60 من قانون العقوبات فى ضرب زوجاتهم وكثيراً ما يأتى إلينا زوجات وبنات وأخوات يشكين من ضرب رجال الأسرة لهن وعندما يذهبن إلى أقسام الشرطة أو النيابات يطالبوهن بعدم تحرير محضر أو تقديم بلاغ ضد من ضربهن حتى لا تهدم منازلهن كما أن القانون لم يجرم ضرب الرجل لزوجته ولهذا السبب فإن وزارة الأسرة والسكان بدأت فى عمل دورات تدريبية لوكلاء النيابة والقضاة وضباط الشرطة عن العنف ضد المرأة وكيفية معاملة من تضرب إنسانيا وقانونياً. من جانبها قالت لنا عزة سليمان رئيس مركز قضايا المرأة المصرية ورئيس المؤتمر السنوى الأول لمشروع مناهضة العنف ضد المرأة إن بالمركز العديد من القضايا والشكاوى التى تقدمت بها النساء ضد أزواجهن ولم يستطعن التقدم ببلاغ ضد ضرب أزواجهن بسبب المادة 60 من قانون العقوبات. عزة سلميان وأكدت عزة سليمان أنه لابد من إلغاء هذه المادة التى تعتبر إهانة للمرأة المصرية وضد الإسلام أيضاً لأنه لم يحض على ضرب المرأة ولم نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب واحدة من زوجاته أو بناته. سنركز ونطالب بالحد من استخدام المادة 17 من قانون العقوبات التى يستخدمها القضاة فى التخفيف فى الأحكام الخاصة بقضايا الشرف فنجد أباً يقتل ابنته وأخاً يقتل أخته بدافع الشك فى شرفها وتصدر الأحكام ضدهم مخففة بالسجن سنوات قليلة رغم أنه قتلها مع سبق الإصرار والترصد أى عمداً وهذا عقوبته الإعدام فى القانون. فلماذا نقتل روحاً بدافع الشرف خاصة أن جميع الدراسات أكدت أن 76% من قضايا الشرف بسبب الشك. أمنة نصير الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر تقدمت بدراسة عن حقوق المرأة انتهت إلى أن الجور على حقوق المرأة فى ظل الشريعة الإسلامية لم يكن من الشريعة وإن استخدمت فى بعض الأحيان نصوص بسبب الفهم الخاطئ لها. وللأسف الشديد الكثير من الرجال والنساء يجهلون حقوقهم، حيث ينزع الكثيرون النص الدينى من سياقه فالإسلام نهى عن ضرب النساء على الوجه أو الجسد لأن هذا يهين كرامتهن ،والرسول قال «خيركم لا يضرب». أما الشيخ فكرى حسن وكيل وزارة الأوقاف للإرشاد والوعظ فقال لنا: ما يدعيه البعض من أن الإسلام أباح تأديب الزوج لزوجته وبالتحديد فى سورة النساء والتى قالت بسم الله الرحمن الرحيم «واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن». وكما ذكر المفسرون أن رجلا من الصحابة سأل النبى صلى الله عليه وسلم ما معنى قوله تعالى «واضربوهن» فأشار الرسول بالسواك وقال بمثل هذا ونهى الرسول عن استعمال القسوة فى معاملة الزوج لزوجته. ولهذا - والكلام للشيخ فكرى - لابد من إلغاء المادة 60 من قانون العقوبات لأنها إهانة للإسلام قبل المرأة، وأطالب بتشديد العقوبة لمن يقتل ابنته أو أخته أو زوجته بدافع الشرف، لأن الشريعة وضعت خطوات شديدة لإثبات جريمة الزنى ولإقامة الحد عليها. عند ثبوت قتل الأب لابنته والأخ لأخته والزوج لزوجته مع سبق الإصرار والترصد لابد من إعدامه، فلا يجوز أن تزهق روح بدافع الشك ثم نعطى للقاتل سنوات سجن قليلة أو يقوم بدور الدولة فى الحكم على الأشخاص وتنفيذ الحكم بيده. المستشار الدكتور شكرى الدقاق أستاذ القانون الجنائى ورئيس محكمة الجنايات أعد دراسة عن المادة 17 من قانون العقوبات أكد فيها أن المادة 17 شكلت مشكلة حقيقية فى جرائم العرض والشرف، لأنها تعطى للقاضى سلطة استعمال الرأفة فى أقصى درجاتها عندما ينزل القاضى بالعقوبة درجتين عن العقوبة المقررة أصلا، حيث تنص على أنه يجوز فى مواد الجنايات - إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية - رأفة القضاة بتعديل العقوبة على الوجه الآتى: - عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد. - عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن. - عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذى لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور. - عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذى لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة شهور والظروف المخففة متروكة لتقدير القاضى تخوله حق تخفيض العقوبة فى الحدود التى عينها القانون. المستشار شكرى ذكر بالدراسة عدة قضايا خاصة بالشرف واستخدم فيها الرأفة للرجل والقاتل ،منها الدعوى رقم 4415 جنايات أول الزقازيق والتى انتهت المحكمة فيها إلى إدانة الجانى ، وهو زوج خالة المجنى عليها ، وهى طفلة لم تتجاوز ثمانى سنوات وتكرر مواقعتها، بل أولج فيها على فترات متفاوتة وثبتت الجريمة بشهادة الشهود والقرائن واطمأنت المحكمة إلى أدلة الثبوت. ومع ذلك قضت بحسبه سنتين فقط عن هذا الجرم الشديد والمعاقب عليه بالمادتين 267/2 و269 وعقوبتهما السجن المشدد الذى يصل إلى خمسة عشر عاما مستخدمة الرأفة فى أقصى درجاتها دون أى مبرر، ومع ذلك جاء بأسباب حكمها أن المحكمة ترى من ظروف وملابسات الدعوى ما يدعوها إلى استعمال الرأفة. وذكر المستشار شكرى الدقاق فى دراسته العديد من القضايا الأخرى ومنها الدعوى رقم 1300 جنايات المحمودية، وكانت المجنى عليها ضحية علاقة غير مشروعة. وتم بالفعل عقد القران على يد مأذون القرية إلا أن ذلك كله لم يرضى عمها (المتهم الأول) فأفتى بضرورة قتلها. واتفق مع زوجته (المتهمة الثالثة) وزوجة أخيه (المتهمة الثانية والدة المجنى عليها) فقام المتهم الأول بشراء كبسولات مخدرة، وقامت المتهمة الثانية بإعطائها لابنتها المجنى عليها موهمة إياها أنها حبوب للتخلص من أى حمل محتمل. وما إن تناولتها حتى غابت عن الوعى، فقام ثلاثتهم بخنقها حتى فاضت روحها ، ثم قامت الأم بعد ذلك بنقل ابنتها الضحية إلى المستشفى زاعمة أنها تناولت مادة سامة أدت إلى وفاتها. فأصدرت المحكمة حكمها بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثانية بالسجن المشدد خمسة عشر عاما والمتهمة الثالثة بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات. وطالب المستشار شكرى الدقاق فى نهاية دراسته المشرع بنص صريح يقيد سلطات القاضى فى استخدام الرأفة فى جرائم الشرف، خاصة الجرائم الجنائية منها، وهذا الكلام ليس بدعة لأن المشرع حرص على عدم استخدام الرأفة فى قانون مكافحة المخدرات باعتبارها خطراً على المجتمع. كما أن الشرع يحرم استخدام الرأفة فى الأحكام باستخدام المادة 17 من قانون العقوبات فى جرائم الجنايات والجنح المضرة بالحكومة فى جهة الداخل. سألنا فتحى كشك شيخ المحامين الشرعيين عن السبب الرئيسى وراء عدم استطاعة المرأة الحصول على حقوقها القانونية عندما يضربها زوجها. قال: السبب فى ذلك هو عدم إثباتها واقعة الضرب بالشهود، فلو أقامت امرأة دعوى طلاق للضرر، وأكدت أن زوجها ضربها وتريد الطلاق، فإذا كانت ذات مستوى اجتماعى وعلمى منخفض، وفى هذا المستوى الضرب يكون شيئاً عادياً لهذا يرفض بعض القضاة طلاقها، لأن الضرب فى هذه الحالة عادى، كما أن المادة 60 من قانون العقوبات تتيح الضرب، وضرب الزوج لزوجته غالبا ما يكون فى المنزل ولا يكون معهم شهود فتصر الزوجة أن تأتى بالشهود. أما المستشار سامى زين الدين - رئيس محكمة جنايات القاهرة والرئيس السابق لنيابات الأحوال الشخصية - فقال لنا: أنا مع إلغاء المادة 60 من قانون العقوبات لأنها عيب فى حق المرأة..أما المادة 17 فهى مهمة جدا، ولا يجوز إلغاؤها. وبالنسبة لاستخدام المادة 17 فى جرائم الشرف لابد أن تكون كل قضية لها ظروفها وبيئتها وملابساتها فجريمة الشرف فى الصعيد التى يرتكبها الزوج أو الأب أو الأخ ضد زوجته وابنته وأخته، حيث التقاليد بالتأكيد الحكم فيها يختلف عن جريمة الشرف فى القاهرة التى لها ظروفها أيضا. وكذلك بالنسبة للضرب عندما تتهم دكتورة زوجها الدكتور بضربها بالتأكيد سأحكم عليه بعقوبة أشد من العامل أو البائع الذى يضرب زوجته، لأنه لا يجوز أن زوجاً فى مكانة عالية فى العلم والسلم الاجتماعى ويضرب زوجته. ومثال آخر نستخدم فيه المادة 17 لو امرأة ارتدت «مايوه بيكينى» على شاطئ الإسكندرية لن أحكم عليها بجريمة ارتكاب فعل فاضح بينما لو ارتدت البيكينى على شاطئ النيل بالقاهرة بالتأكيد ستتهم بارتكاب فعل فاضح.