في كل صراع طائفي نسمع من الأقباط عبارة «نحن أصحاب البلد الأصليون» وذلك للاعتقاد السائد أن الأقباط هم الأحفاد المباشرون للفراعنة وأنهم حافظوا علي نقاء العرق الفرعوني. بعيدا عن كل هذا الردح الطائفي ضيق الأفق ضعيف المنطق نتساءل «هل نحن المصريين الحاليين نستطيع أن نقول إننا أحفاد الفراعنة؟».. طرحنا السؤال علي الدكتور عبدالمنعم عبدالحليم أستاذ التاريخ القديم والآثار والدكتور محمد غنيم أستاذ الأنثروبولوجيا وعميد كلية الآداب بجامعة المنصورة. هل نستطيع أن نقول أن أهل منطقة ما في مصر لديهم عرق فرعوني نقي؟ - الجنس الأنقي موجود في الصعيد الداخلي.. لأنه لم يختلط بهجرات من الخارج مثلما حدث لأهل الدلتا مثلا التي وردت عليها هجرات كثيرة. إذن أهل الصعيد كلهم لم يختلطوا بالوافدين الأجانب؟ - الصعيد (الجواني) أيضا لم يسلم من زيادة نسبة العرب البدو.. فكانوا يأتون من الجزيرة العربية ويعبرون البحر الأحمر ويدخلون مصر من الجنوب. إذن كان هناك اختلاط؟ - مصر يقولون عنها الكوبري أو الجسر بين الدول كلها.. كانت تمر بها جميع الشعوب لكن نستطيع أن نقول أن الأقباط هم الأنقي. ماذا تعني بكلمة النقاء؟ - هم ليسوا أنقياء 100% لكن نستطيع أن نقول أنهم أكثر نقاء.. لكن لا تستطيعين أن تقولي أن لديهم العرق الفرعوني النقي تماما.. بالطبع لا. هل هناك دراسات علمية أجريت علي هذا الصدد أم أنها لم تخرج عن بضع نظريات؟ - الرحالة وعملاء الآثار الأجانب كانوا يأتون مثلا بملامح رجل صعيدي مثلا ويقارنونه بملامح المصريين القدماء المنقوشة علي الآثار الفرعونية وكانوا يصلون إلي وجود تقارب.. مازال العنصر الفرعوني ملامحه موجودة حتي الآن. وهل ما توصل إليه هؤلاء العلماء يمكن أن يؤخذ مأخذ الحقيقة العلمية أم مجرد ملاحظات ونظريات؟ - كلها محاولات.. لكن ما تلاحظينه ويؤكد أننا أحفاد الفراعنة اللغة الدارجة التي نتحدث بها والتي يوجد بها الكثير من الشبه والتعبيرات التي كانت تستخدم في العصر الفرعوني. لكن عندما وصل المسلمون إلي مصر كان بها رومان ويونانيون ويهود.. فكيف أبقي المصريون علي دمائهم في ظل كل ذلك الاختلاط؟ - اليونانيون ترفعوا كثيرا ولم يختلطوا كثيرا بالمصريين، والرومان ترفعوا إلي حد كبير.. لكن من كانوا يشتغلون بالتجارة والسفر اختلطوا بالمصريين، حتي أنك تجدين أنه مازالت هناك كلمات يونانية في اللغة القبطية. علي سبيل المثال البسملة في اللغة القبطية هي (إمريل إسنودي ابشيري) وهذه ألفاظ هيروغليفية،كما أن هناك كلمة (ابنوما) وهي لفظ يوناني.. مما يظهر اختلاط اليونانيين ببعض المصريين. ما رأيك في النظرية التي تقول أن الفراعنة كانوا سود البشرة؟ - من قال هذا الكلام هو رجل زنجي أراد أن ينسب الأصول الفرعونية إلي الزنوج.. وذلك تم تفنيده بسهولة كبيرة علي أيدي علماء الآثار الفرعونية الجادين والمتعمقين. يقول بعض العلماء أن المصريين القدامي كانوا كثيري الزواج والاختلاط بالأجانب، وبالتالي هم أنفسهم لم يكونوا أصحاب عرق نقي. - كانت هناك بعض العناصر الأجنبية في الفراعنة مثل (الملك توت عنخي) الذي جاء من السودان وغزا مصر في أواخر العصر الفرعوني.. جاء ومعه جيشه وكان جزءا كبيرا منه من النوبيين.. اختلطوا بالمصريين وخرج عنصر نوبي متمصر. مصر تعرضت للاختلاط كثيرا نتيجة الغزوات الأجنبية.. مثل الآشوريين من العراق ولم يؤثروا كثيرا ثم توت عنخي أثر كثيرا، في الجنوب.. لذلك تجدين في جنوب الصعيد ملامح نوبية واضحة جدا. كما أن عبد الله ابن سعد ابن أبي السرح.. غزا النوبة والعرب اختلطوا بالنوبيين.. والعلماء أسهبوا في إظهار ذلك.. الليبيون القدماء غزوا مصر من الغرب أيضا وأسسوا دولة من أشهر ملوكها الملك شيشنك الذي غزا فلسطين ودمر معبد سليمان في فلسطين .. لكنه تمصر وسجل أفكاره بالهيروغليفية.. فكان الأجانب يغزون المصريين لكنهم كانوا يتمصرون.. فالطبع المصري غلاب. لكن هل كان الفراعنة كثيري الزواج من أجانب بالفعل؟ - بعد أن طرد الملك أحمس الهكسوس حاول المصريون تأمين أنفسهم فوجدوا أن الخطر يأتي من فلسطين وسوريا فغزوا فلسطين، وبعضهم تزوج من بنات الملوك الفلسطينيين، وفي شمال العراق دولة اسمها «ميتاني» المصريون تزوجوا من نسائها. لكن المصريين القدماء كانوا يسمحون لرجالهم بالزواج من بنات الملوك الأجنبيات لكنهم كانوا يترفعون تماما عن تزويج المصريات الأجانب، فكانوا يعتبرون بقية شعوب الأرض شعوبا همجية مقارنة بحضارتهم. وما هو رأيك في نظرية موت العرق الفرعوني؟ - لا يوجد عرق نقي تماما بالطبع، لكن الأقباط وبسبب عزلتهم يحملون بعضا من العرق الفرعوني. وماذا عمن يقولون أن هناك بعض القبائل الأفريقية تحمل أصولا فرعونية؟ - هناك عالمة أجرت بحثا عن قبائل الأشنتي في غينيا بالفعل، ودرست حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وديانتهم وخرجت بنتيجة مؤداها أن هؤلاء أصلهم فرعوني، لكن هذه مجرد مصادفات لكن ليس لدي أي دليل علي أي غزو مصري لإفريقيا ولا علي هجرة، فالإنسان يهاجر من المناطق المقفرة إلي المناطق الخصبة ولا يحدث العكس. ولا حتي بسبب الظروف السياسية الصعبة؟ - لا يمكن للمصري القديم أن يهاجر إلي إفريقيا لأنه كان سيضطر إلي المرور علي مناطق صحراوية يهلك فيها، لأن المصريين في ذلك الوقت لم يكونوا قد استأنسوا الجمل.