حتي لو انتهت وقائع هذه الطائفية الدموية في نجع حمادي بسقوط الجناة ومعاقبتهم فهذا ليس ضمانا ألا تتكرر الوقائع مجددا، طالما كانت أسبابها متوافرة وبقوة في المجتمع المصري، ومن الخطأ أن يتحمل الأمن وحده مسئولية هذا الملف ومعالجته، بل حان أوان أن تتخذ النخبة مواقعها، وأن تقوم بدورها وألا تكتفي بالتعليق ومصمصة الشفاة، فكونها نخبة سياسية وثقافية يجعل في رقبتها مسئولية تجاه مجتمعها، وواجب لمعالجة ملف الطائفية الشائك.. ليس المهم الآن أسباب ودوافع الجريمة لأن الأمر تجاوز كل الحدود، وكشف غياب نظرتنا في التعامل مع الصعيد، كذلك ضرورة إعادة النظر في سياستنا الإعلامية والتعليمية وطريقة تعامل مؤسساتنا الدينية فلم تعد الجلسات العرفية والطبطبة مجدية وأنه حان أيضا تطبيق القانون والضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه أن يشق الصف المصري، ويشتت الجبهة الداخلية! فؤاد بدراوي - نائب رئيس حزب الوفد - بدأ حديثه عن تجلي السيدة مريم العذراء الذي كان المسلم موجودا في انتظارها قبل المسيحي واعتبر ذلك تأصيلا للمشاركة والمواطنة بين الطرفين واصفا هذه الأحداث بأنها ليست ضربة للوحدة الوطنية ولكنها خلاف فردي بين مسلم ومسيحي! وقال: إنه لابد من مشاركة جميع الأحزاب السياسية وأصحاب الرأي والفكر في الفترة القادمة من خلال رسالة يتم الاتفاق عليها وتبث من خلال وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات ترسخ العمل المشترك بين الطرفين لنزع فتيل الفتنة الطائفية! أحمد الجمال - نائب رئيس الحزب الناصري - انحاز إلي الاقتصادية والاجتماعية لحل أزمة الطائفية قبل التفكير في المواجهة السياسية والثقافية لأن في رأيه الاحتقان الاقتصادي المؤدي للفقر الذي سوف يقود إلي سوء الأوضاع الاجتماعية وبالتالي يصبح التخلف موجودا مهما كانت الجهود السياسية والثقافية. ودعا إلي ضرورة إنهاء سيطرة المنطق الديني سواء إسلاميا أومسيحيا علي الحياة اليومية. نبيل زكي - الأمين العام المساعد للشئون السياسية بحزب التجمع - انتقد بطريقة بناءة بعض مؤسسات الدولة وتقصيرها في مواجهة نار الفتنة، ويقصد بها مؤسسات الإعلام والتعليم والمؤسسة الدينية. وقال: هناك 3 وسائل لا نهتم بها أوصلتنا إلي هذه الدرجة وتركها دون معالجة تأتي لنا بمثل هذه الأحداث التي كان آخرها في يوم العيد بنجع حمادي.. أولها التعليم، فمناهج التعليم علي جميع المستويات ابتدائي وإعدادي وثانوي تؤدي إلي الفتنة الطائفية وتدعو إلي التعصب الذميم، فهي مناهج كارثية تسمح بها الوزارة التي تهييء أصحاب كل دين من الطلبة لمعاداة الآخر، فهي مناهج كارثية، والمصيبة أنها ليست تعادي المواطنة فقط بل تدعو إلي احتقار المرأة أيضا! الوسيلة الثانية التي تروج للفتن الطائفية من وجهة نظره هي الإعلام والأغرب أن تصدر من تليفزيون الدولة حيث يقول: رأيت منذ يومين علي قناة النيل الثقافية أنها تستضيف أحد المتعصبين الذين يرسخون هذا الأمر في الناس وهو محمد عمارة ليقول علي الهواء من تليفزيون الدولة أن الأوروبيين حولوا الكنائس إلي حانات ولهذا قطع الله عنهم الرزق بالأبناء حتي ينتصر عليهم الإسلام!.. ولم يتوقف عند هذا الحد بل قال إن هناك جماعة من القساوسة ورجال الدين المسيحي بأمريكا شواذ جنسيا وتم تصويرهم بواسطة بعض اليهود الذين يهددونهم بفضح هذه الأمور عند بابا الفاتيكان فماذا تنتظر من المواطنين الذين يشاهدون مثل هذه الخرافات والأشخاص المتطرفين التي تخلق التطرف للمسيحيين وتكره المسيحي في المسلم الذي يقول شيوخه هذه الأمور علي قساوستهم وكنائسهم! زكي يري أن مواجهة الإعلام المحرض علي الفتنة يقوم بتشريع قانون جديد للإعلام يجرم كل من يحرض أبناء دين واحد ضد الدين الآخر وتكون العقوبة مغلظة، موضحا أن هناك مواد قانونية تجرم ذلك ولكن نحتاج لإطار جديد مواكب. أما الأمر الثالث والأخطر كما يراه والذي يعمل بالدرجة الأولي علي هذه الفتن فهو الخطاب الديني الذي ليس للدولة فيه أي دور حسب قوله.. موضحا: نجد ما يسمي برجل الدين أو الداعية يقول ما يشاء من خرافات وكراهات باسم الدين. وإن أرجع زكي التقصير إلي عصر الرئيس السادات الذي كان فيه سياسة الإعلام مبنية - حسب قوله - علي المزايدة في التطرف وكأن الدولة تريد أن توضح للمتطرفين أنها أكثر تطرفا منهم بحجة أن ذلك يسحب البساط من تحت أقدام المتطرفين مما أدي إلي تخصيب منابع التطرف. في حين عبر عبدالرحيم الغول - نائب دائرة نجع حمادي التي شهدت هذه الأحداث - عن استيائه من وصول الأمر لهذه الدرجة مطالبا بعدم الحديث الآن حتي نترك للنيابة الفرصة في التحقيقات للوصول إلي الجناة مشيرا إلي توقعه بأن هذه الأحداث بعيدة عن حادثة اغتصاب المسيحي الموجود حاليا في قبضة رجال الشرطة والمتهم باغتصاب الفتاة المسلمة! خيرت عثمان - أمين الحزب الوطني بقنا - ظل مشغولا طوال الأيام الماضية في موقع الحادث ووصف الحادثة علي طريقة يعملوها الصغار.. ويقع فيها الكبار، وعلق قائلا: ما جري بعد الحادثة من أحداث المشادات بين الأهالي مسلمين ومسيحيين من أطفال صغار لا يتعدي أعمارهم ال16 عاما وتمت السيطرة تماما عليها من جانب جهات الأمن وقال إن شهود العيان في هذه الأحداث قالوا إن المجرمين ليسوا من أهل المدينة وأنهم مجرمون محترفون، ويري أن الحادثة جريمة بعيدة عن المسلمين والمسيحيين وليس لها علاقة بأزمة الفتاة المغتصبة. د. ثروت باسيلي - وكيل المجلس الملي سابقا قال: إن ما حدث بنجع حمادي مؤامرة علي الوحدة الوطنية وينبغي البحث عن الجناة ومعاقبتهم بأقصي عقوبة دون تقبل أي أعذار تعفيهم من العقاب، فهذا بداية مواجهة التطرف حتي يرتدع الجميع. الموضوع يتعلق بمؤامرة معينة لإشعال الفتنة، ولابد أن يحصل الجاني علي أشد عقوبة لأن أحد أسباب هذه الحادثة أن هناك حوادث سابقة لم يتم معاقبة الجناة سواء بعدم العثور عليهم أو التستر أو بسبب عدم الرغبة في إشعال الأجواء وتحدث مصالحة مثل دير أبوفانا، وتستمر المواجهة الحقيقية بالدور الثقافي والسياسي للدولة والوصول إلي جهات وأفراد تريد إشعال البلد حريقة مع الابتعاد عن سياسة طبطبة الخواطر، فلابد من العقاب والوقاية بقيام الأمن بكشف هذه الأشياء قبل عملها ومنعها من الأساس، فلا أظن أن يستطيع رجل الدين من الجانبين وقف هذا النزيف بأي شكل من الأشكال. أما الكاتب والمفكر د. جابر عصفور فوصف هذه الأحداث بأنها وصمة عار في بلدنا وقال: هذا أمر ينبغي مواجهته بأقصي درجات الحسم ووضع خطة استراتيجية علي جميع المستويات للقضاء علي بذور التطرف فالمسألة أصبحت غير محتملة، إلي متي نترك هذا الباب مفتوحا لمتطرفين لا يمثلون الإنسان؟!.. فهذه الأمة علمت العالم كله من عام 1919 أن الدين لله والوطن للجميع! وأضاف: ما جري ضرب الدستور في مقتل، هذا العيد 7 يناير عندما أصبح إجازة رسمية لتأكيد المواطنة والإخاء بين المسلمين والمسيحيين وأن يحتفل كل منهما بعيد الميلاد المجيد. وتساءل عصفور: إذا اغتصب مسلم فتاة مسيحية هل سيكون الرد بنفس الطريقة؟ هؤلاء الأفراد مجانين ويجب أن يذهبوا إلي مستشفي الأمراض العقلية، والقانون كفيل لردع هؤلاء المتطرفين إذا طبق بحزم وحسم. وقال إن المواجهة الثقافية هي الأمثل لهذه الفتنة وينبغي أن نعلم ثقافة المواطنة للناس، وهذه مسئولية وزارات الإعلام والثقافة والتعليم والأوقاف التي بها أكثر من 100 ألف واعظ وشيخ جامع يبث عدد منهم الأفكار المتطرفة في وجدان الناس. الأديب يوسف القعيد شخص ما حدث بأنه مجرد حدث فردي ولن يوصف بأنه فتنة طائفية قائلا: هذه القضية لا تخرج عن كونها جريمة جنائية في المقام الأول وهذا فسرته رواية البوسطجي الذي قام فيها والد البطلة المسيحية بقتلها، لأنها تزوجت من مسيحي من ملة أخري وبالتالي فهذه القضية تأخذنا إلي أن الثأر هو الذي يحكم في النهاية وليس له علاقة بالنزاع الطائفي! وقال: علينا أن نحارب التشدد الديني من خلال إصدار تشريعات تمنع وضع الصلبان وارتداء النقاب في المجتمع لكي نعود لسنة 1919 رافعين شعار الدين لله والوطن للجميع موضحا أن البعد الطائفي اليوم أصبح بيزنس عند الأقلية والأغلبية مطالبا بضرورة ألا تصبح المرجعية الدينية هي الأساس في حكمنا علي أي وضع سياسي أو اجتماعي بالبلد. بينما وصف الأديب جمال الغيطاني رئيس تحرير أخبار الأدب ما حدث بأنه مصيبة وقال معلقا: واجبنا كمثقفين أن نحارب من أجل ترسيخ المواطنة مشيرا إلي أن وسائل الإعلام ساهمت بشكل كبير في انتقال هذا التطرف لا سيما الفضائيات الخاصة التي تبرز المشايخ والقساوسة المتطرفين وتنشر أفكارهم بشكل كبير مطالبا بضرورة تكاتف القوي السياسية بمختلف أطيافها لوضع برنامج زمني تستطيع فيه القضاء علي بؤر التطرف في جميع محافظات مصر. أما الشيخ محمود عاشور - عضو مجمع البحوث الإسلامية - فيري أن ما حدث ليس له علاقة بالفتنة الطائفية وإنما يندرج تحت عادة الثأر المنتشرة في الصعيد والتي يرفضها الإسلام لكونها من عادات الجاهلية ويتوارثها الصعايدة فضياع شرف البنت هناك كارثة لا يمكن حلها ونهايتها القصاص ولقد فشلنا في تغيير هذه الموروثات الثقافية فما جري مع هذه الفتاة هو الذي زاد من وطأتها وأدي إلي مقتل الأقباط فالقضية بعيدة عن البعد الطائفي وعلي الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه القضية التي أصبحت منتشرة في مجتمعنا بشكل كبير وأصبح القصاص يتخده الأهالي بأيديهم بدلا من اللجوء إلي القضاء وهذه أزمتنا الحقيقية في الصعيد برغم رفض الدين الإسلامي والمسيحي لتلك العادة الاجتماعية التي أصبحت تشكل خطرا علي المجتمع. في حين هاجم الشيخ عبدالحميد الأطرش - رئيس لجنة الفتوي الأسبق - هذه الحادثة مستشهدا بالآية القرآنية ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب فالذي يملك القصاص هو الحاكم وليس ولي الدم فلو ترك الأمر بأيدهم لأصبحت الحياة همجية دون رابط فمثل هذه الحياة الوحشية لا يقرها الدين الإسلامي ولا أي دين سماوي فالمسيحي له مالنا وعليه ما علينا وهذا ما يؤكده ديننا الحنيف فلقد مرت جنازة علي النبي محمد صلي الله عليه وسلم فقام ووقف لها.. فقالوا يا رسول الله إنها جنازة غير مسلم فرد عليهم رسول الله أليست نفسا.. هكذا تعامل الإسلام مع غير المسلمين والكلام في ذلك يطول فلا يجوز لمسلم أن يعتدي علي نصراني ولا يهودي بأي حال من الأحوال مادمنا لسنا في حرب. أما الشيخ شوقي عبداللطيف - رئيس الإدارة المركزية لشئون الدعوة بوزارة الأوقاف - ففسر ما حدث بأنه مجرد خلاف بين عائلتين ومن الخطأ أن نزج به كنزاع طائفي بين الإسلام والمسيحية، فالإسلام يحترم النفس البشرية مهما كان لونها وجنسيتها فيقول الله تعالي من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.. هذه نظرة الإسلام للنفس البشرية وكما يقول الإنجيل: الإنسان هو بنيان الرب، وملعون من هدم بنيان الرب. أما الكاتب السياسي جمال أسعد فقال: الحادثة التي جرت ليست هي الأولي ولن تكون الأخيرة لأنها نتيجة طبيعية للتوتر الديني المتصاعد بين المسيحيين والمسلمين نتيجة لحالة الإزدراء بين الأديان من خلال الكتب والأشرطة التي تباع علي الأرصفة وتزيد من الاحتقان فضلا عما تقدمه الفضائيات من مواد مغرضة تزيد من حالة الاحتقان بين الطائفتين والمشكلة الحقيقية التي تواجهنا هي التدين الشكلي الذي أصبح يسيطر علي عقول الشباب المسيحي دون أن يغوص في أعماق تعاليم دينه السمح الذي يرفض التطرف بمختلف أشكاله وللأسف أننا أصبحنا نعيش في مجتمع طائفي تغذيه ثقافة عدم قبول الآخر، وتعليم يرسخ الفتنة بين مسلم ومسيحي لذلك لابد أن تتحرك أجهزة الدولة لمنع هذه الكارثة التي تتفاقم يوما بعد يوم بل أصبحت خطرا يهدد الوطن فالوضع أصبح خطرا فلابد من تفعيل القانون دون النظر إلي ملة المواطن مسلما أم مسيحيا وكفانا النظر إلي التوازنات السياسية فالقانون لابد أن يكون السيد في هذه المرة بعيدا عن الجلسات العرفية التي تتم فلابد أن يسارع القانون بمحاكمة مغتصب الفتاة وإعطائه حكما عادلا حتي لا تتصاعد الأمور. بينما اعتبر القس الإنجيلي د.إكرام لمعي أن المجالس العرفية التي تتم بين القبائل المسيحية والمسلمة في الصعيد هي السبب وراء زيادة الاحتقان بينهم فلابد في الفترة القادمة أن يفعل القانون والأحكام القضائية التي تحاسب كلا الطرفين إذا أخطأ كما لابد أن يكون للكنيسة والجامع دور أكبر من مجرد أنهما ينشطان في وقوع أي حادث طائفي فلابد من وجود خطة متكاملة تبدأ من المدارس والجامعات حتي نقضي علي هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد أمننا الداخلي كما أنه من الضروري أن يتخلي الأمن عن هذا الملف ويترك للجامع والكنيسة يناقشان أمورهما الداخلية بعيدا عن التطرف الطائفي.