يوميا، أتصفح الجرائد المصرية فأجد بيانات "المسئولين" عن "صحة" الشعب المصري، "تؤكد" بكل ثقة أن "مصر محصنة بالمصل ضد الفيروس.. هناك خطة خمسية قصيرة الأجل لتوزيع الكمامات وإرشادات الوقاية، إجراءات حجر صحي علي قدم وساق.. لا داعي للقلق.. لا داعي لإشعال "الفتن الفيروسية" ل "مصلحة مَنْ إثارة الارتياب الصحي.. لا داعي للخوف.. لا داعي للهلع.. والمبالغات الصحفية غير الدقيقة المثيرة للرعب دون أدلة.. وتقارير الصحة العالمية المبالغ فيها.. كله في الأمان.. خنازير إيه دي اللي مش حنقدر عليها.. كله في السليم.. كله تحت السيطرة.. كله متحصن.. كله مرصود بأدق الرادارات الصحية.. كله مراقب بأحدث الحقن التكنولوجية الصحية.. كله عال.. كله تمام.. كله زي الفل"! وأنا بالفعل "أتلخبط" وأقسم بكل غال لدي أنني لم أعد أعرف مَنْ المسئول عن صحة الشعب المصري. وهذه الأيام تزداد في العالم كله الاحتياطات والأمصال وأقسام الحميات في المستشفيات وغيرها من الإجراءات التي تقدم كل يوم دليلا علي استحقاقها التقدم. وتمنحنا يوميا الأمثلة المحرجة عن أن أغلي حاجة عندهم هي "الإنسان" و"الإنسان" تحدده وتصنعه "صحته". في تلك البلاد التي لا تتلقي منا إلا شتائم الانحلال، والفسق واتهامات التكفير، والعداء للإسلام، نجدها - هذا كله لا يهمها ولا تفهمه - تعمل كخلية نحل، ليس من أجل إنقاذ مجموعة من الناس VIP، ولكن لإنقاذ واحد فقير حدثت له حادثة أو عنده فيروس "سي" أو يحتاج عملية آنية. لا يسألون عن تأمين دخول ولا يطرد حتي يتسول فلوسا حتي الفحص عليه. "حياة إنسان في خطر" هذه هي الحقيقة الوحيدة المهمة الأساسية التي يعرفونها وينجزونها بأقصي جهد ممكن، والفواتير والفلوس وتكاليف الإقامة بعد "إنقاذ" حياة ذلك الإنسان. هذه الأيام نشطت حركة فيروس الخنازير وزادت سرعة انتقالها وشراستها وتكذيب البيانات المصرية وتجاوز الحدود بين الدول.. وأعلن بدون أدني ارتياب- ونتيجة أن يوميا، هناك، إصابات من 100 - 150 شخصا من العالم - وأن "أنفلونزا الخنازير"، وباء عالمي. قرأت مرة، أن "الوزير"، المعين، هو، وكل واحد في وزارته، لخدمة صحة الشعب المصري "غاضب جدا".. من أحد تقارير منظمة الصحة العالمية، التي تقول بيانات، عن أنفلونزا الخنازير، في مصر غير مطابقة، لأقواله في الإعلام، ولتصريحات وزارة الصحة المصرية، والمتحدثين باسمها، وإنجازاتها، لصحة رجال ونساء مصر. طبعا، هذا لم يدهشني لأن هكذا، هو حال أغلب الوزارات في مصر، "الوزير"، لا يهمه، ناس تموت.. أو تتحرق.. أو تغرق.. أو تروح في ستين داهية، هي وفقرها، وأمراضها، ومشاكلها، وعياها، وقلة حيلتها، وانعدام كرامتها. "الوزير"، لا يهمه، إلا تصريحات الوزارة الوردية.. وصوره في الجرائد.. وتقارير لجانه التي تثبت كل يوم، خطأها.. وألا يتم إحراجه.. خوفا من فصله.. أو نقله.. أو علي الأقل، "تقليل قيمته". أعود إلي سؤالي الجوهري، الذي يهم الشعب المصري، نساء، ورجالا: مَنْ المسئول، عن "صحة الشعب المصري"؟ وما مدي مسئوليته؟ ومن يحاسبه في حالات الفشل؟ أنا شخصيا، الإجابة حاضرة، عندي وليس فقط، بسبب، إعلان أنفلونزا الخنازير، وباء عالميا. والإجابة علي مسئوليتي الشخصية، وأستطيع إثباتها، والدفاع عنها، والتدليل عليها. "من المسئول عن صحة الشعب المصري"؟ لا أحد.. نعم "لا أحد"، له علاقة بصحة الشعب المصري. وأقولها، بعد عشرات التجارب، في المستشفيات، بمختلف أنواعها. لا أحد، إلا: "حنان" الفيروسات حتي تظل كامنة غير نشطة، وغير متحورة، وغير شرسة. 2- فصل الدين عن الدولة.. عشان لما نحاسب طبيب، أو طبيبة، في مستشفي أميري، أو سياحي، عن الإهمال، أو التباطؤ في فحص الحالة، وتشخيصها، حتي مات المريض. ميطلعش حد يقول "ربنا عايز كده".. أو "الأعمار بيد الله".. أو "كله مكتوب علي الجبين".. أو هتعترضوا كمان علي حكمة ربنا".. ومثل هذه المقولات الدينية، التي تستخدم، للتستر علي الإهمال، والفساد، وانعدام الضمير، وعدم معاقبة الجناة وتشويه الحقائق، أو تزويرها، أو إخفائها بالكامل، بالحرق، أو الدفن. وسوف تبقي، "العقلية" التي تدير مصالح مصر، التي نريد لها التغيير الإيجابي.. في كل المجالات، أو أغلب المجالات، هي "العقلية"، نفسها، التي تواجه يوميا بإصابات جديدة، لكنها، تفرد الإعلام، عن سهرات، وليالي، وفوازير، وفتاوي رمضان. لذلك، أقول، وضميري مرتاح، أن الفيروس الحقيقي.. الشرس.. المدمر.. المتحور.. الوباء الفتاك، ليس، هو فيروس أنفلونزا الخنازير.. ولكن طريقتنا في التفكير. من بستان قصائدي ماتت زهرة حياتي ماتت وردة عمري مات الكروان الشادي مات توءمي كنت أتقلب بين الأوجاع ينساب حنانه قائلا أفهمك.. أحسك فلا تتكلمي.