انتهى ماراثون الانتخابات البرلمانية فى المرحلة الأولى ومازالت الأحزاب القديمة تندب حظها بعد الاخفاق الذى نالته ولم تكن تتوقعه اعتمادا على أنها الأقدم والأكثر تاريخا، فعولت على أنها الأكثر حظا بعد ثورة يناير التى قضت على النظام البائد الذى كان دائما يعلقون عليه شماعة اخفاقهم فى الانتخابات السابقة بحجة التضييق والمنع وقامت الثورة وانفجرت هوجة تكوين الأحزاب لكن أغلبها لم يأخذ الوقت الكافى للدعاية وتعريف المواطنين والاحتكاك بهم ومع ذلك كان نصيبهم أكثر حظا من أحزاب لها تاريخ يفوق عشرات الأعوام مثل حزب الوفد والتجمع والحزب الناصرى. خروجهم من سباق المنافسة فى أغلب الدوائر وعدم جنيهم لمقاعد تتناسب مع تاريخهم بعد رحيل نظام مبارك الذى كان يمنعهم ربما يكون بمثابة حجة التلميذ البليد الذى دائما يرمى فشله على مدرسته. يرى المستشار مصطفى الطويل رئيس حزب الوفد الشرفى أن نجاح التيارات الدينية فى هذه المرحلة لأنها تسيطر على محافظات المرحلة الأولى منذ فترة طويلة، فهذه التيارات الدينية كان مسموحا لها بالتواجد بجانب الأحزاب التى كانت فى أحضان النظام السابق، أما الأحزاب الأخرى فقد قضى عليها تماما. وحمل الطويل اخفاق الوفد فى هذه المرحلة إلى سعيه للتحالف مع الحرية والعدالة الذى كان بمثابة تخليه عن مبادئه الداعية بمدنية الدولة بالإضافة إلى الارتباك الذى حدث قبل الانتخابات والمطالبات بتأجيل الانتخابات وهو ما جعل الكثير من المرشحين يتباطأون فى حملاتهم الانتخابية وهو ما صب فى مصلحة مرشحى التيار الدينى الذين لديهم الإمكانيات المادية والمتواجدين فى الشارع فى الوقت الذى كانت فيه الأحزاب الأخرى حبيسة مقراتها بأوامر أمن الدولة. وأضاف الطويل أن هذا النجاح للتيار الدينى فى مصر هو جزء مما يحدث فى المنطقة العربية وهوجة التوجه إلى الإسلاميين بسبب ممارسة الأنظمة السابقة للظلم والقهر للمواطنين والحالة المتردية التى كان يعيشها المواطن فقر وجهل وهو ما خلق التشدد الدينى ولو كانت هناك ديمقراطية وحرية لما كان هذا التشدد. واستبعد أن يكون السبب فى اخفاق الوفد احتواءه على قوائم الفلول لأن كل ما احتوته قوائم حزب الوفد من الفلول لا يتجاوز 5 مرشحين. حسين منصور عضو الهيئة العليا بالوفد يرى أن هناك قرارات اتخذها الوفد كان لها رد فعل سلبى فى الشارع منها احتواء قوائمه على وجوه من خارج الحزب فتح الباب لاطلاق اتهامات ضم الفلول للوفد وهو ما تم استخدامه فى الدعاية المضادة للوفد، والترويج بعلاقاته بالنظام السابق رغم أنه لم يدخل فى أى صفقات مع النظام القديم الدخول فى التحالف مع الإخوان ثم الخروج منه جعل هناك ارتباكاً عند صناع القرار وخلق إحساسا لدى الطبقة المتوسطة أن هناك تردداً فى صناعة القرار وتحمل الوفد وزره فى الانتخابات. وأكد منصور على أن هناك مزاجا عاما لدى المواطنين لخوض التجربة مع الإسلاميين، أما الأحزاب القديمة علقت بها الكثير من الاتهامات بأنها شاركت بالتواجد مع الحزب الوطنى المنحل ولم تواجه كامب ديفيد أو الدولة البوليسية لكن لا يمكن إغفال أنها فتحت المجال للحرية والديمقراطية. الدكتور محمد أبوالعلا رئيس حزب العربى الناصرى أوضح أن أسباب فشل الأحزاب القديمة هى الانقسامات التى داخلها والصراع على السلطة وضعف الامكانيات الاقتصادية التى تمكنها من الإنفاق على الدعاية فى الانتخابات. وقال إنه كان يوجد اقتراح بتوافق كل الناصريين على قائمة موحدة لكن سامح عاشور أعد قائمة وسعى من خلالها للتحالف مع الإخوان المسلمين لكنهم خذلوه وهو ما كان له تأثير سلبى على استكمال الاقتراح. أحمد حسن الأمين العام للحزب الناصرى قال إنهم قبلوا عدم خوض الانتخابات والاكتفاء بقائمة سامح عاشور حتى لا يزداد الشرخ بين أطراف الحزب، لكن قائمة عاشور جاءت هزيلة وعلى رأسها ليس من هم بناصريين بل من فلول الوطنى. واستطرد حسن قائلا: إن الأموال هى الصوت العالى فى الانتخابات وهو ما تفتقده الأحزاب القديمة كما أن هناك مناخا عاما يعطى للتيارات الدينية فرصة الصوت العالى فهم يعتمدون على الحناجر دون البرامج، أما الأحزاب الحقيقية التى لها برامج وطنية ليس لها مكان. بينما رفض توحيد البنهاوى الأمين العام للحزب الناصرى -جبهة سامح عاشور - التعليق على أن السبب فى فشل الحزب الناصرى هو اختيار جبهة سامح عاشور لقائمة منفردة مؤكدا على أنه يرفض التعليق على هذه الاتهامات وضرورة تجاوز هذه المرحلة. واعترف توحيد بأن سبب فشلهم فى هذه المرحلة التى شاركوا من خلالها بقائمة فى القاهرة وأخرى فى دمياط وقائمتين فى أسيوط ومقعد على الفردى فى الأقصر هو ضعف القوائم وعدم اختيار شخصيات جماهيرية بسبب ضيق الوقت بعد الانسحاب من التحالف مع الإخوان وهذا خطأنا وعلينا تحمله. بنهاوى يرى أن أجواء الانتخابات مشابهة لأجواء الاستفتاء، فالناخبون انشقوا إلى قسمين منهم من أيد التيار الدينى وهم الذين صوتوا بنعم فى الاستفتاء والآخرون صوتوا للكتلة وهم الذين قالوا لا فى الاستفتاء دون النظر إلى أحزاب أخرى. سيد عبدالعال الأمين العام لحزب التجمع قال إن ما يهمنى هو نجاح الكتلة المصرية لأن حزب التجمع شريك فيها وما حققته من نجاح نحن راضون عنه لأننا نخوض الانتخابات بأساليب تحترم عقلية الناخب من خلال برامج انتخابية محددة، أما الأحزاب الدينية تستخدم نفس أساليب الحزب الوطنى المنحل بتقديم الزيت والسكر والدقيق للناخب والتأتير عليهم بالدين من خلال المساجد والقنوات الدينية. وعن إخفاق الوفد والناصرى أرجع السبب إلى احتواء الأول على أسماء من فلول الحزب الوطنى المنحل وفشله فى التحالف مع حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين وانسحابه قبل الأيام الأخيرة من إجراء الانتخابات وهو ما أدى لارباك فى صفوفه والثانى يعانى من انشقاقات وصراعات بينما قال إن حزب التجمع لا يعانى من أى انقسامات داخلية بل يتحمل مسئولية كبيرة خلال المرحلة القادمة وهى إبراز الجانب الإيجابى فى الثورة - العدالة الاجتماعية - فهو الحزب الذى كان يمهد للثورة. وأضاف عبدالعال أن النظام القديم لم يكن يسمح لقوى ليبرالية أن تقوى وتتفاعل لكنه كان يدعم قوى استبدادية مثله - قاصد بذلك القوى الإسلامية - ومع ذلك فنحن راضون على ما حصلوا عليه لأننا فى أول تجربة ديمقراطية فى مصر خرج فيها كل الشعب وهذا هو النجاح الحقيقى، أما توزيع الكراسى فى البرلمان فالحكم فيه لاختيارات الشعب وإن كنت أستبعد حصول التيار الدينى على الأغلبية وهو ما ستكشف عنه نتائج المرحلة الثانية والثالثة. عبدالله السناوى الكاتب الصحفى يرى أن اخفاق الأحزاب القديمة نتيجة طبيعية لتجريف سياسى له أكثر من 30 عاما تم خلالها تفريغ هذه الأحزاب من كوادرها والتضييق على حركتها ودورها مما جعل تأثيرها محدوداً فى الشارع وهو ما جعل هناك فقدان ثقة فيها من الرأى العام. وأوضح السناوى أن هذه الأحزاب كان دورها محدودا فى الثورة، ولذا فأن الأحزاب الجديدة خرجت من رحم الأحزاب القديمة بمعنى أن التيار القومى والليبرالى واليسارى موجود لكنه سيبحث عن أطر تنظيمية جديدة غير الأحزاب التى أكلها السوس. الدكتور صبحى عسيلة الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى أن السبب فى خسارة الأحزاب اعتمادها على تاريخها واعتبرت أن ذلك كاف لنجاحها فى البرلمان وابتعدت عن الشارع حتى الكتلة المصرية التى حققت نجاحا فهى اعتمدت على الدعاية دون أن تلتحم بالشارع، أما اكتساح الإخوان فهو يعكس إدارة حملة انتخابية بطريقة احترافية. وأكد على أن إخفاق الوفد سببه الانشقاقات الداخلية التى لم تمكنه من إدارة الحملة الانتخابية ودخوله فى تحالف مع الإخوان ثم الخروج منه جعل الجميع يشكك فى أهداف الوفد ورغب أن يخوض هذه التجربة بنفسه عكس التجمع الذى دخل فى الكتلة لأن أي اخفاق ستتحمله الكتلة أما نجاح الكتلة فمحسوب لحزب المصريين الأحرار فالتجمع رغب أن يحتمى بغطاء قوى حتى لا يأخذ التجريح بمفرده. وأوضح أن الناصرى لم يدخل فى الرهان ولم يكن لديه طموحات فى هذه الانتخابات بسبب الصراعات وعدم القدرة المادية فأى نجاح أو اخفاق يحققه بعيدا عن الحسابات عكس الوفد الذى كان يعول على نفسه وعلى تاريخه وتوقع لنفسه أشياء كثيرة فكان اخفاقه مفاجأة له.