إذا كانوا قد بدأوا بالتكفير فمتي يحملون السلاح ؟ العزل السياسي لأمراء الجهاد ! يقول المثل الشعبي أن أول الرقص «تحنجيل» أو «حنجلة» في حين يقول مثل آخر إن أول القصيدة كفر، ونقول نحن أن أول القصيدة «تكفير»، والتكفير جاء كنشاط طبيعي عاد تنظيم الجهاد ليمارسه بعد أن ظننا واهمين أنه توقف عن تكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وكأن أربعة وثلاثين عاما مرت منذ تأسيس التنظيم، وواحدا وثلاثين عاما منذ أن نفذ عمليته الكبري أو محاولته للاستيلاء علي مقاليد الحكم في الدولة المصرية لاتكفي كي يبلغ تنظيم الجهاد سن الرشد السياسي ويدرك أن للسياسة لغة أخري غير لغة تكفير الآخرين واستباحة دمائهم وأموالهم. منذ تأسيسه كتنظيم سري في عام 1977وتنظيم الجهاد تنظيم سري بالفطرة ومحظور بالبديهة لايؤمن بالديمقراطية ولا بالحق في الاختلاف ويعتبر أن عقيدته هي صحيح الإسلام وأن من خالفها خارج عن الدين مارق عن الملة، هو نفسه التنظيم الذي ارتكب أفراده جرائم متنوعة ومختلفة علي امتداد سنوات الثمانينيات والتسعينيات من حرق نوادي الفيديو إلي تفخيخ السيارات إلي محاولات الاغتيال المختلفة التي لم تكن تعبيرا عن مقاومة لنظام فاسد بقدر ما كانت تعبيرا عن عقيدة تكفر المجتمع كله، والدليل أن النظام سقط بينما عمليات التكفير لم تتوقف. -- لقد كان من الآثار الجانبية لقيام الثورة وسقوط النظام الإفراج عن الذين ظلوا في السجون من بقايا تنظيم الجهاد، وقد ظلوا سنوات طويلة في ظلام الزنازين وهو ما أضاف إلي طاقة الكراهية والسخط لديهم تجاه المجتمع، جاءت الثورة أيضا لترفع الحظر السياسي والإعلامي عن أعضاء التنظيم ممن كانوا قد قضوا مدة عقوبتهم وخرجوا لينزووا في بيوتهم كما يليق بطائفة متطرفة لا تندمج مع التيار الرئيسي في المجتمع وتري الاعتدال كفرا، والتسامح تفريطا والوحدة الوطنية موالاة للكفار، لكن ما حدث أن الثورة أخرجت من في السجون ورفعت الحظر عن أولئك المنزوين في الأركان المظلمة دون أن يعلنوا توبتهم عن أفكارهم أو مراجعتهم لها أو حتي نيتهم في المراجعة وليس التراجع، بل إن الذين بقوا في السجون حتي خرجوا بقوة الثورة الشعبية التي لايؤمنون بها وبقوة التظاهر السلمي الذي ظلوا يعتبرونه (شغل عيال). -- هؤلاء الذين بقوا في السجون كانوا بطبيعة الحال من العناصر الرافضة لمبادرات وقف العنف المختلفة سواء التي أطلقتها الجماعة الإسلامية بدءا من 1998وخرج بمقتضاها أفرادها من السجون، أو التي أطلقها مفتي تنظيم الجهاد نفسه سيد إمام بدءا من عام 2009، لقد ظل هؤلاء يصرون علي عقيدة التكفير حتي اليوم للدرجة التي تثير التساؤل حول جدوي الإفراج عنهم أو محاولة دمجهم في العملية الديمقراطية، الأكثر من هذا هو أن التنظيم سرعان ما اجتمعت لجنته الشرعية قبل أن تمر أيام أو أسابيع علي قيام ثورة يناير لتصدر بحثا عن تحريم بناء الكنائس في بلاد المسلمين يحمل عنوان (السيل الكانس في الرد علي باني الكنائس)، وكما يكشف تحقيق الزميل أحمد شوقي المنشور في هذا الملف، فقد كان البحث بمناسبة الجريمة التي قام بها المتطرفون حين أقدموا علي هدم كنيسة صول للمرة الأولي في مصر منذ دخلها الإسلام، حيث حاولت لجنة شرعية إطفاء نار الفتنة وأعلنت فتوي بجواز إعادة بناء الكنيسة مرة أخري كي يتعطف المتطرفون من السلفيين والجهاديين الذين كانوا يعتصمون في مكان بناء الكنيسة رافضين محاولات إعادة بنائها علي اعتبار أن بناء الكنائس حرام! في هذه الأجواء المشحونة كان بقايا تنظيم الجهاد يجتمعون ليصدروا فتوي بتحريم بناء الكنائس بل تكفير من يفتي بجواز بنائها مهما كان قدره وقيمته العلمية، الأكثر من هذا أن واحدا من قدامي الجهاديين ممن عرفوا بأنهم من أهل الفقه والعلم داخل التنظيم سارع ليتصدي لفتوي أعادت دار الإفتاء إصدارها تنص علي جواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين، وهو لم يكتف بالرد العلمي علي الفتوي ولكنه مارس عادته القديمة فكفر أصحاب الفتوي ووصف إصدارها بأنه ارتكاب لخطيئة الضلالة! بل وصف الفتوي نفسها بأنها تبدل أحكام الله وتفتري علي الله ورسوله)! إلخ. -- اللافت أن الفتوي التي بادر الجهادي القديم لتكفيرها هي ومن أصدرها كانت في أحد أجزائها تتحدث عن الحق في المواطنة ومعني المواطنة، ولعل هذا هو أكثر ما استفز الجهاديين القدامي الذين يؤمنون- وسيظلون - بالولاء والبراء أي الولاء لمن يتقاسمون معنا نفس الدين، والبراءة ممن يعتنقون دينا مختلفا وبمعني أصح العداء لهم، وهي فكرة غريبة وعدوانية تنسف معني الوطن والمواطنة وتجعل من السياسة عملية حربية ومن الديمقراطية في ظل وجود هؤلاء دربا من دروب الخيال وأوهام. والحقيقة أن الحديث الدائر عن قانون للعزل السياسي يتعقب الذين أفسدوا الحياة السياسية بأثر رجعي ويحاسب علي جرائم مثل تزوير الانتخابات والإفساد السياسي، هؤلاء ربما كانوا يهتمون بالماضي أكثر مما يهتمون بالمستقبل. -- والحقيقة أن قانون العزل السياسي يجب أن يطبق علي كل من يثبت بالدليل القاطع أنه لايؤمن بالمواطنة كقيمة تجمع المصريين جميعا تحت سماء هذا الوطن، وهو أيضا يجب أن يطبق علي كل من يثبت أنه لايؤمن بالديمقراطية كقيمة وكآلية وحيدة لتبادل السلطة في هذا المجتمع، ولعله من الغريب جدا أن نسمع أن عددا من القتلة السابقين وأبطال محاولات التفجير والنسف قد رشحوا أنفسهم في الانتخابات المقبلة ليصبحوا جزءا من الطبقة السياسية في المجتمع، بل إنه من الغريب أن صاحب فتوي تكفير المفتي كان حتي وقت قريب نائبا لرئيس حزب السلامة والتنمية الذي يضم هو أيضا فلول تنظيم الجهاد، وعندما لم يعجبه اعتراف الحزب بمفهوم الدولة المدنية تركه لينضم لحزب سلفي آخر هو الفضيلة، ورغم أن عددا من أقطاب تنظيم الجهاد الذين قضوا فترة العقوبة هم معزولون سياسيا بالفعل نتيجة الأحكام التي عوقبوا بها، إلا أن الواقع يقول أنهم يحكمون ويتحكمون في جزء كبير من المشهد السياسي المصري، فهم يؤسسون الأحزاب ويعدون القوائم ويخاطبون الجماهير، أغلب الظن أن هؤلاء هم الخطر الحقيقي علي الديمقراطية في مصر والسؤال الآن هو إذا كان أعضاء الجهاد قد بدأوا بالتكفير، وعادوا للتكفير، فمتي يحملون السلاح؟