كتبت: جيهان الغرباوي قبل الثورة كان يتمنى إشارة منى كلمة حاضر وطيب كانت دايما على لسانه كان أمير وحنين وماكنش مبين كنت فاكراه ملاك أتاريه ماركة (هات اللى معاك). قبل 25 يناير كان كلامه بينقط عصير قصب. ما اسمعش منه غير: تحت أمر حضرتك.. إحنا فى الخدمة.. ماتعوليش هم طول ما أنا موجود.. نمرتى معاكى.. اتصلى بس وقولى، التليفون عطلان ولا النت انقطع وأنا أجيلك على عنيا. هكذا كان يتحدث معى عم سيد بتاع السنترال، بكل ذوق وإنسانية، وهو لمن لا يعرفه رجل قصير ذو شعر أبيض، تفوح منه رائحة السجائر على بعد 3 أمتار، كلما انقطعت الحرارة أو تعطل التليفون، أجده أمامى مسافة السكة من سنترال المريوطية لبيتنا فى آخر شارع الهرم. رغم أن إصلاح الخطوط والتليفونات مهنته وعمله، لكنه كان لا يأتى من أجل عيون شرف المهنة، ولا حتى من أجل عيون الزبائن وخدمة العملاء، ولكن عشرة خمستاشر جنيه إكرامية، حلوين.. ينزل من العمارة سلك هنا ووصلة وفيشة هناك يلاقى فى جيبه خمسين جنيه، آشية.. معدن.. ومع ذلك كان لميدان التحرير، على عم سيد أثر كبير.. يوم والتانى من بعد الثورة، عمال السنترال اتظاهروا واتجمهروا. وقال إيه مضربين عن العمل (!) والأدهى والأنكى، بعيد عن السامعين، قطعوا وصلات التليفون والنت بفعل فاعل، عشان الإضراب يجى بفايدة والناس تحس، وتشتكى والشركة تحقق مطالبهم (!) أقوللكم الحق انا شغلى كله تليفونات ونت، يعنى المسألة أكل عيش والضرب فى الوش مافيهوش معلهش، لذا كنت أول من يتصل ويستنجد بعم سيد بتاع إحنا فى الخدمة وتحت أمرك، لكن هذه المرة عم سيد لم يرد على تليفونه المحمول من أول مرة كسابق عهده، وبعد المرة الخامسة، رد بصوت كله كبرياء ثورى وتأفف انقلابى واستعلاء ائتلافى: نعم.. عايزة إيه؟ أخبرته أنى واقعة فى عرضه يلحقنى وييجى يصلح التليفون الأرضى الخربان من 9 أيام. رد وكأنه وزير المواصلات الجديد: وأنا اعمل لك إيه؟ إنتى مش عارفة إنى معتصم عند سنترال رمسيس من صباحية ربنا؟ يعنى أسيب الإضراب عشان تليفون سيادتك؟ شوفوا الراجل النااااااقص..؟ أنا.. أنا ياعم سيد تعمل معايا كده؟ هى دى أخلاق الثورة؟ طب والله ما أنا قاعدالك فى البيت، مدام مفيش حرارة ولا نت يبقى بناقص، أصون كرامتى وأروح شغلى. فى الشارع حولى الميكروباصات ماشية من غير نمر ولازقة لوحة 25 يناير، والملاكى راكن صف رابع والتوك توك سيد الموقف مشغل سارينة الإسعاف وكاتب على زجاجه الخلفى (ربنا إدانى والناس مش سيبانى)، حتى أنا أقود سيارتى بسعادة غامرة وأتنسم عبير الحرية وأستمتع بمكاسب الثورة العظيمة، حيث لم يعد أحد يوقفنى ويسألنى لماذا لا أضع الحزام (؟) فتحت راديو العربية فتأكدت أنى ظلمت عم سيد وتعجلت الحكم عليه، عم سيد ليس الوحيد الذى فهم الثورة غلط،حسنى مبارك نفسه لم يفهم الثورة على النحو الصحيح، لا وقت أن بدأت ولا حتى اليوم، وهاهى النتيجة، تحول من رئيس جمهورية إلى بائع نيس كافيه! يكفى أن محطات الراديو الخبيثة تستغل اسمه فى برامجها الإعلانية، وإحدى محطات الأغانى الشبابية جعلت من تطورات صحته وأسرار ثروته وتفاصيل التحقيقات مع أفراد عائلته، أخبارا صباحية خفيفة فى برنامج عيش صباحك وصحصح مع نيسكافيه.. عم سيد ليس استثناء، على الأقل عايش بعد الثورة فى دور (سبارتاكوس) وعامل فيها (براف هارت)، بينما رموز النظام السابق وسيدات العهد البائد وأبناء العائلات الكريمة فى ليمان طرة، وكل من أساء فهم 25يناير، آخرة المتمة بقى مجرد خبر مثير فى برنامج تافه ترعاه شركات القهوة والمياه الغازية والتليفون المحمول. هذه الثورة خطيرة ومدهشة حقا، اللى فهمها صح يابخته، واللى فهمها غلط، كما قال المثل: جرى من تحت المطر قعد تحت المزراب!!!