منذ يوم 28 يناير والمسمي بجمعة الغضب لم نشهد 48 ساعة أصعب من تلك التي جرت مساء الثلاثاء الماضي ، والتي بدأت أحداثها من مسرح البالون وانفجرت في ميدان التحرير.. تطابق المشهد كان السبب فيه الصدام مع الشرطة الكثير من الناس لم يفهموا ماذا يحدث وكيف اشتعلت أحداث التحرير يوم 28 يونيو البعض لم يصدق عينيه مما رآه علي شاشات التليفزيون خاصة أن عنف الشرطة أصبح أكثر شراسة وكأنه يعود بنا لزمن من المفترض أن الثورة قامت لتقضي عليه. ؟ البالون السادسة مساء.. أشرف عبد الله - عامل فني إكسسوار بمسرح البالون يتأكد من جاهزية القاعة التي تستضيف حفل تكريم أسر الشهداء.. يسمع هو وزملاؤه ضجة في الخارج من ناحية الباب الرئيسي للمسرح.. يسارعون إلي هناك ليجدوا فتاتين واقفتين أمام باب المسرح وتصيحان بشكل مصطنع - علي حد قول أشرف - (إحنا عايزين تعويض عن دم الشهداء.. عايزين المحاكمة ). أشرف وزملاؤه يحاولون تهدئتهما وإبعادهما عن المكان وبالفعل ينجحون في ذلك وبعدها بلحظات فوجئوا جميعاً بعدد كبير من الأشخاص يتجهون ناحية المسرح حاملين الأسلحة البيضاء ، السيوف وقنابل المولوتوف والطوب أيضا.. يتدفقون من ثلاثة اتجاهات مختلفة الأول قادم من ميدان سفنكس والثاني قادم من نهاية شارع النيل بالعجوزة والثالث هبط من كوبري 15 مايو مباشرة إلي مكان الحادث. يكمل أشرف ما حدث قائلا : (أغلقنا باب المسرح بعدها وقمنا باستخدام خراطيم مياه الإطفاء لتفرقتهم وإبعادهم عن المسرح، وأثناء ذلك كان أحد زملائي يحاول الاتصال بالشرطة، ولكن لا أحد يرد وفي تمام السادسة والنصف أبلغنا الشرطة عما يحدث بعدها فوجئنا باثنين من هؤلاء البلطجية يتسلقان السور ويكسران زجاج نافذة غرفة مدير مسرح البالون، واستطاعا الدخول للغرفة وقاما بتكسيرها وفرم دفاتر الحضور والانصراف.. وعندما حاولنا الإمساك بهما هربا من النافذة. وفي تمام الثامنة والنصف وصلت سيارات الشرطة وقاموا بإطلاق الرصاص في الهواء مما أدي إلي حالة من الهرج والمرج تبعتها محاولات هروب من المكان خوفا من طلقات الشرطة. لم يكن من ضمن المدعوين للحفل أي أسماء شهيرة.. فقط أعضاء الجمعية.. وعشرة من أسر شهداء لتكريمهم وتوزيع عدد 10 ثلاجات كهدايا لهم مع بعض الفقرات الفنية وكان من المقرر إقامة الحفل في تمام السابعة ولكن تم إلغاؤه.. ولا أعتقد أن من اقتحموا البالون من أسر الشهداء إنما كانوا من البلطجية. المجموعات الثلاث التي تركت مسرح البالون حسب شهود عيان تحركت الأولي منها ناحية كوبري الجلاء وهناك رآهم عم سيد بائع أعلام النادي الاهلي ، وهم يمرون من كوبري الجلاء في طريقهم إلي كوبري قصر النيل ليصلوا لميدان التحرير. مجموعة أخري أخذت كوبري 15 مايو طريقا لميدان التحرير راكبين سيارات ميكروباص مرورا ببولاق أبو العلا حسب ما قال عبد المنعم حجازي بائع خبز بشارع 26 يوليو ، حيث رأي مجموعة من سيارات الميكروباص تثير ضجة في الشارع فجأة متزامنا ذلك مع تحرك مجموعة من الأشخاص سيرا علي الأقدام حاملين أسلحة. ماسبيرو الشائعات والأقاويل المتناقضة تلاحقنا طوال الوقت أثناء بحثنا عن حقيقة ما حدث ، خاصة أن الواقع مليء بالغموض وكثرة الألغاز.. نستكمل رحلة بحثنا متجهين نحو ماسبيرو، المكان من بعيد يبدو مرتكبا وفيه حركة غير معتادة.. وصلنا لموقع المعتصمين هناك وسط خيامهم، وجدناهم يحاولون تأمين المكان من أي دخيل. سألنا مجموعة منهم هل ذهبتم للتحرير ليلة أمس؟، فكان ردهم أنهم لم يتركوا خيامهم وظلوا بجانب نسائهم وأطفالهم المرضي، وأكدوا أيضا أنهم لم يروا أي مجاميع مرت من أمام ماسبيرو في اتجاه التحرير ولم يحتك أحد بهم أبدا لأنهم كانوا نائمين في الخيام واستيقظوا في منتصف الليل علي أصوات قنابل الشرطة ، وفضلوا البقاء في مكانهم ، في الصباح ذهب بعض رجال اعتصام ماسبيرو إلي ميدان التحرير. التحرير الثامنة مساء الثلاثاء. أجواء هادئة من ميدان التحرير وصلت مجموعة من أسر الشهداء والمعتصمين إلي ميدان التحرير حاملين أخبارا تصف ما حدث أمام مسرح البالون.. وجاءوا للميدان ليعلنوا أنهم لا علاقة لهم بما حدث أمام مسرح البالون.. وحكوا عن 5 أسر من أسر الشهداء كانوا معتصمين أمام ماسبيرو وذهبوا للحفل في مسرح البالون واختلطوا دون قصد بالبلطجية فتم الاعتداء عليهم. مجموعة من شباب الثورة يأتون للميدان قادمين من مقاهي وسط البلد المحيطة بالميدان ومن مقار الأحزاب والحركات السياسية التي تملأ وسط البلد ليتناقشوا فيما حدث أمام البالون. الساعة التاسعة وخمس دقائق.. فوجئ الشباب الواقفون بالميدان بعربات الأمن المركزي وقوات الأمن تقتحم الميدان قادمة من شارع الجامعة الأمريكية. يظهر أحد اللواءات واقفا أمام قوات الأمن حاملا ميكرفوناً يقول بلهجة متوعدة: (إحنا جايين نربيكوا يا ولاد...) هذه الجملة المنسوبة للواء الشرطة قالها لنا أكثر من عشرين شخصاً كانوا موجودين يومها وجميعهم من شباب الثورة ويؤكدون أن هذا السباب مسجل ومصور في أحد الفيديوهات علي الفيس بوك واليوتيوب. في هذا الوقت تقريبا كان بالميدان مجموعة من البلطجية المتواجدين دائما ومنذ فترة - حسب ما قال شهود العيان - داخل الصينية الكبيرة بالميدان. وبدأوا بالاختلاط بين صفوف الشباب وقاموا بتصعيد الأمور.. وأكدوا أيضا أن الجيش لم يكن موجوداً تماما في الميدان طوال هذه الأحداث.. ولم يظهر إلا صباح يوم الأربعاء. الساعة التاسعة والنصف ومع اشتداد المعركة بين الشرطة والمتواجدين بالميدان بدأ قدوم أول أفواج بلطجية البالون كما صرح لنا مروان ويقول أنه من اسر الشهداء ومن معتصمي ماسبيرو وأحد المشاركين في معركة البالون ، وقائد المجموعة التي وصلت للميدان قادمة من مسرح البالون.. ويصف نفسه بأنه من شباب الثورة. بعض شباب الثورة يؤكدون أن ( مروان) وإن كان هذا اسمه الحقيقي - هو أحد البلطجية المأجورين لإشعال الفتنة. الطريق إلي وزارة الداخلية بعض شهود العيان من الثوار الذين حضروا للميدان بعد الساعة العاشرة والنصف يوم 28 يونيو يؤكدون أن الشرطة بادرت بالتعدي عليهم في ميدان التحرير وألقت كماً هائلاً من القنابل المسيلة للدموع. الشهود أكدوا أن عناصر من البلطجية قاموا بالتوجه نحو وزارة الداخلية وأتلفوا عدداً من سيارات المواطنين والتي كانت موجودة بالمكان.. قالوا أيضا أنهم شاهدوا عدداً من هؤلاء البلطجية بعد ذلك أعلي مبني الداخلية يلقون بالحجارة وزجاجات المولوتوف علي المتظاهرين دون أي تدخل من الشرطة لصدهم أو القبض عليهم إنما قامت الشرطة بإطلاق رصاص المطاط علي المتظاهرين. الشرطة والبلطجية إيد واحدة أما منطقة «باب اللوق» فقد شهدت أعنف المواجهات بين المتظاهرين والشرطة برفقة البلطجية في الساعة الثالثة فجر يوم ,29 دخلت المنطقة ثلاث عربات «بوكس» بها حوالي 30 شاباً قبضت الشرطة عليهم من ميدان التحرير واتجهت بهم إلي مبني الداخلية استعدادا لتقديمهم للمحاكمة العسكرية، وقامت الشرطة بغلق منطقة باب اللوق، وتحولت إلي كردون عسكري وتشكيلات من عساكر الأمن المركزي بينهم مجموعات من البلطجية حاملين أسلحتهم البيضاء والسيوف وكان دورهم شد الشباب الذين يحاولون الاقتراب من الكردون ويقومون بضربهم ثم يلقون بهؤلاء الشباب مرة أخري في ناحية الثوار.. كانت تتم هذه الجرائم برعاية أفراد وضباط الشرطة الذين لم يتوقفوا عن عنفهم وإلقاء القنابل والخراطيش حتي الثامنة صباحا، أي لم ينفذوا أمر منصور عيسوي بوقف أعمال العنف الساعة الثالثة فجرا. اعتصام الضحايا «الأربعاء» العاشرة من صباح يوم 29 بدأ اعتصام الثوار في وسط ميدان التحرير وهم من تبقوا بعد نقل العديد من المصابين إلي المستشفيات والقبض علي البعض وهروب آخرين عددهم لم يتجاوز ال600 شخص، معظمهم من النشطاء السياسيين وأبرزهم «نوارة نجم - أسماء محفوظ - خالد عبدالحميد»، كانوا في حالة إحباط شديدة مما أصاب الثورة من عملية تمزيق مدبرة وزيادة عنف الشرطة واعتبروا ما حدث يوم 28 يونيو هو انتقام الشرطة من نجاح يوم 28 يناير ويستعجبون من أن الشرطة مازالت تنفق جزءاً كبيراً من ميزانيتها في شراء القنابل المسيلة للدموع. المعتصمون كانوا يحاولون الخروج من حالة الإحباط المسيطرة عليهم بغناء مقاطع من روائع الشيخ إمام والحديث عن مستقبل الثورة وتخاذل معظم القوي السياسية التي أصبحت لا تنزل للميدان إلا للسعي لمصالحها الخاصة ولا يهمهم الرد علي عنف الشرطة. طوال اليوم يوجد بعض المتظاهرين لا يتعدي عددهم الألف شخص في أماكن متفرقة منهم من قرر الاعتصام ومنهم من رفض.