الكل يدعي امتلاك الحقيقة ولا أحد يملكها. حتي الآن لا يمكن استيعاب كل ما حدث منذ 25 يناير، تلاحقت الأحداث وفاقت القدرة علي الرصد والمتابعة والاستنتاج، الحقيقة الواحدة التي يمكن تأكيدها الآن أن مصر بعد هذا التاريخ لن تكون أبداً كما كانت قبلها. في تلك الأحداث لعب الإعلام بكل أشكاله دورا أساسيا، تنوع ما بين الرصد والتأييد والتهييج والتهدئة والتضليل والكذب في كثير الأحيان..والمشهد كان يتيح للجميع رصد ما يؤكد وجهة نظرة، لكن الأحداث نفسها أثبتت أيضا أنه لم يعد مقبولا أن يتحدث أحد عن الإمكانيات التي تعوق قنواتنا عن منافسة القنوات الإخبارية العربية، فإذا كان هذا مقبولا حين نتحدث عن أحداث في كابول أو الشيشان أو موزنبيق فبالتأكيد ليس من المقبول إطلاقا أن نتخلف عن ملاحقة أحداثا تجري أسفل مبني التليفزيون نفسه! منذ بدء الأحداث في 25 يناير والإعلام الرسمي في ورطة حقيقية؛ احتار منذ البداية في توصيف ما يحدث هناك (هبة- فورة- مظاهرة) لم يعترف بكونها ثورة إلا مؤخرا وحتي حين اعترف بذلك تحدث عن عناصر خارجية وفئات مندسة ووجبات كنتاكي. انشغل الإعلام الرسمي كثيرا بعدد المتظاهرين ووصل الاستفزاز والتضليل إلي حد وصفهم بالعشرات في حين كان الجميع يري بعينه ملايين يملئون الشوارع، وكان مبررهم الوحيد أن ميدان التحرير لا يمكن أن يتسع لمليون شخص(!) صحيح كان الإعلام الرسمي في موقف لا يحسد عليه، فهي المرة الأولي التي يتعامل فيها مع أحداث من هذا النوع، مع ملاحظة ما تدعو إليه هذه التظاهرات من الأساس، لكن هذا لا يبرر التضليل والكذب. ظهر التخبط واضحاً منذ البدء ماذا يفعل التليفزيون الرسمي: هل يرفض، أم يدعم؟ يذيع أم يحجب؟ غاب الأمن واختفي الجميع في لحظة فارقة. ما حدث ويحدث سيسجله التاريخ، وإذا كانت الأحداث السياسية لا تزال محل دراسة وبحث وتحقيق فان الأداء الإعلامي الذي كان اللاعب الأساسي في الأحداث يحتاج أيضا تحقيق لفهم ما حدث. الحقيقة أن أزمة الإعلام المصري بدأت قبل 25 يناير، بدأت حين توالت محاولات الانتحار تقليدا للسيناريو التونسي الذي بدأ بانتحار الشاب بوعزيزي، بالطبع تجاهل التليفزيون هذه الأحداث في حين كانت توليها قنوات أخري اهتماماً خاصاً ربما ساهم في زيادتها في أقل من يومين لتزيد علي 6 محاولات للانتحار وبطرق مختلفة، أما حين بدأت التظاهرات وفي اليوم الأول حين كان الشباب يتنفسون الهواء المشبع بالغاز المسيل للدموع لم تتجاوز التغطية حدود النشرات الإخبارية ولقطات تؤكد علي سماحة رجال الشرطة في مواجهة بعضاً من مثيري الشغب! تسارعت الأحداث بعد ذلك وجاء اليوم التالي الذي كان سببا رئيسيا في مقاطعة جموع المشاركين للتليفزيون الرسمي بكل قنواته، بل ربما كان سببا أيضا في محاولات الهجوم علي المبني، تجاوزت التغطية في هذا اليوم كل حدود المهنية، وتعاملت وكأن لا شيء يحدث، كانت القناة الثانية تعرض "كارتون عن النمل" في حين اكتفت الأولي والفضائية بنشرات طمأنه تجاوزت في كثير من الأحيان إلي حدود التهديد "لمثيري الشغب"، ثم تجاوزت أكثر لتصل إلي حد التضليل، وفي الوقت الذي استمرت جميع قنوات التليفزيون وقنوات النيل في عرض برامجها وأفلامهما ومسلسلاتها وأغانيها خصصت "الجزيرة" و"العربية" و"الحرة" و"bbc" كل ساعات الإرسال للحديث عن الثورة المصرية التي حشدت الملايين للتغيير، وعن الشباب الذي يتلقي رصاص الأمن المطاطي والحي بصدور مفتوحة.
ما حدث بعد ذلك كان شيئا جنونيا، الجمعة 28 يناير اختفي جميع المسئولين بعد مواجهات دامية لجموع المتظاهرين مع الشرطة، بعد قتل وسحل لم تُعرض منه لقطة واحدة علي الشاشة التي استمرت في عرض الكارتون والأغاني الغبية في الوقت الذي تحترق فيه مصر، ولا ينتبه أحد إلا حين توالت الاستغاثات، وتكتشف مذيعة النشرة أنها أصبحت الموظف الوحيد الذي لازال في موقعة، تستقبل استغاثات المواطنين من كل أنحاء مصر، وتحاول طمأنة المتصلين بأن الجيش في طريقه إليهم، وتتوالي عليها أخبار الحرائق والسلب والنهب، وفرار المساجين، كانت تمر أعوام دون أن تذيع خبراً واحداً من تلك النوعية، فإذا بكل أنواع المصائب تتوالي في ساعات قلائل، وكان من الطبيعي أن يظهر الجميع مرتبكين مشتتين لا يعرفون ما الذي يمكن أن يقال وما الذي يمكن حجبه في وقت كهذا. فيما تلي من أيام وحين هدأت الأمور قليلا استمر التليفزيون في محاوراته التي لا تنتهي مع كل المصريين تقريبا، استقبل آلاف الاتصالات وتحدث العالم والجاهل والموتور والخائف والعامل والعاطل وحتي الأطفال، خاصة بعد أن تم التشويش علي إرسال قناة الجزيرة ثم قطع البث تماما، ورغم ذلك استطاعت الجزيرة أن تكون المصدر الوحيد للجموع المحتشدة في الميدان، مرت وتواجدت وحدها مع قنوات أجنبية بينما استمر التليفزيون المصري في عرض لقطات من بعيد لا تظهر شيئا، واستمر في حجب معلومات القتلي والمصابين، وحجب حتي المعلومات التي تناثرت بعد ذلك من داخله عن استقالات بالجملة للمذيعين اعتراضا علي سياسة التليفزيون في عرض الأحداث.
اشتعلت الأحداث مجددا في الثاني من فبراير، يروي تفاصيل ذالك اليوم أحد شهوده العيان الدكتور نبيل بهجت الذي يقول: كان الاشتباك الأول عند ساحة المتحف وللأسف بدأ فعلا بالإضرار بأطرافه التي تم إلقاء قنابل "المولوتوف" عليها، ذهبنا إلي الجيش لنناشده حماية المتحف من هؤلاء، فبدأ الجيش حماية شوارع الجامعة الأمريكية وطلعت حرب وقصر العيني بشكل ساعد المتظاهرين علي تخفيف الضغط عليهم. بدأنا ننتقل من شارع إلي آخر، وشاهدت بسالة لم أر لها نظيرا، وفي الوقت الذي كنا نعاني تحت الضغط ونبتكر الحيل لدفع البلطجية عنا، بعد أن أنهكنا التعب، كان هناك مذياع يذيع أحاديث الإذاعة الرسمية البالية عن دعاة الشغب، كان الإعلام الرسمي يقول بكل وقاحة أن الموضوع يتلخص في مجموعتين من البلطجية تتصارع علي الميدان، وكان بعض المراسلين في البرامج الفضائية يضللون الرأي العام ويزعم بعضهم أن بيننا إيرانيين وأفغان وباكستانيين، مع أنه لم يكن بيننا من أجانب إلا بعض مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية فمن أين جاؤوا بالحديث عن تلك الوجوه؟! قال الكثيرون في تلك الوسائل الإعلامية إننا إخوان في الوقت الذي كنت أري بعيني وسط المعتصمين مثقفين وفنانين وأساتذة جامعة أعرف مواقفهم ضد الإخوان، كل هذه الأكاذيب كانت محاولة منهم لتجييش الرأي العام العالمي ضدنا باستخدام "الإسلاموفوبيا" وللأسف فإن برامج شهيرة وصحفاً كنا نظنها محترمة غيرت من لهجتها في دعم ثورة الشباب. يضيف بحسرة: لقد وصفنا الإعلام الرسمي بالبلطجية فهل عضو المجلس الأعلي للثقافة وعضو اتحاد الكتاب وعضو نقابة المهن التمثيلية والأستاذ الجامعي والمسرحي بلطجي، والطبيب الذي كان بجواري بلطجي والشاعر الذي لم أره منذ سنوات وتقابلنا سويا ونحن ننحني لالتقاط الأحجار بلطجي، ومدير إحدي أهم شبكات المعلومات بلطجي، وأعضاء هيئة التدريس بلطجية، والمهندسون والأزهريون والقساوسة والمحامون والأطباء الذين جهزوا مراكز لإسعافنا بلطجية، وشباب الجامعات بلطجية.
الثالث من فبراير شهد تحولاً كبيراً في سياسة الإعلام الرسمي، وضحت الأمور وأُعلنت الوزارة وربما صدرت الأوامر بعدم منع أي شيء فأصبح كل شيء يقال علي الشاشة، حتي من يتحدث عن تنحي الرئيس، لم تعد الشاشة إلي دورها "التطميني" أصبحت تحاول الفهم ورصد الأحداث كغيرها من قنوات الأخبار، لكن حتي وإن كانت التغطية من بعيد ففي النهاية يحسب للإعلام الرسمي أنه تنبه ولو بعد حين، وأن ما كان يعتبر من قبل من المحرمات أصبح الآن شيئا عاديا ومقبولا بل ومن البديهيات أيضا، فهل كان أحداً يتخيل أن يطالب الناس بسقوط النظام علي شاشة القناة الأولي؟! الوزير نفسه خرج ليرد علي انتقاد الكاتب صبري غنيم الذي تسائل أين وزير الإعلام من هذا كله؟ خرج أنس الفقي ليقول أنه لم يغادر مكتبة طوال 10 أيام سوي لأداء اليمين الدستورية، وأنه كان أول مسئول يناقش الشباب في مطالبهم، وأنه أدار الأزمة "بوطنية" وقال بالحرف الواحد:"لم يكن لدي الوقت للظهور علي الشاشات، وسأخرج في الوقت المناسب لأقول كيف كنا نعمل لننقذ مصر"، واختتم مخاطبا غنيم "أتحداك أن تجلس علي مكتبي لتدير الأزمة كما أديرها".
كيف كان يجب أن يتعامل التليفزيون مع الأزمة؟ حاولنا أن نفهم من د.محمود علم الدين عميد كلية الإعلام الذي قال أن تتبع الأزمة من بدايتها يشير إلي التشابه الكبير بين موقف الدولة نفسها من الأزمة مع موقف التليفزيون، حيث جاء الفراغ الإعلامي ملازما للفراغ السياسي، وأصبح التليفزيون يركز علي ما اسماه "الإدارة الأمنية للأزمة" واستمر الوضع هكذا حتي أصبحت هناك إدارة سياسية بعد أن تدخل الرئيس وشكل الوزارة وعين نائبا له، فعاد الإعلام مجددا لممارسة الإدارة الإعلامية. التليفزيون المصري اجتهد علي قدر طاقته- يضيف علم الدين- وإذا أردنا التحديد فالفضل كله يعود لقطاع الأخبار وعبد اللطيف المناوي، فالأسف اقتصر العمل كله عليه، اجتهد لفتح حوار مع الجمهور ولتغطية الأزمة إخباريا لكن للأسف كان هناك نوع من التخبط. ماذا تقصد؟ دراسات الإعلام تقول إنه يجب علي الأداة الإعلامية أن تحدد جمهورها، ولمن توجه الرسالة، ومن هنا جاء التخبط، ففي هذه الأيام الصعبة فقد التليفزيون القدرة علي تحديد الجمهور المقصود، فهل هم الجمهور الخائف في المنازل؟ أم الجمهور الذي يقتله القلق خارج مصر؟ أم المتظاهرين في ميدان التحرير؟ وهم الأهم، للأسف سيطرت هنا المحاذير الأمنية، وتجاهل التليفزيون الطرف الأهم في المعادلة ففقد المصداقية فيما تبقي من أيام..كانت القنوات الأخري تعرض لقطات من داخل الميدان بينما اختفي التليفزيون المصري تماما، واكتفي باستكمال الحوار التليفوني مع أطراف لا علاقة لها بأي شيء، فحدثت عشوائية فظيعة وتحدث أشخاص أكثر عشوائية. ما الذي كان يجب أن يفعله التليفزيون؟ هناك ما يسمي بإعلام الأزمات، يركز علي ثلاثة محاور أساسية الأول هو المسئولية الوطنية بمعني أن يراعي الجهاز الإعلامي للدولة أن أية معلومة ستحسب عليه، والثاني هو المسئولية المهنية بمعني تقديم مستوي جيد من التغطية الإعلامية يراعي التركيز علي كل ما يحدث بصدق وموضوعية ومهنية لجذب أكبر عدد من المشاهدين، أما المحور الأخير فهو مراعاة أن هناك تنافسية كبيرة تدفع محطات عديدة للتغاضي عن المهنية والمسئولية لتحقيق السبق أو لتحقيق أجندات خاصة، وللأسف لم ينتبه التليفزيون إلا للعنصر الأخير. لكن ورغم هذا كله يقول علم الدين أن التليفزيون المصري استفاد كثيراً من هذه الأزمة، فعلي الأقل أعاد قطاع الأخبار اكتشاف نفسه وظهرت وجوه علي قدر كبير من المهنية مثل أحمد وجيه، وحاتم صالح، ورأفت الفقي.
الآن وبعد أن استقرت الأمور قليلا بدأ التليفزيون في تطبيق سياسة الحوار التي انتشرت في كل الدوائر والوزارات، بدأ في استضافة جميع الأطياف مع التركيز علي الشباب، يدفهم دفعا للحديث عن الاستقرار، رغم أنه عقب إذاعة أية حلقة يظهر من الشباب الموجدون في الميدان من يؤكد أن من يتحاورون في التليفزيون لا يمثلونهم ولا يعرفون عنهم شيئا، ويبدو أن الاستفزاز وصل بهم إلي حد الدعوة لمهاجمة مبني التليفزيون مجدداً، ولا أحد يعرف ما الذي يمكن أن تسفر عنه الأيام القادمة. في المقابل يمكننا أيضا أن نرصد بعض أدوار الإعلام الخاص، بدايتهم جميعا كانت بداية حذرة انتظروا حتي يفهموا ما الذي يحدث، استمروا جميعا في عرض برامجهم ومسلسلاتهم المقررة سلفا حتي يوم الجمعة 28 يناير هنا بدأ الجميع يدرك ما يحدث فعلا، فبدأت برامج المحور والحياة ودريم تعود للبث مباشرة وعلي غير ما تعودنا ظهر مذيعي "التوك شو" في الثالثة عصرا وإن تكررت الضيوف في كل البرامج تقريبا خاصة الإعلامي عماد الدين أديب الذي ظهر في كل البرامج تقريباً، عاد أيضا عمرو أديب ببرامج جديد هو "مباشر مع عمرو أديب" يصاحبه ظهور غير مفهوم لرولا خرسا، ومن أبرز لقطات الإعلام الخاص ما قام به سيد علي وهناء سمري علي قناة المحور حيث استضافا فتاة ادعت أنها تلقت تدريباً في قطر وأمريكا لقلب نظام الحكم في مصر، وبعدها اتصل الكاتب بلال فضل بمني الشاذلي في دريم ليكذب الأمر ويقول أنها موظفة في إحدي الصحف الخاصة! من الأمور اللافتة أيضا أن جميع القنوات بلا استثناء قدمت حوارات خاصة مع رئيس الوزراء ومع جميع الوزراء تقريبا، أصبحوا جميعا متاحين وطول الوقت! يمكن القول إنه بعد مرور أكثر من أسبوعين علي الأزمة أكدت جميع وسائل الإعلام المصرية تقريبا أن الثورة لم تعد ثورة شباب وأن هناك عناصر سطت علي الفكرة بالكامل وعلي رأسها الإخوان المسلمين، وإيران، وبعض الأيادي الخفية، وبدأت في استضافة بعضا ممن كانوا في الميدان واقتنعوا بما تم تقديمه حتي الآن أو المواطنين الذين توقفت مصالحهم ليدعوا المتظاهرين للتوقف. وسط هذا كله ظهرت قناة اون تي في بشكل مغاير تماما، حيث تبنت من البداية موقف المتظاهرين وتعاملت بمهنية إلي حد كبير، حيث استضافت جميع الأطراف، ونقلت بثا حيا مباشرا من داخل الميدان، وربما لقيت سخط الكثيرين ممن فضلوا الاستماع لقنوات "التطمين" والطبطبة. بشكل عام يمكن أن نقول إن الشباب لقن الإعلام الرسمي درسا قاسيا، وأثبت أنه علي رأس الأشياء التي يجب أن تتغير في مصر. كنت قد أنهيت عملي في الإذاعة في تمام الثانية من صباح الجمعة ، غادرت الاستديو..، كانت سيارتي التي أعدت تحديثها في أحسن حالاتها ورغم ذلك تلكأت قليلا وهي تنطلق، ربما كانت برودة الجو قد أثرت علي موتورها، لكنني لم انتظر حتي يسخن الموتور وانا أستحثها ورغماً عنها سارت حتي انضبطت وانطلقت بسرعتها .. كنت أنهب الطريق كنت أريد ان أصل بيتي وأدخل في فراشي الذي اشتاقه بعد عناء يوم طويل في العمل بدأ في العاشرة من صباح الخميس. شيئا ما كان يشدني وربما كانت السيارة تشعر به !، ..هل كانت تعلم انني سأستيقظ في الصباح علي رنين المحمول وطلب رؤسائي في العمل أن أرتدي ملابسي وأعود ..؟ربما كانت السيارة تعلم ما لم اكن أعلمه ! كانت الأنباء عن مظاهرة الجمعة، وكانت الامور تسير بشكل متسارع نحو شيء جديد....، صليت الجمعة بمسجد التليفزيون وبعدها توجهت الي الاستديو..، كانت الأجواء مشحونة وثمة توتر يبدو في الآفاق وجدت خريطة الاغاني قد تم تغييرها الي أغان وطنية ووصفية وبدأنا بعدها في اجراء حوارات مع بعض المثقفين حول المظاهرة وعن الشباب وكيفية التعبير عن الرأي بطرق مشروعة دونما جور علي أحد وكان لابد لنا أن نكون علي الحياد هناك مطالب للشباب وهناك دولة لابد من الحفاظ علي هيبتها ومؤسستها . ظللنا علي هذا النحو حتي المساء وكانت الاخبار التي تأتينا لاذاعتها قد بدأت هي الأخري تتلون بمستجدات الاحداث تركت زمليتيّ : مني المنياوي ونادية مبروك وذهبت الي الحمام الذي يطل علي الكورنيش وهالني ما رأيت .. كانت جموع من البشر المتظاهرين قد أحاطوا بالمبني وفجأة ومع صيحاتهم الغاضبة اندلعت النيران في سيارات الشرطة التي تحيط بالمبني أو تقف بالقرب منه، ودوت هتافات تطالب باسقاط النظام .، لا أدري هل قضيت حاجتي أم أنني عدت كما كنت ،.لم أكن خائفا ولكنني كنت قلقاً فعدت من جديد ، كانت الأصوات أعلي من قبل والحرائق تتعالي في السيارات والتكسير قد بدأ يطول واجهة المبني والمباني المجاورة وكان لابد وان أعود من جديد إلي الاستديو وكنت قد تلوت الشهادة وطلبت من زملتيي مني ونادية ان تفعلا مثلي فلموقف جد خطيروجموع المتظاهرين تريد الدخول الي المبني بأي شكل وبأي وسيلة . لم يكن خوفي من دخولهم لكن الخوف كان من النيران التي بدأوا يشعلونها وطالت ما حولنا . علمنا أن الداخلية غادرت بكل قواتها الي أين لاندري ؟؟؟ تبقي علي بوابات المبني موظفو الامن الذين تصدوا بهدوء لجموع الشباب الثائر لكن لوح الزجاج الخارجي المطل علي الكورنيش تم تكسيره ولم يعد يفصلهم عن الدخول الا موظفي الأمن وماكينات الدخول الألكترونية والتي كان من الممكن لهم أن يقفزوا من فوقها ..، هبطت لأري وكان المشهد همجياً والأصوات تتعالي ومسئولو الأمن يحاولون بكل ما أوتوا من حيلة حتي يطفأوا ثورة الثائرين . كانت الأمور تسير نحو الأسوأ وبدا المشهد مأساوياً وكنت علي استعداد للزود عن الميكروفون حتي لا يقع في يد احد فعدت الي الاستديو من جديد وأنا استحضر كل شجاعتي وثقتي ولغتي التي أخاطب بها المستمعين قرأت موجز الانباء لأهبط من جديد لمتابعة ما صار ت الية الأمور...، تغير المشهد من النقيض الي النقيض . كانت طلائع القوات المسلحة قد أتت وواصلت انتشارها وقامت بعمل سياج من أفرادها حول بوابات المبني بينما اصطفت آلياتها لتغلق الطرق المؤدية الي المبني ، ومن جديد تعالت الهتافات ... . و كانت مغايرة هذة المرة الجميع يهتفون بشعار جديد ، شعارخلق للتو و اللحظة ، هتف الجميع (الجيش والشعب ايد واحدة ) هزني الشعار وانا أبصر هذة الجموع و قداتلتف حول جيشها، كانت النيران ماتزال مشتعلة وكانت القاهرة تبدو من بعيد وسحائب دخان كثيرة وكثيفة تتعالي في سماء ليلها المغاير لكنني لم اعد خائفاً سكنتني الطمأنينة ورفرف قلبي بأمل وانا أعود من جديد الي الاستديو لاقول علي الملأ ....اذاعة الشباب والرياضة من القاهرة، وشعرت أن صوتي يصل إلي كل جموع هؤلاء الشباب الذين صنعوا فجراً جديداً ولم يتأخر المؤذن وهو يهتف بصوته الرخيم الله أكبر الله أكبر فولد فجريوم جدي