كتب : شعبان يوسف يبدو أن الثورة حتى الآن متعثرة ومعطلة عن الوصول إلى وزارة الثقافة، رغم أن رجلها الأول، أى الدكتور عماد أبوغازى - وزير الثقافة - لايدخر وقتا، ولايتأخر عن تلبية الدعوات التى توجه إليه، ولايتعالى على الذهاب إلى أى موقع ثقافى، حتى لو كان الموقع متواضعا، وبسيطا.. إذن أين المشكلة؟ وهل فعلا: الشيطان يكمن فى التفاصيل؟ حقا الشيطان الفاسد يكمن ويعربد ويترعرع بقوة فى جميع أنحاء الثقافة، وحتى الآن يثبت هذا الشيطان قوته ووجوده وتفشيه، ودليلنا على ذلك متعدد، حتى لو سلمت النية عند بعض قادة الوزارة وأخلصت فى مسعاها، فما حدث فى جوائز الدولة - مؤخرا - يقول بكل وضوح أن النظام القديم مازال قائما وقويا ومتربعا. سلوى بكر مازال رجال النظام القديم هم الذين يوزعون الأوسمة والنياشين على محاسيبهم، فما معنى أن يكون مكرم محمد أحمد، المطرود من نقابة الصحفيين أحد المحكمين، وأحد الذين صوتوا على منح الجوائز، وهو أحد الداعمين لنظام مبارك بقوة، وبالطبع لابد أن يكون ولاؤه قويا للنظام القديم، ومقالاته تشهد على ذلك، قبل وأثناء وبعد أحداث 25 يناير، ويكفى مقاله فى الأهرام يوم 28 يناير - جمعة الغضب - والذى يمدح فيه بقوة حبيب العادلى ورجاله، وما معنى وجود رجل مثل الدكتور مصطفى الفقى - أيضا - فى عملية التصويت؟ ولن أعلق كثيرا على عدم صلاحية هذين الرجلين وغيرهما على التصويت، فلا يصلح أن نصب الخمر الجديدة فى زق قديم، كما يقول العرب، ولايعنينا - هنا - استبعاد د.على الدين هلال وحده، من ساحة التصويت، لكن غالبية المجلس الموقر أشباه لعلى الدين هلال، وأعضاء هذا المجلس كلهم ذوو ولاءت وانتماءات مغايرة للحظة، إن لم يكونوا معادين لها، وكارهين لهذا التغيير الذى حدث، هذا التغيير الذى أطاح بهم من مناصبهم الكبيرة، ولم يبق لهم سوى هذه الفرص للتنفيس عن أحقادهم القديمة، وتجسيد بضعة أفعال معادية، ومعوقة للتقدم والتطور. عماد ابو غازى ولا نستطيع أن نقول إن أعضاء المجلس المتحكمين فى عملية التصويت، وتصعيد أسماء بعينها، هم فقط العنصر الوحيد للعبث، بل إن نظام التصويت البائد، هو أيضا أحد التروس القوية لتشغيل عجلة الفساد، وماكينة الضلال القوية، والاثنان معا يكرسان على تصعيد أشخاص لايمثلون اللحظة الراهنة، بل يتم أيضا استبعاد أسماء بعينها كانت ومازالت علامات فارقة فى الثقافة والإبداع المصريين، فوجود محمد البساطى وحسن طلب وسلوى بكر ومحمد ناجى وصافيناز كاظم، وغيرهم خارج مساحات التكريم، فهذا عار على جبين مانحى هذه الجوائز، ولا أعرف كيف لم تتقدم أى جهة من الجهات التى ترشح للجائزة أن تضع اسم محمد البساطى الكاتب الكبير والقدير على رأس قوائمها، ولا أندهش كثيرا، عندما أوقن أن جميع الجهات المرشحة كانت تعمل بتوصية من جهات أمنية وسيادية، لأن اسم البساطى لا يمكن تغييبه عن مجال الترشيح بأى شكل من الأشكال، رغم أن جهات عربية ومستقلة كثيرة كرمته، ومنحته - عذرا منحها - جائزتها، كذلك الكاتبة سلوى بكر المترجمة إلى 17 لغة حية من لغات الأرض، تآمرت عليها جميع الأصوات القائمة، وضنت بإعطائها جائزة التفوق، رغم أن كلية الآداب - جامعة بنها رشحتها، لكن اللجنة الموقرة!! استبعدتها من شرف المنافسة، وربما يكون هذا الشرف يليق بسلوى بكر، أيضا الشاعر الكبير حسن طلب والذى كتب منذ خمس سنوات ديوانه الرائع: «عاش النشيد» وهاجم فيه مبارك بشكل مباشر، ووصف رجاله بالفساد، هذا الشاعر استبعدته الأصوات المانحة للجائزة من الوصول إليها، أقصد أنها ثأرت منه، محمد ناجى وانتقمت بشدة منه، كذلك الفنان المبدع محمد ناجى، صاحب أجمل صوت روائى، وأكثر الذين جسدوا الحياة المصرية الآن، لم يكن على هوى الأصوات القديمة، وغير هذا الكثيرون، والمدهش أن الجائزة توقفت عند الكتاب الراحلين، الذين سعوا بكل قواهم وهم أحياء للحصول على الجائزة فلم يحصلوا عليها إلا بعد رحيلهم، مثل محمد مستجاب ثم يوسف أبورية، ثم فاروق عبدالقادر، وأخيرا الكاتب المبدع الراحل إدريس على الذى كان يشعر فى حياته أنه مضطهد، ومستبعد مع سبق الإصرار والترصد، وبذل جهودا مضنية من أجل الحصول على الجائزة، ولكنهم انتظروا رحيله، ومنحوها له، وحجبوها عن الأحياء، بل حجبوا الجائزة الثانية ولا أعرف فلسفة الحجب التى وصلت إلى 16 جائزة، هل هذا من قبيل التوفير، وخفض الإنفاق؟ بعد أن أعلن السيد الوزير أن الوزارة تعانى انخفاض الميزانية بعد أن انفصلت عنها الآثار، أظن أن خفض ميزانية وزارة الثقافة يعلن عن كارثة قادمة، وهذا سيعنى تقليص عملية النشر، وإقامة مؤتمرات وندوات، رغم أن الدكتور أحمد مجاهد أعلن عن إعادة نشر أعمال الشاعرين الكبيرين صلاح جاهين وصلاح عبدالصبور، ومعنى هذا أن نشر أعمال الشاعرين الكبيرين، سيسحب الميزانية كاملة، ويحجب - بالطبع - النشر للشباب، محل الاهتمام الذى يجب على وزارة الثقافة فى كل زمان ومكان على أرض مصر. مكرم محمد احمد ولايعنى منح اسم كبير مثل أحمد أبوزيد جائزة النيل «مبارك سابقا» تقدما، أو نجاحا مرموقا، لأن أبا زيد ظل منتظرا لسنوات على قوائم الترشيح دون أن يحصل عليها، ودون أن تنتبه اللجان الموقرة لأهميتها، وإذا كانت الجائزة ذهبت إلى أحمد أبوزيد فى العلوم الاجتماعية، فقد تم سحبها من الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، هذا الشاعر الذى لعب دورا تاريخيا ومحوريا فى تغيير خارطة الشعر العربى، ولا يمكن تجاهله واستبعاده، فاستبعاده عار عار، مثلما فعلوا مع كثيرين قبله مثل الشاعر الذى تحل ذكرى رحيله الأولى محمد عفيفى مطر، ولم يتورعوا عن اعتقاله، وتدنيس سمعته، بل عذبوه تعذيبا وحشيا فى أبريل عام 1991. عبد المعطى حجازى هذه كانت مكافأة محمد عفيفى مطر لأنه لم يمدح ولم ينحن ، ولم يقف مرتعدا أمام سلطان، ولم يسع إلى لقاء حاكم أو رئيس، على عكس أحد الفائزين، وهو الكاتب والأديب فؤاد قنديل، والذى كتب مقالا عندما التقى الرئيس المخلوع حسنى مبارك بحفنة من المثقفين، كتب قنديل مقالا تحت عنوان: «لقاء الرئيس بالمثقفين رائع.. ولكن».. ووصفه ببطل العبور، ولا أستطيع أن أدين الذين ذهبوا وقابلوا مبارك مثل خيرى شلبى ومحمد سلماوى وصلاح عيسى وحجازى وغيرهم لأن هؤلاء جاءت لهم الدعوة من رئاسة الجمهورية، والرفض هنا أو الاعتذار سيكون محسوبا على هؤلاء، ولم يعتذر سوى الكاتب الكبير إبراهيم أصلان عن الحضور وكان فى مرسى مطروح - آنذاك - ولكن عندما اعتذر، حدثه فاروق عبدالسلام وقال له: الطائرة تحت أمرك، وكرر أصلان اعتذاره، لكن فؤاد قنديل كان غاضبا لأنه لم يدع، وحرم من هذا اللقاء السامى، ليس هذا فحسب، بل أيضا كتب دراسة متينة تحت عنوان «تجليات الدهشة والبراءة فى قصص معمر القذافى» مادحا الرجل، ومادحا قصصه الرديئة، فى مجموعته «والأرض.. الأرض..» وأرجو ألا يفهم هذا بأننى أترصد الكاتب فؤاد قنديل، فهو رجل دمث ومهذب، وهذا لا علاقة له بمنح الجوائز، مصطفى الفقى مثلما ذهبت الجائزة مثلا للكاتب الكبير أحمد رجب فى الآداب، وأنا شخصيا ضعيف أمام أحمد رجب، لأننى أعرف قدره فى الكتابة الساخرة، لكن منحه الجائزة - هنا - فى الآداب - واستبعاد أحمد عبدالمعطى حجازى، هذا عوار واضح، وكان يمكن منحه جوائز أخرى كثيرة، وتكريمه بأشكال مختلفة، لكن العقلية العقيمة لقادة النظام البائد لم تستطع التفكير، ولا يوجد عندها أدنى إبداع، مع تبيت النية لاستبعاد أى قيمة مؤهلة للتقدير والفرح، إنهم يسدون أبواب التغيير، ويمنعون وصول هواء الحرية إلى مستحقيه، ويمنعون أى دم جديد أن يجرى فى مضخات الثقافة التى كادت أن تفسد وتبور، وعلى أى ضمير حى أن يسعى لتغيير هذه المجالس التى باءت وجلبت الفشل، وقوائم الجوائز فى الأعوام السابقة مكدسة بمساحات الفساد، وأظن أن هذا العام لم تتزحزح قيد أنملة، بل كرست لرموز ورجال النظام السابق، يكفى عدم استبعاد الدكتورة ليلى تكلا والتى لاحقها المترجم بشير السباعى قضائيا، لتلقيها رشوة من إحدى شركات السلاح وصلت إلى مليون دولار.. الثقافة تحتاج إلى ثورة، وإلى تغيير حقيقى، لأنها فى خطر حقيقى، وحتى الآن لم يصل إليها الدم الجديد.