عندما تصورنا أن اغتيال «أسامة بن لادن» زعيم تنظيم القاعدة، ربما يمثل صدمة حقيقية لمن زاملوه «جهاديا»، أو من اعتنقوا نفس أفكاره - حتي وإن راجعوها فيما بعد - كانت تتبدي أمامنا سنوات طويلة من العنف، عانينا جراءها (في الداخل) كثيرا.. وكنا نحسبها عصية علي التجاوز. وكنا نظن - كذلك - أن هذا الأمر لن تنخرط علي أثره «قوة سياسية» أرادت أن تقنعنا أنها طلقت حلم «الدولة الدينية» إلي حيث لا رجعة، في نوبة طويلة من البكاء «الجهادي»(!!) ففي الوقت الذي أكدت خلاله «الجماعة الإسلامية» موقفها السابق.. و«المناهض» لممارسات القاعدة، وما كان يقوم به التنظيم وزعيمه، وأنه إرهاب، ترفضه الشريعة.. كان أن أصرت جماعة الإخوان - قيادة وأفراد صف - علي وصف أسامة ب «الشيخ الشهيد»(!!) وعندما قال الشيخ عاصم عبدالماجد، عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية: «لا يمكن إلا أن نترحم علي بن لادن، وندعو أن يقبل الله منه ما أحسن فيه ويتجاوز عن أخطائه، ونرجو من أتباعه أن يعيدوا النظر في فكرتهم التي بنوا عليها عملهم الجهادي».. كان أن أعربت جماعة «الإخوان» في بيان صدر عنها «الاثنين الماضي» عن رفضها استخدام العنف ضد زعيم القاعدة.. وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، مردفة: «لقد عاش العالم كله وعاني المسلمون خاصة من حملة إعلامية شرسة لدمغ الإسلام بالإرهاب.. ووصف المسلمين بالعنف، جراء إلصاق حادث 11 سبتمبر بتنظيم القاعدة، واليوم، وقد أعلن الرئيس الأمريكي أن قوة خاصة من المارينز الأمريكيين نجحت في اغتيال الشيخ أسامة بن لادن.. وامرأة.. وأحد أولاده مع عدد من مرافقيه، فإننا نجد أنفسنا أمام موقف جديد». وفي حين توقع عصام العريان، المتحدث باسم الجماعة ونائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، حدوث رد فعل عنيف لمقتل بن لادن.. وأن رد الفعل في أفغانستانوباكستان والمغرب والجزائر لن يخرج عن هذا السياق، إذ إن نفوذ القاعدة بهذه البلدان قد تغلغل إلي درجة يصعب تجاوزها، قال لنا مهدي عاكف، المرشد العام «السابق» للجماعة إنه يحتسب (أسامة) عند الله مجاهدا في وجه أمريكا، التي أفسدت العراق وأفغانستان.. وتعبث الآن في كل من سوريا واليمن وليبيا، لضرب الإسلام والمسلمين (!!) ورغم أننا ندين سياسات العنف الأمريكية، التي أردت «أسامة» قتيلا ثم ألقت به في البحر بشكل لا إنساني (!!)، إلا أننا لا يمكن أن نٌعْبِر أن عاكف عزف علي نفس الوتيرة التي رسختها جماعته، معتبرا أن «بن لادن» أو المجاهد - بحسب توصيفه - كان ضحية للمخابرات المركزية الأمريكية.. واتخذته تكأة لضرب الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، إذ تأذي منها المسلمون جميعا بعد أن باتوا تحت قصف نيران الأمريكان.. وتحت نير الاستهداف. نظرة جماعة الإخوان، التي تجاوزت العديد من الأعمال الإرهابية ل(بن لادن) وقاعدته، علي مستوي الداخل المصري والعربي والإسلامي في آن.. لم تختلف في جوهرها عن النظرة السلفية، التي كشفت خلال الفترة الماضية عن وجه قبيح، أكثر ميلا للعنف ورفضا للآخر، إذ أكدت جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية في بيان صدر عنها «الثلاثاءالماضي»: إن زعيم القاعدة، الذي قتل علي يد قوات أمريكية خاصة في باكستان «شهيد».. وقد قتل مرفوع الرأس، إذ لم يسلمه الله لأعدائه (!!) وقال ياسر البرهامي، القطب السلفي: «أهنئ أسامة بن لادن بالشهادة، وأعتبر التخلص من جثته بإلقائها في البحر أمرا يرفع من درجته ومكانته ويظهر الوجه القبيح ل«أمريكا» التي «لا تعرف حرمة لحياة أو لموت».. وأن هذا سيسهم في أن يزداد الناس حبا له وكرها ل«أمريكا». وأردف البرهامي قائلا: «العالم كله يهنئ أوباما والأمريكان.. أما أنا فأهنئ أسامة.. هنيئا للمجاهدين.. إن صاحبكم، مات عزيزا في زمن الدوران في فلك الأمريكان.. أسأل الله أن يتقبله في الشهداء.. فقد كان - أي بن لادن - محبا للجهاد في سبيل الله.. أصاب أم أخطأ في اجتهاداته هو وأعوانه.. وإن الاغتيالات والقتل الذي تدينه أمريكا باسم الإرهاب هي التي تتولاه بكل صراحة ووضوح، وكأن الدول الأخري لا سيادة لها علي أرضها». وقف الإخوان - إذا - جنبا إلي جنب مع «السلف»، متأثرين بسنوات الجهاد المشترك التي جمعت بين بعض قيادات الجماعة ورجال القاعدة في سنوات الجهاد ضد الروس (!!).. لم يفرقوا أو يضعوا حدا فاصلا بين «المقاومة» والإرهاب، ما دام العنف موجهاً للآخر.. أي آخر (!!).. فعندما ترفع لافتة (الجهاد) تذوب عندهم الفواصل بين «الشهيد» والقاتل المحترف (!!).. لا يعرفون الفرق بين الجهاد والاجتهاد أوتعذيب العباد (!!).. ولا يميزون بين الغث والسمين وهمزات الشياطين (!!) لنضع - إذا - حدا فاصلا: آمنوا كما تشاءون.. واعتنقوا ما تعتقدون، لكن عليكم بعد ذلك، ألا تصدعونا بالحديث عن احترامكم ل(الحريات).. وعليكم ألا تزايدوا بالحديث عن «الدولة المدنية» أو المكتسبات الديمقراطية.. فلكم ما كسبتم وعليكم ما اكتسبتم.. ضعوا فوق حزبكم لافتة المدنية، لكن لا تتهمونا بالتعصب عندما نصفكم بالراديكالية (!!).. فأفكاركم هي التي تتحدث عنكم يا سادة، لا نحن.