منذ الإعلان الترويجى لفيلم «الست» وقبل بداية عرضه رسميا 10 ديسمبر الجارى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعى بآراء مختلفة..وجدل واسع حول الرؤية السينمائية والمعالجة التى كتبها أحمد مراد وأخرجها مروان حامد. فجر الفيلم زخمًا واسعًا حول كواليس حياة أم كلثوم، بمراحلها المختلفة وعلاقاتها الشخصية بمن حولها من عائلتها وزملائها، بالإضافة إلى قصص الحب التى عاشتها وجوانب أخرى عن مواقفها السياسية المختلفة والتغيرات التى طرأت عليها.
وأعاد الفيلم تسليط كتاب وإعلاميين ومؤثرين الضوء على الجوانب المهمة من حياة «كوكب الشرق» رغم رحيلها منذ 5 عقود...وفيما يشبه الإجماع رأى رواد السوشيال ميديا أن أم كلثوم ستظل أيقونة خالدة وباقية ..وأن الفيلم لن ينتقص منها مهما قدم من رؤية مختلطة ومغلوطة تعتمد على النميمة الشعبية وأحاديث المقاهى حول حياتها بحسب ما نشره كثيرون عبر صفحاتهم . وكان لافتًا دخول وزارة الثقافة المصرية على الخط سريعا ..حيث دعت محبى أم كلثوم بزيارة متحفها قائلة عبر حسابها على «فيسبوك» : «إذا كان صوت أم كلثوم يسكن قلبك، وتبحث عن مكان يعيد إليك وهج حضورها، فستجد ضالتك فى هذا المتحف الواقع فى قلب روضة المنيل على ضفاف النيل». وأضافت: «المتحف ليس سجلًا تاريخيًا فقط، بل فضاء مُلهِم يجسد مسيرة سيدة الغناء العربى بكل تفاصيلها، يأخذك عبر رحلة تبدأ من طفولتها فى الريف المصرى، مرورًا بخطواتها الأولى نحو النجومية، وصولًا إلى مرحلة التألق التى صنعت منها أسطورة فنية لا يزال صوتها يملأ المكان سحرًا وخلودًا». كما أعاد كتاب مصريون التذكير بمؤلفاتهم التى تتناول سيرة كوكب الشرق، وتسابق مؤثرون فى الحديث عن حياتها الشخصية، بجانب عمل قراءة فنية لمحتوى الفيلم سلبًا وإيجابًا. فى الوقت نفسه أعاد رواد السوشيال ميديا مسلسل أم كلثوم الذى أنتجه التليفزيون المصرى لتصدر المشهد وقالوا أن «صابرين هى أكتر شخص أقنعنا أنها فعلا «الست» فى كل الأعمال اللى قدمت عن أم كلثوم ...مشيدين بإتقانها فى حركاتها وريأكشاناتها وطريقة كلامها وضحكتها وطريقة غناها، وحتى تسريحة شعرها والنضارات وملابسها . وأعلنت قناة النايل دراما عن إعادة عرض المسلسل الذى كتبه من 25 سنة فى 36 ساعة دراما الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن وأخرجته إنعام محمد على وقامت ببطولته الفنانة صابرين بداية من 20 ديسمبر الجارى السابعة مساء. وقال رئيس القناة المخرج عمرو عابدين عبر حسابه الشخصى على فيسبوك إن إعادة المسلسل جاءت بناء على رغبة الجماهير ..وهو ما أعتبره البعض ردا غير مباشر على الفيلم الذى رآه كثيرون مسيئا لأم كلثوم ... فى الكثير من المواقف الإنسانية فى حياة الست،ومن بينها علاقتها مع والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى، الذى ظهر فى الفيلم وهو يستجيب لتهديد ابنته باعتزال الغناء والزواج والجلوس فى المنزل حال عودتها إلى مسقط رأسها نتيجة شائعة نشرت تمس حياتها الشخصية بإحدى الصحف فى بداية مشوارها الفنى، كما أظهر الفيلم أن أقاربها ومعارفها توقفوا عن زيارتها فى القاهرة خوفًا من «حدة رد الفعل».
إضافة إلى الإشارة لكثير من المحطات المثيرة للجدل، ما عرضه لانتقادات، ومن بينها انقطاع صلة أم كلثوم بعائلتها وإقامتها وحيدة فى القاهرة. ومن بين الأمور الجدلية التى تطرق إليها الفيلم كذلك قصة الحب التى جمعت بينها وبين الموسيقار محمود الشريف، التى انتهت بخطبة معلنة لم تكلل بالزواج، وتناول الفيلم فترة تعارفهما وقصة حبهما ونهايتها بعد الاشتباك الذى حدث بين الشريف والموسيقار محمد القصبجى، ووصل إلى حد محاولة قتل القصبجى له على خلفية ما تردد عن سعى الشريف لكى يجعل أم كلثوم تعتزل الغناء.. المقدمة الطويلة السابقة كانت لازمة وضرورية جدا قبل أن أحدثكم عن علاقة «الست» بروزاليوسف السيدة والمجلة فقد كنا أول من احتفى وانتقد أم كلثوم ...ولن أكون متجاوزا أن قلت أن «روزاليوسف ..مجلة وسيدة» ساهمتا بشكل كبير فى صناعة الأيقونة الخالدة ..فقد شنت روز اليوسف هجوما كبيرا على ملابس أم كلثوم حينها (العباءة والعقال)، وبعد ذلك بعام تقريبا خلعت أم كلثوم العقال والعباءة، وظهرت فى زى الآنسات المصريات. نعم «أم كلثوم» تعرضت لحملة صحفية ساخنة فى بداية عام 1926 شنتها مجلة روزاليوسف انتقدت فيها ملابسها وشكل فرقتها وطريقة لبسها.
وكتبت المجلة لا ننكر صوت أم كلثوم ولا رنين طبقاته ولكنها لا تعتبر سوى مجرد مقلدة للتراث، فبالإضافة للصوت الجميل الشجى يوجد شيء اسمه الفن، وأم كلثوم تمضى فى طريقها معتمدة فقط على مقدرتها الفطرية والحقيقة أن هذا وحده لا يكفى. وتساءلت المجلة أين تجديداتها؟ إنها منشدة دينية وهذا الأسلوب فى الغناء موجود منذ عشرات السنين، وصل نقد للإطار الذى تغنى فيه أم كلثوم ذروته عندما نشرت المجلة مقالا لروز اليوسف -السيدة- جاء فيه تلقيت أخيرا من قارئ لم يذكر اسمه يتساءل عن سر وجود الفرقة «المعممة المصاحبة» لأم كلثوم وبعدها نشرت مجلة المسرح مقالا لاذعا تنتقد فيه فرقة المشايخ التى تصاحب أم كلثوم ويجلسون كالأصنام وتساءلت ما الغرض من جلوسهم؟!! كانت تلك المقالات اللاذعة فى نقدها وراء التغيير العظيم الذى شهدته أم كلثوم فى خريف نفس العام 1926 فقد ظهرت أم كلثوم أخيرا بتخت جديد من موسيقيين من أرقى موسيقيى القاهرة، ولم يبق من فرقتها القديمة لبعض الوقت سوى أخيها خالد الذى خلع الجلباب وارتدى البدلة الأوروبية الحديثة وكان يصاحبها كمغن مذهبجى يردد خلفها بعض المقاطع، وسرعان ما ترك الفرقة ليرعى مصالحها الاقتصادية بعد أن أصبحت من ملاك الأراضى، بدأ عام 1927 وأم كلثوم مطربة عصرية غناء ومظهرا. وقتها تصدرت «أم كلثوم» غلاف المجلة تحت عنوان السيدة أم كلثوم تنشر صورتها بمناسبة قرب ظهورها على «تخت» يضم محمد العقاد وسامى شوا والقصبجى ...وكان ذلك فى العدد 14 الصادر فى 11 أغسطس 1926 ..وقبلها بعد أشهر وتحديدا فى شهر مارس تصدرت أيضا صورة أم كلثوم غلاف مجلة روزاليوسف وتحت صورتها عنوان يقول: «صوتها من فم الطبيعة ينساب انسياب الحياة فى الأوصال». إن انتقاد روزاليوسف لأم كلثوم كان دافعا حقيقيا لها لتغيير ملابسها وطريقة غنائها وفرقتها وموسيقاها ..وهو ما يشير بقوة لذكاء وفطنة أم كلثوم وتقبلها النقد والعمل على تطوير نفسها ..ويشير أيضا إلى مساهمة روزاليوسف الفعالة فى صناعة الأسطورة الخالدة ..وهو كان واضحا فيما بعد حيث اختصت «أم كلثوم» بعدة رسائل خاصة حكت فيها تجربة سفرها وغنائها فى بغداد ..لتتصدر صورتها مرة أخرى غلاف المجلة وتحتها عنوان : «رسائل خاصة بخط أم كلثوم»، ونشرت المجلة بالفعل الرسائل بخطها للسيدة فاطمة اليوسف وجاء فيها : « أهديك سلامى وشوقى وأتمنى لك مزيد الصحة والسرور.. وبعد، أعرِّفك أنى قمت بالطيارة الفخمة من مصر، وكنت مستريحة طول الطريق لم أشعر بأى شيء إلى أن وصلت طبرية فى فلسطين، وهناك تتقابل الطيارات القادمة من أوروبا للسفر إلى بغداد، فتأخرت هذه الطيارات عن الموعد المقرر لها فاضطرت الشركة لنقلنا بطيارة أخرى كانت صغيرة جدًا جدًا بالنسبة إلى الأولى، فأخذت العواصف تلعب بها والرياح تهبط بها تارة وتصعد أخرى، مما حرّك أمعاء الركاب جميعًا.. إلا أنا، وأخذوا يطرشون. وأغمى على البعض منهم وعلت وجوههم صفرة الموت، وفى الواقع كان منظرًا مؤلمًا إلى أن وصلنا بغداد، فوجدت فى مطارها حشدًا عظيمًا من كبار العراقيين يتقدمهم مندوب الحكومة وقنصل مصر وعلى بك العمروسى ورجال المحاماة والطب والصحافة والشعراء وعلى رأسهم الشاعر الكبير الأستاذ الرصافى، وقدموا لى باقة الورد، ثم ركبت السيارة الخصوصية وكانت مزدانة بالأعلام والزهور، وسارت تتبعها سيارات المستقبلين تشق الطريق المزدحم على الجانبين بالجماهير وهم يصفقون ويهتفون باسمى حتى وصلت إلى قصر بديع فى ضواحى بغداد، أعِدَّ خاصة لضيافتى، وعند وصولى باب القصر نحرت الذبائح تحت قدمى ودخلت فاستقبلت وفود المهنئين، وفى المساء أقيمت لى فى القنصلية المصرية مأدبة عشاء دعى إليها رؤساء الوزارات ورئيس البلاد الملكى وقناصل الدول، وكانت حفلة بديعة.
وفى اليوم التالى دعيت لتناول الشاى فى قصر جلالة الملك على شقيق جلالة الملك فيصل، فاستقبلنى بالحفاوة وقدمنى إلى صاحبة الجلالة حرمه والأميرات كريماته، فتناولت معهن الشاى، وأبَى جلالة الملك إلا أن أتناول العشاء مع أصحاب الجلالة...«وكان العشاء على كيفك». ثم بدأت بإذن الله وقوته أولى حفلاتى فى مساء السبت 19 الجارى، وتلتها الثانية فى مساء الأحد 20 منه... فكان التوفيق من الله عظيمًا حيث كان الإقبال والإعجاب يفوقان الوصف... وقد حضر الحفلتين الوزراء ومحافظ المدينة وكبار الموظفين، وكان النظام بديعًا، وأخذت الجرائد هنا تفيض بالإطراء والإعجاب «بفنانة الشرق.. أنا» ثم يتوافد على قصرى كل يوم كبار الأعيان ورجال البلاط والوزراء مظهرين شديد إعجابهم وسرورهم بحلولى بغداد. أمّا أمس فقد تشرفت بدعوة جلالة الملك فيصل للغناء فى حفلة خاصة حضرها الملك وسمو الأمير عبدالله وسمو ولى العهد الأمير غازى ورئيس الوزراء والوزراء ورؤساء مجلس الأعيان وكبار رجال البلاط، وهناك غنيت غناء بديعًا أخرجهم عن صوابهم من شدة ما نال منهم الطرب، فكانوا يتسابقون إلى إظهار إعجابهم بى وتقديرهم لفنى، وهذا كله من فضل ربى. وختامًا أهديك تحياتى وخالد والسيد يهدونك السلام. «أم كلثوم» باختصار، كان نقد روز اليوسف لأم كلثوم فى بداياتها بمثابة شرارة ساهمت فى تطور مسيرة «الست» الفنية، بتحولها من الإنشاد الدينى التقليدى إلى الغناء العصرى.. وكانت الحفاوة بها ومساندتها دليلاً قاطعًا على الرؤية الثاقبة للمجلة وللسيدة فاطمة اليوسف.