انتهت معركة اليونسكو، لكن صفحاتها ستظل تُروى طويلًا، ليس لفوز مرشح مصرى لأول مرة فى تاريخ المنظمة، ولكن لأنها جسّدت إحدى أبرز صور التحرك الدبلوماسى المصرى والعربى المشترك فى الساحة الدولية. د.خالد العنانى، أستاذ علم المصريات ووزير السياحة والآثار الأسبق، والمدير العام الجديد لليونسكو للفترة من 2025 إلى 2029، تفوّق على منافسه الكونغولى فيرمين ماتوكو، فى مشهد وصفه مراقبون بأنه «تاريخى»، وما وراء هذا الفوز ليس مجرد حملة انتخابية ناجحة، بل تتويجًا لمعركة ممتدة خاضتها مصر على جبهات عدة داخل اليونسكو، من الدفاع عن هويتها وتراثها، إلى محاولات متكررة لبلوغ منصب القيادة الأعلى فى المنظمة، وصولًا إلى المعارك الرمزية التى خاضتها دفاعًا عن القدس، وعن الآثار الغارقة، وعن الهوية الثقافية للإنسانية. ما جرى فى قاعة التصويت السرية داخل المجلس التنفيذى فى باريس لم يكن مجرد «فوز انتخابى» أو نجاح دبلوماسى مؤقت، بل تتويج لرحلة تاريخية طويلة ومتشعبة، خاضتها مصر دفاعًا عن ثقافتها وهويتها، ومطالبةً بموقع مستحق على طاولة القرار الثقافى العالمى. هى معركةٌ خاضتها مصر بشرف، وبعقلانية، وبإصرار.. وتوَّجها هذا الفوز الذى لم يكن ليحدث لولا وضوح الرؤية، ووحدة الصف، وقيادة مرشح يمتلك من الرصيد العلمى والميدانى ما يؤهله ليكون قائدًا عالميًا حقيقيًا للثقافة والتربية والعلوم. وتقدم الرئيس عبد الفتاح السيسى بخالص التهنئة للدكتور خالد العنانى بمناسبة فوزه الكاسح فى انتخابات المجلس التنفيذى لليونسكو وحصوله على 55 من أصل 57 صوتًا، وانتخابه مديرًا عامًا للمنظمة، فى إنجاز تاريخى يُضاف إلى سجل مصر الدبلوماسى والثقافى وإلى إنجازات الشعوب العربية والإفريقية. وأكد د.خالد العنانى، المدير العام المنتخب لمنظمة اليونسكو، عقب اختياره من قِبل المجلس التنفيذى للمنظمة لتولى المنصب أن هذه اللحظة تمثل مسؤولية وفرصة لتحقيق الأمل وتعزيز التعاون الدولى. وأوضح على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» «أن حملته الانتخابية اعتمدت على الاستماع والتواصل، قائلًا: زرت خمسة وستين دولة، وأجريت أكثر من 400 لقاء مع نساء ورجال، شكلت أفكارهم وطموحاتهم أساس رؤيتى. هذه الرؤية وُضعت لهم وبمشاركتهم، متجذرة فى أصواتهم، وحاملة لطموحات مشتركة». وتابع «بينما ننتظر تصويت المؤتمر العام الشهر المقبل، أؤكد التزامى بالاستماع لكل الآراء ومواصلة العمل المأمول منا. وإذا تم تأكيد تعيينى، فسأحمل هذه الثقة الجماعية كبوصلة توجّه مسيرتى العمل بنزاهة، وبناء جسور التفاهم بين أقاليم العالم المختلفة، وتحقيق رؤية «اليونسكو من أجل الشعوب» لتكون رؤية تمثل الجميع». جولات دبلوماسية منذ إعلان ترشيح الدكتور خالد العنانى رسميًا فى أبريل 2023، بدات وزارة الخارجية تتحرك وفق خطة مختلفة. فعلى مدار عامين، تحرّك العنانى ومعه فريق مصرى عالى المستوى فى جولات دبلوماسية امتدت لأكثر من 65 دولة، و400 لقاء رسمى، أُجريت خلالها مئات اللقاءات الثنائية، تم فيها شرح برنامج العمل، رؤية الإصلاح، والمواقف المبدئية. وقد شملت التحركات المصرية أيضًا التى أدارتها حملة المرشح المصرى بوزارة الخارجية بالتنسيق مع الوفد الدائم لدى اليونسكو فى باريس وشاركت فيه جميع قطاعات وزارة الخارجية وسفاراتنا فى الخارج تحت إشراف ومتابعة يومية من وزير الخارجية، جهودًا متواصلة تم من خلالها إعداد الرؤية والملف الانتخابى بعد التشاور مع جميع الدول أعضاء المجلس التنفيذى، وحشد الدعم من تلك الدول، وترتيب الجولات الانتخابية واللقاءات الإعلامية، فضلا عن تأمين تأييد جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقى، حيث نظمت الحملة جولات انتخابية للمرشح إلى 65 دولة خلال الفترة من يونيو 2023 إلى سبتمبر 2025، تخللتها لقاءات مع مسئولين حكوميين وممثلين عن المجتمع المدنى. وفى الخلفية، كانت الحكومة المصرية توظف كل أدواتها السياسية والعلاقات الدولية لحشد التأييد. فجاء دعم الجامعة العربية بالإجماع، واعتمد الاتحاد الإفريقى فى قمة رسمية ترشيحه كمرشح القارة الوحيد، وهو ما مكّن القاهرة من تأمين دعم ثلث الدول الأعضاء فى المجلس التنفيذى تقريبًا قبل بدء الاقتراع ، فضلا عن دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرازيل ونيجيريا، عبّرت صراحة عن دعمها للعنانى، الأمر الذى صعّب من مهمة منافسه الكونغولى، فيرمين إدوار ماتوكو، رغم تاريخه الطويل داخل المنظمة. نجحت القاهرة فى كسب الجولة، بعد ثلاث محاولات سابقة لم تكتمل، رغم قوة المرشحين. لكن العنانى، بخلفيته الأكاديمية ووزنه التنفيذى، أتى فى التوقيت الصحيح، مدعومًا بزخم سياسى وثقافى كبير، وبإجماع نادر فى المواقف العربية. من أبو سمبل إلى القدس ما جرى فى 6 أكتوبر 2025 وفوز مصر بمنصب المدير العام لليونسكو لم يكن فصلًا منفصلًا، بل هو حلقة فى سلسلة نضال مصرى طويل داخل اليونسكو تخللتها لحظات فارقة، ففى ستينيات القرن الماضى وبالتحديد فى عام 1960، أطلق د. ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصرى، نداءً عالميًا بالتعاون مع اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة من الغرق بسبب بناء السد العالى، وتم بالفعل نقل معبد أبو سمبل فى واحدة من أعظم عمليات الإنقاذ الأثرى فى التاريخ، ولأجل هذا الإنجاز، كرّمت اليونسكو ثروت عكاشة ب«الميدالية الفضية». ولم ينته هذا الدور التاريخى ففى نهاية التسعينيات عام 1999، تقدم د.إسماعيل سراج الدين، المفكر المصرى ونائب رئيس البنك الدولى آنذاك، للترشح بدعم أفريقى غير رسمى ولكنه اصطدم بمرشح سعودى رسمى (غازى القصيبى)، وانقسم الصوت العربى، فكانت النتيجة أن خسر كلاهما أمام اليابانى ماتسورا. وفى عام 2009، خاضت مصر واحدة من أشرس المعارك الانتخابية على المنصب نفسه، عبر ترشيح فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، وربما كانت تلك أقوى جولة تخوضها مصر، بترشح رسمى. وحصد 29 صوتًا فى الجولة الرابعة متقدمًا بفارق كبير، لكنه خسر الجولة الأخيرة لصالح البلغارية إيرينا بوكوفا، بسبب حملة مضادة شنتها أطراف غربية، وبعض الدوائر اليهودية المؤثرة، نتيجة مواقف سابقة له، رغم أن دولًا كفرنسا كانت تؤيده. وفى 2016 -فى مشهد رمزى لا يقل أهمية- لعبت مصر دورًا محوريًا فى تمرير قرار داخل اليونسكو يعتبر الحرم القدسى تراثًا إسلاميًا خالصًا، فى مواجهة محاولات إسرائيلية لتهويده. وأثار القرار ضجة كبرى، وكانت الولاياتالمتحدة وإسرائيل قد انسحبتا من المنظمة احتجاجًا، لكن القرار مثّل انتصارًا للقانون الدولى والحق التاريخى، ووقوفًا من مصر بجانب القضية الفلسطينية. وبفوز د.خالد العنانى، وزير السياحة والآثار المصرى الأسبق، بمنصب المدير العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، يصبح بذلك أول عربى يتولى هذا المنصب الرفيع منذ تأسيس المنظمة عام 1945.
بروفايل د. خالد العنانى وُلِد د.خالد العنانى فى محافظة الجيزة عام 1971، ويُعد من أبرز الشخصيات المصرية والعربية فى مجالات الآثار، والسياحة، والثقافة، والتعليم، والدبلوماسية الدولية. يمتلك مسيرة مهنية تمتد لأكثر من ثلاثين عامًا، تنقل خلالها بين الأوساط الأكاديمية والإدارية، ليُصبح أول مصرى يُنتخب مديرًا عامًا لمنظمة اليونسكو فى تاريخها الحديث، بعد مسيرة طويلة حافلة بالإنجازات داخليًا وخارجيًا. تميز الدكتور العنانى بقدرته على الجمع بين العمق الأكاديمى والرؤية الاستراتيجية، وبين الحضور الدولى والكفاءة التنفيذية. شغل مناصب علمية مرموقة كأستاذ علم المصريات بجامعة حلوان، إلى جانب مناصب تنفيذية كوزير للسياحة والآثار، وقاد مشروعات كبرى أثّرت على حاضر مصر الثقافى والسياحى ومكانتها العالمية. دكتوراه فى علم المصريات -جامعة بول فاليرى مونبلييه 3- فرنسا. دبلوم الدراسات المتقدمة (DEA) فرنسا. ماجستير فى الآثار المصرية بالنوبة جامعة حلوان. بكالوريوس فى الإرشاد السياحى جامعة حلوان. يشغل حاليًا منصب أستاذ علم المصريات بجامعة حلوان، وسبق له التدريس فى العديد من الجامعات المصرية والدولية، منها فرنسا، وألمانيا، وسويسرا، كما أشرف على أكثر من 30 رسالة ماجستير ودكتوراه. تولى عدة مناصب منها وزير الآثار (2016–2019). وزير السياحة والآثار بعد دمج الوزارتين (2019–2022). مدير مركز التعليم المفتوح جامعة حلوان. عضو مجلس أمناء الجامعة الفرنسية فى مصر. مشرف عام على المتحف المصرى، والمتحف القومى للحضارة المصرية. عضو بالمعهد الفرنسى للآثار الشرقية (IFAO). أستاذ زائر بجامعة مونبلييه 3 لثمانى مرات بين 2006–2023. قاد عملية دمج وزارتى السياحة والآثار لأول مرة منذ 1966، وأعاد هيكلتهما لتعمل بمنهج موحد ورؤية مستدامة. أشرف على ميزانية سنوية قاربت 500 مليون دولار، وقيادة أكثر من 35 ألف موظف. تبنّى استراتيجية طويلة المدى للتنمية السياحية المستدامة، مع دمج أهداف المناخ والتحول الرقمى. الإشراف على ترميم أكثر من 50 موقعًا ومبنى أثريًا، من بينها مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمى. قيادة أعمال المتحف المصرى الكبير (GEM) أضخم مشروع متحفى فى العالم. افتتاح وتجديد أكثر من 20 متحفًا خلال فترة ولايته. استعادة آلاف القطع الأثرية المهربة بالتعاون مع أكثر من 20 دولة. دعم وتشجيع أكثر من 300 بعثة أثرية مصرية وأجنبية. تنظيم فعاليات كبرى عالمية مثل: «موكب المومياوات الملكية». افتتاح طريق الكباش بالأقصر. «معارض توت عنخ آمون» فى فرنسا، أمريكا، اليابان. تقديم ملفات مصرية مهمة لليونسكو، مثل «رحلة العائلة المقدسة». نجح فى إدارة احترافية لأزمة جائحة كورونا فى قطاع السياحة. تأمين دعم سياحى وإنسانى لآلاف العالقين الأجانب خلال أزمات دولية. تبنى سياسات دعم اجتماعى للعاملين بالقطاع السياحى المتضررين. يمتاز بمهارات تواصل دولية قوية، وعلاقات مؤسسية مع شركاء اليونسكو حول العالم، كما يمتلك رؤية تقدمية توازن بين الأصالة والانفتاح العالمى. حصل على عدة تكريمات منها وسام الشمس المشرقة – اليابان (2021) وسام الاستحقاق – بولندا (2020) فارس وسام الفنون والآداب – فرنسا (2015) دكتوراه فخرية – جامعة بول-فاليرى مونبلييه 3 (2023) عضوية فخرية – الجمعية الفرنسية لعلم المصريات عضو مراسل – المعهد الألمانى للآثار. 1 2