شهدت العقود الأخيرة تحولات استراتيجية كبرى فى منطقة الشرق الأوسط، من أبرزها ما يُعرف ب«مشروع الشرق الأوسط الجديد»، والذى يهدف إلى تفتيت الدول العربية الكبرى إلى كيانات طائفية وعرقية صغيرة يسهل التحكم فيها.. وتبيّن أن هناك أطرافًا داخلية - منها جماعة الإخوان الإرهابية- لعبت دورًا مباشرًا فى تنفيذ المشروع، من خلال ضرب مفهوم الدولة الوطنية، والتواطؤ مع أطراف خارجية، أبرزها إسرائيل. بدأ الحديث عن «الشرق الأوسط الجديد» بشكل علنى مع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كونداليزا رايس عام 2006، حيث تحدثت عن «الفوضى الخلّاقة» باعتبارها وسيلة لإعادة تشكيل المنطقة. وكان من أبرز أهداف المشروع الذى طرحته هو تفتيت الدول العربية الكبرى مثل مصر، والسعودية، والعراق، وسوريا إلى دويلات طائفية. وفى نفس الوقت يتم إضعاف الجيوش العربية وإحداث انهيار فى الأنظمة القومية، مع دعم جماعات بديلة للسلطة الوطنية، مثل الميليشيات أو الأحزاب العابرة للحدود، ومنها جماعة الإخوان. تم الاستناد فى المشروع إلى خرائط عدة، منها خريطة «الحدود الدموية» للضابط الأمريكى المتقاعد رالف بيترز، والتى تُظهر تقسيم السعودية والعراق وسوريا واليمن إلى كيانات صغيرة. وبما أن جماعة الإخوان الإرهابية لا تعترف بمفهوم الدولة الوطنية، بل تدعو إلى «أمة إسلامية واحدة»، فقد جعلها ذلك خصمًا مباشرًا لفكرة السيادة الوطنية واللجوء للتدخل الخارجى، وخلال ما يعرف ب «الربيع العربى» لعب الإخوان دورًا بارزًا فى استدعاء التدخلات الخارجية، كما حدث فى ليبيا وسوريا. ووفق تقارير استخباراتية، فإنه بعد سقوط حكم الجماعة فى مصر عام 2013، بدأت على الفور التنسيق مع أطراف خارجية، وفتحت قنوات اتصال مع إسرائيل وتركيا وقطر. ورغم الخطاب العلنى ضد إسرائيل، إلا أن الوقائع والمظاهرة أمام السفارة المصرية فى تل أبيب أثبتت وجود تقاطع مصالح واضحة، كما كشفت تسريبات عن أن بعض قادة إسرائيل يرون أن بقاء الإخوان فى السلطة كان يخدم استراتيجيتهم فى إضعاف مصر من الداخل، دون الحاجة إلى تدخل مباشر. بالتأكيد أصبحت الصورة واضحة للرأى العام العربى، بل العالمى مع ما طرحه نتنياهو فى عدة خطابات، أبرزها أمام الأممالمتحدة، عندما أعلن عن رسم خريطة جديدة للمنطقة تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، تشمل مشروعات تطبيع مع دول مثل السعودية، والبناء على اتفاقيات لتشكيل محور اقتصادى وجغرافى يربط الخليج بأوروبا عبر إسرائيل. كما عبّر عن ذلك بالقول إن الدولة الصغيرة – مثل غزة – كانت نموذجًا كارثيًا لأى شكل من أشكال الدولة الفلسطينية المستقلة. وأكد أن المشروع يتطلّب تفكيك القوى الإقليمية المنافسة مثل إيران وسوريا والعراق واليمن، وإضعافهم عبر دعم قوى محلية ودولية تروج لرؤية شرق أوسطية جديدة تتجاوز الحدود القائمة، ورسم خطوط جديدة فى خرائطه الحرجة، وطرح رؤية لما أسماه «قوس الازدهار» الذى يمر عبر إسرائيل نحو الخليج وبقية العالم.