تواجه الدولة المصرية منذ سنوات «حروبًا ناعمة»، تشنها جهات تستهدف التشكيك فى كل خطوة تتخذها القيادة السياسية أو المؤسسات الوطنية، من خلال حملات ممنهجة ومكثفة من الشائعات المضللة التى تستهدف معنويات الشعب وثقته فى الدولة، وتُستخدم فى ذلك أدوات الإعلام الرقمى ومنصات التواصل الاجتماعى كساحة رئيسية للمعركة. المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، وبالتكامل مع جميع جهات ومؤسسات الدولة، يقوم بدوره بالتحقق من أى شائعة لإضعاف تأثيرها ومواجهة التحديات على الصعيدين الداخلى والخارجى. أحمد ناجى قمحة، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، أكد أن الشائعات تستهدف قطاعات حيوية ومختلفة، ويمكن تصنيفها بناءً على الموضوعات التى تتناولها، مثل شائعات بيع الأصول (قناة السويس، المطارات)، أو انسحاب شركات أجنبية، أو تأثير الصفقات الاقتصادية التى تهدف إلى تعطيل فوائد الصفقات وإفشالها، وخلق حالة من الارتباك والشك وتقويض الثقة، وشائعة انتشار أمراض أو أوبئة جديدة (مثل إنفلونزا الخنازير، متحورات كورونا، الكوليرا) ولم يسلم قطاع التعليم، مثل إلغاء دعم الخبز لطلاب الجامعات أو تغييرات فى المناهج. وتستهدف الشائعات الاجتماعية إثارة الفوضى والفتن وزعزعة الاستقرار الاجتماعى، مثل شائعات بيع الجنسية المصرية. بينما تسعى الشائعات السياسية والأمنية لزعزعة الثقة بين المواطن والحكومة، وتشويه صورة الدولة المصرية على المستوى الدولى، والتشكيك فى إنجازاتها، أو تزييف الحقائق حول أوضاع معينة (مثل أوضاع السجون). وقال قمحة إن الهدف الرئيسى هو زعزعة الاستقرار، وإثارة الفوضى، وهز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتشويه صورة مصر داخليًا وخارجيًا، وإحباط الشعب، وتضليل الرأى العام، والنيل من إنجازات الدولة، ما يعد حرب استنزاف شرسة ضد مصر وأمنها القومى، بأقل الخسائر المادية والبشرية مقارنة بالحروب التقليدية. وأضاف أن هذه الشائعات جزء لا يتجزأ من حروب الجيل الرابع والخامس، ويتم توظيفها فى هذا السياق من خلال: استهداف الوعى وتغيير القناعات، وبث اليأس والإحباط وتدمير الروح المعنوية للمواطنين. وأوضح أن الشائعات تعد جزءًا من استراتيجية التضليل المعلوماتى التى تهدف إلى تزييف الحقائق وتشويه الصورة الذهنية للدولة ومؤسساتها، باستخدام التطور التكنولوجى. وقال: إن الإعلام الممول من الخارج يلعب دورًا محوريًا للغاية فى نشر الشائعات ضد الدولة المصرية، ويتم رصد أنشطة منسقة ومنظمة بين قنوات ومواقع بعينها بشكل واضح، ومن أبرز الأمثلة القنوات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، مثل «الشرق» و«مكملين»، بالإضافة إلى قناة الجزيرة القطرية التى تُتهم بلعب دور فى نشر الشائعات ضد مصر، وهناك صفحات مجهولة وممولة على وسائل التواصل الاجتماعى، وأخرى مجهولة تنتمى لتنظيمات معادية، وكلها أدوات رئيسية لبث الشائعات بشكل منسق وموجه. وتُشير بعض التقارير إلى وجود «جيوش إلكترونية» تمولها دول معادية، تعمل على تنفيذ مخططات لنشر الشائعات بوتيرة عالية، مثل «3 شائعات فى الساعة». وأكد د.إكرام بدر الدين – أستاذ العلوم السياسية، أن مصر تتعرض لنمط جديد من الحروب يختلف عن الحروب التقليدية التى كانت تعتمد على الصدام المسلح بين الجيوش النظامية. وأوضح أن النمط التقليدى للحروب تكلفته مرتفعة للغاية، سواء كانت تكلفة بشرية أو مادية، لذلك ظهر فى الآونة الأخيرة نمط الحرب النفسية حتى تأتى الهزيمة من الداخل، بالتشكيك فى كل شيء، واستغلال الأخبار المغلوطة والشائعات، وهو ما نطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس. وقال إن هذه الحرب شديدة الخطورة لأنها تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام المغرضة، التى تهدف إلى إحداث الفرقة والبلبلة والانقسام والإحباط. من جهته أكد د.حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها، أن الشائعات الممولة والممنهجة، تعد من أخطر الحروب التى تهدد الأمن القومى، وتعرف بحروب الجيلين الرابع والخامس، وتستهدف السيطرة على عقول المواطنين من خلال استخدام شبكات التواصل الاجتماعى، مع دمج الذكاء الاصطناعى. وأضاف أن هناك صفحات منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى تنشر شائعات تتعلق بالأمن القومى، وتروج لأخبار زائفة، مستندة إلى مبدأ خلط الأكاذيب ببعض الحقائق المعروفة، لكسب ثقة المتابعين، وتنجح فى جذب آلاف بل ملايين المتابعين بفضل تمويلها المدفوع. وأوضح أن قانون العقوبات المصرى يعاقب على ترويج الشائعات، مع إمكان حجبها بشكل كامل طبقًا لقرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وقالت د. وئام عثمان - رئيس قسم العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة بورسعيد، إنه فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، حرص صانع القرار على عدم تكرار سيناريوهات تفكك الدولة كما شهدتها بعض الدول العربية عقب ما يُعرف ب «الربيع العربي»، حيث أدركت القيادة السياسية أن التهديد لم يعد عسكريًا مباشرًا فحسب، بل أصبحت أدوات زعزعة الاستقرار أكثر تعقيدًا ومرونة، عبر ما يُعرف اليوم بحروب الجيل الرابع والخامس. وهنا بدأ تفعيل ما يُسمى ب «الابتكار السياسي» كنهج شامل يجمع بين مرونة السياسات، وتحديث الآليات، والاعتماد على استشراف المخاطر الداخلية والخارجية. وأكدت وجود قوالب متكررة وممنهجة من الشائعات التى تستهدف الدولة المصرية، أبرزها التشكيك فى مؤسسات الدولة (الجيش، الشرطة، القضاء) والتقليل من الإنجازات التنموية مع إطلاق شائعات اقتصادية مرتبطة بسعر العملة والسلع الأساسية، واستغلال الأزمات الإنسانية أو الإقليمية للإيحاء بضعف الدولة أو تواطئها وغالبًا ما تُبنى هذه الشائعات على أحداث حقيقية يتم تحريفها أو إخراجها من سياقها، ويتم تكرارها دوريًا فى أوقات مدروسة. وأضافت إن الهدف الاستراتيجى لهذه الحملات هو تفكيك الثقة بين المواطن والدولة، وتقليل الدعم الشعبى للقيادة، وصولًا إلى إنهاك البنية المجتمعية وإضعاف القرار السيادى، وهو ما يتقاطع مع أحد أخطر أهداف حروب الجيل الرابع وهو تآكل الدولة من الداخل دون طلقة واحدة، لخلق حالة من التشويش الجمعى، وتحقيق «الهدم المعنوي» الذى يسبق الهدم الفعلى لأى مجتمع مستهدف. وأوضحت أن الوتيرة تزداد مع القرارات الاقتصادية والأحداث الإقليمية الكبرى (حرب غزة، أزمة السودان، سد النهضة)، ومع أى تحرك إيجابى للدولة على الصعيد الدولى (مثل الانضمام للبريكس) والغرض من ذلك هو تشويش الرأى العام الداخلى، وكبح أثر الإنجاز. واستطردت قائلة إن هناك تقارير وطنية ودولية رصدت نشاطًا منسقًا بين قنوات فضائية وصحف إلكترونية ممولة خارجيًا، تعمل فى توقيت واحد لنشر روايات متشابهة، وتستضيف نفس الوجوه ذات الخلفيات السياسية المعادية للدولة، وهو ما يؤكد وجود غرف عمليات إعلامية تستهدف مصر ضمن استراتيجية كبرى لزعزعة الإقليم، مع استخدام الذكاء الاصطناعى الذى أصبح سلاحًا جديدًا فى الحرب المعلوماتية، بحيث تصبح الحملات المضللة أكثر إقناعًا وخطورة، حيث يتم إنشاء حسابات وهمية تدّعى أنها من داخل مصر، وفبركة فيديوهات أو تسريبات صوتية، وتحليل أنماط التفاعل الشعبى لتوجيه الرسائل بشكل أكثر تأثيرًا. وأكدت أن الاستمرار فى ترويج الأكاذيب يؤدى إلى اللامبالاة السياسية أو الانسحاب من المشاركة، والانقسام المجتمعى حول الروايات المتضاربة، والتشكيك فى كل معلومة رسمية، حتى وإن كانت مدعومة بالأدلة، وهنا تتحقق استراتيجية «الهدم الهادئ»، وهى أخطر. وقالت: إنه رغم تعدد الجهود الرسمية، مثل المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، وبيانات ناطقى الوزارات، إلا أن السرعة والمرونة فى المواجهة ما زالت تمثل تحديًا، خاصة مع تسارع الشائعة عبر السوشيال ميديا، ما يتطلب تطوير أدوات أكثر آنية وتفاعلية، وتوسيع الشراكات مع الإعلام المستقل. وأضافت: إن الشائعة لم تعد مجرد «كلمة»، بل أصبحت تهديدًا متكامل الأركان للأمن القومى، فهى تمهّد لانفجار اجتماعى أو انقسام سياسى أو شرعنة للتدخل الخارجى، وهذا يوازى التهديد العسكرى، بل يتجاوزه فى بعض الحالات. فى تقريره السنوى نشر المركز الإعلامى لرئاسة مجلس الوزراء، جهود المواجهة خلال 2024 فى قطاعى الاقتصاد والصحة، الأكثر استهدافا، مستعرضًا معدل انتشار الشائعات، حيث بلغ 16.2 % عام 2024، مقارنةً ب 15.7 % عام 2023، و13.9 % عام 2022، و13.1 % عام 2021، و12.4 % عام2020، و10.8 % عام 2019، و7 % عام 2018، و5 % عام 2017، و3.5 % عام 2016، و1.6 % عام 2015، و0.8 % عام 2014. تناول التقرير تأثير الجهود التنموية والتداعيات السلبية للأزمات العالمية على معدل انتشار الشائعات فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة، لافتًا إلى زيادة معدلاتها نحو 3 أضعاف خلال 2020–2024 مقارنة مع 2015-2019. ووفقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تم رصد ما يزيد على 300 حملة تشويه منظمة على مواقع التواصل فى 2024 فقط، معظمها نشأ من حسابات خارجية. 2