عاد ملف التهجير القسرى للفلسطينيين ليتصدر المشهد مجددًا، وسط تصاعد القصف الإسرائيلى على قطاع غزة، وازدياد الضغوط الأمنية والاقتصادية على سكان الضفة الغربية، وهو ما يثير مخاوف حقيقية من إعادة إحياء سيناريو «النكبة» لكن بشكل جديد. ورغم النفى الرسمى الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن وجود نية لتهجير الفلسطينيين؛ فإن الوقائع على الأرض تسير فى اتجاه مغاير تمامًا، يُعزز هذه المخاوف ويؤكد أن التهجير لم يعد مجرد احتمال؛ بل خطة تُنفذ بخُطى ثابتة وتحت غطاء من الصمت الدولى. هذا الواقع يعيد للأذهان مخططات «الترانسفير» التى لطالما طُرحت فى الأدبيات الصهيونية، لكنها كانت تُقابل سابقًا برفض دولى واضح. اليوم؛ تبدو الأمور أكثر تعقيدًا، إذ تُمارَس عمليات التهجير بأساليب غير مباشرة، لكنها فعالة، مدفوعة تتحدث عن «حل إنسانى» أو «منطقة آمنة»، فى حين أن الحقيقة هى سلب شعب من أرضه وتاريخه. فى هذا السياق قال الدكتور أيمن الرقب- أستاذ العلوم السياسية- إن الاحتلال يخطط لعملية للتهجير بشكل كبير جدًا، مشيرا إلى أن الخريطة التى نشرها الاحتلال لمركبات جدعون كانت تتحدث عن دفع الكتلة السكانية الأكبر لرفح تمهيدًا لتهجيرهم. وأوضح «الرقب» أن المجلس الوزارى الأمنى الإسرائيلى المصغر «الكابينت» أقر مطلع مايو 2025 خطة عملية «عربات جدعون» بهدف تحقيق حسم عسكرى وسياسى فى قطاع غزة، عبر عملية منظمة من 3 مراحل، مع استخدام 5 عوامل ضغط ضد حركة حماس فى محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية، وبدأ الجيش الإسرائيلى تنفيذها عبر استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. وأضاف أستاذ العلوم السياسية : إن الأمريكيين والإسرائيليين يقولون إن المشكلة الأساسية هى عدم وجود دولة لاستيعابهم، ورغم نفى السفارة الأمريكية فى ليبيا؛ فإن التحركات على أرض الواقع تؤكد سعيهم لتنفيذ هذا المخطط. ونفى «الرقب» أن يكون هناك خلافٌ أمريكى إسرائيلى قائلًا: «أعتقد أن ما يثار عن وجود خلاف أمريكى إسرائيلى غير صحيح، فهناك تنسيق مشترك بين الجانبين لتنفيذ خطة التهجير وبصورة عاجلة». موقف مصرى ثابت وقال د.سامى الشريف، وزير الإعلام السابق، إن الإدارة الأمريكية الجديدة أعلنت أنها جادة فى إيجاد حلول حقيقية لقضية الفلسطينيين المحاصرين والذين يشن الاحتلال عليهم حملة تطهير عرقى، لكن ما يحدث على أرض الواقع يكذب هذه النوايا؛ خصوصًا أن الرئيس ترامب أنهى زيارته لدول الخليج وحقق مكاسب كبرى للاقتصاد الأمريكى ولم يطرح القضية الفلسطينية على الطاولة. وواكب هذا إعلان أن الخطة الإسرائيلية مستمرة فى تحقيق أهدافها دون ردع من الرئيس الأمريكى والإدارة الأمريكية والجميع يعلم أنه إذا أرادت أمريكا وقف الاعتداءات الإسرائيلية ستوقفها فورًا؛ لكن يبدو أن ما يقال على وسال الإعلام يتنافى مع الواقع والنوايا الأمريكية، ولذلك عاد الحديث بشأن تهجير الفلسطينيين. وأضاف: «عندما ثبتت مصر على موقفها من رفض التهجير بدأوا يتحدثون عن التهجير إلى ليبيا أو الصومال أو حتى إلى إندونيسيا، وهى أمور قد تبدو مثيرة للضحك لكنها خطط بديلة لأنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها». وأوضح «الشريف»، أن هناك بعض الأنباء عن تهجير 100 ألف فلسطينى، وأن هناك اتفاقًا بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصومالية الهشة على تهجير الفلسطينيين لهم، مشيرًا إلى أنه فى ظل ما يتردد من أنباء قد يحدث بالفعل تهجير، وكما يقول الرئيس الأمريكى بأنه سيكون تهجيرًا طوعيًا، كأنهم يقولون لهم تموتون أو تذهبون لليبيا أو للصومال. ورأى «الشريف»، أن استقبال ترامب للرئيس السورى، أحمد الشرع، وإبداء سوريا الاستعداد للمشاركة فى تهدئة الأوضاع فى فلسطين قد يحمل من بين الحلول تهجيرَ فلسطينيينلسوريا. وقال «الشريف»، إنه يأمل أن تنتبه الأطراف العربية لهذه المؤامرة وأن يفوّت الشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية خطة التهجير وأن تعود الوحدة للصف الفلسطينى والصف العربى؛ لأن قضية تهجير الفلسطيينيين كارثة. فخ المساعدات وكشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلى عن خطة إسرائيلية جديدة تهدف إلى إفراغ شمال قطاع غزة بالكامل من سكانه، وذلك باستخدام آلية توزيع المساعدات الإنسانية ك«فخ» لترحيلهم قسرًا إلى الجنوب. وفقًا لإذاعة الجيش؛ تُقيم إسرائيل حاليًا أربعة مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية بالتعاون مع شركات أمريكية. اللافت أن هذه المراكز لا تقع كلها فى رفح أو قرب محور موراج جنوب القطاع؛ بل يتم إنشاء أحدها فى وسط القطاع؛ تحديدًا جنوب محور نتساريم وعلى طريق صلاح الدين. وبينما يُعلن أن الهدف من هذا المركز هو تسهيل وصول المساعدات لسكان شمال ووسط القطاع دون عناء الذهاب إلى رفح، تشير الإذاعة إلى أن هناك خطة إسرائيلية «مدروسة» تقف وراء هذه الخطوة. وقال ماهر صافى- المحلل السياسى الفلسطينى- إن ما يدور حاليًا ما بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل هو اتفاق على تهجير الشعب الفلسطينى من قطاع غزة وأيضًا تقليص مساحة الضفة الغربية وتهجير سكانها وبالتالى ما يحدث حاليًا هو المجازر والتجويع من أجل دفع السكان إلى التهجير الطوعى أو القسرى، كلاهما نتيجته واحدة وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها. وأضاف: إن هناك تناقضًا فى تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب؛ حيث إنه عندما تولى الحكم تحدّث وقال إنها ريفيرا الشرق الأوسط ومنطقة ساحلية جميلة ويجب أن يهجر سكانها إلى الخارج وبالتالى نية التهجير موجودة فى الأساس. وأوضح «صافى»، أن هناك تعاونًا بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل لتنفيذ هذا المخطط وتحولت الحرب إلى حرب وجودية دينية أيدولوجية من أجل تهجير الشعب الفلسطينى. وقال المحل السياسى الفلسطينى: إن موضوع المساعدات فخ نصبه الجيش الإسرائيلى ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى ينتقل السكان إلى مناطق تسليم المساعدات وبالتالى فإن إسرائيل تريد أن تحصرهم فى أماكن محددة لمعرفة أماكن حماس. وأشار إلى أن إسرائيل مقبلة على التهجير الإجبارى للفلسطينيين، وهو أمرٌ قائمٌ بقوة؛ حيث إن الشركات الأمريكية التى دخلت قطاع غزة مهمتها حراسة المساعدات والجيش الإسرائيلى مهمته دفع السكان من شمال غزة والمناطق الوسطى والمناطق الشرقية لأماكن المساعدات، ومن المرجح أن تكون منطقة رفح لتنفيذ مخطط التهجير. وحذر «صافى» من أن يتم احتلال قطاع غزة بالكامل وتهجير أهله أو تقليص عدد سكان القطاع؛ خصوصًا أن الاحتلال يقوم فى الوقت الحالى بتدمير المخيمات الفلسطينية لإلغاء كلمة «لاجئ» من القضية الفلسطينية وإلغاء دور «الأونروا». 2