وزيرا الأوقاف والعمل ومحافظ القاهرة في رحاب مسجد السيدة نفيسة (صور)    وزير الخارجية البريطاني: لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي أبدا    لماذا لم يحضر ترامب حفل زفاف بيزوس؟.. الرئيس الأمريكي يكشف السبب    الأدب والحكايات الشعبية مفتاح للوحدة ويمنع الانقسام والتناحر في كتاب جديد    رغم الخروج المبكر.. مدرب العين فخور بمشوار فريقه في مونديال الأندية    فيديو يقود مباحث دار السلام لضبط "ديلر الاستروكس"    بوتين: العلاقات بين موسكو وواشنطن بدأت تتحسن    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    بحضور النقيب.. افتتاح مصيف المهندسين بالمعمورة بعد تطويره في الإسكندرية    محافظ كفرالشيخ: انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الضبعة بالرياض    في أول جمعة من العام الهجري الجديد.. افتتاح مسجد "آل يعقوب" بقرية سفلاق بسوهاج    ثنائي الأهلي يزين التشكيل الأفريقى المثالى لمرحلة المجموعات فى مونديال الأندية    "القومي للطفولة" يحبط زواج طفلة 14 عاما بمحافظة قنا    نيوم يتوصل لاتفاق مع جالتييه لتدريب الفريق    الرقابة المالية تستعرض تجربتها الرائدة في إطلاق أول سوق كربون طوعي مراقب ومنظم أمام وفد ليبي يضم جهات حكومية    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    جميعهن فتيات.. ننشر أسماء ضحايا حادث الإقليمي بالمنوفية    مجلس الوزراء يكشف حقيقة اعتزام الدولة خصخصة الجامعات الحكومية    السيطرة على حريق بمحول كهرباء في كفر شكر بالقليوبية    "البترول": نجاح أعمال الحفر ببئر "ظهر 6" وإضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج    الإثنين المقبل.. انطلاق فعاليات معرض الفيوم للكتاب    عبد المنعم المرصفي: التمثيل مصدر رزقي الوحيد.. وعايش على السلف لحد ما يجي لي شغل    أحمد رزق يحتفل بتخرج نجله من المدرسة.. وإيمان العاصي تعلق (صورة)    الإثنين المقبل.. المحطة الأخيرة لقانون الإيجار القديم قبل إقراره تحت قبة البرلمان    خطيب المسجد النبوي: صوم التطوع في شهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان    شحنة جديدة من الأدوية و15 كرسيا متحركا لتوزيعها على المستحقين بأسيوط    صحة الغربية تحقق في واقعة تبدل جثتين في مشرحة مستشفى زفتي العام    «الصحة» تطلق حملة قومية للتبرع بالدم في جميع المحافظات    نجاح أول عملية تكميم معدة لطفلة بالمنظار بمستشفى جامعة أسيوط    إيرادات الخميس.. «المشروع x» يحافظ على صدارة شباك التذاكر    كأس العالم للأندية| تفوق جديد ل صن داونز على الأهلي    ضبط قضايا اتجار غير مشروع في النقد الأجنبي ب4 ملايين جنيه    الحكومة تنفي خصخصة الجامعات الحكومية وتؤكد: "مملوكة للدولة"    الرئيس اللبناني يدين التصعيد الإسرائيلي على منطقتي النبطية وإقليم التفاح    انخفاض أسعار الذهب عالميًا ومحليًا وسط هدوء التوترات الجيوسياسية    الحكومة تحدد ضوابط العمرة الجديدة لعام 1447    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء الدقى والعمرانية وبولاق الدكرور    السيطرة على حريق نشب فى ثلاثة سيارات ملاكى بحى شرق أسيوط    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    النواب يوافق على اعتماد إضافي للموازنة ب 85 مليار جنيه (تفاصيل)    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    المراجعات النهائية للغة الإنجليزية الثانوية العامة 2025    أسعار اللحوم البلدية اليوم الجمعة 27-6-2025 فى الإسماعيلية    الدورى الجديد يتوقف 5 ديسمبر استعدادا لأمم أفريقيا بالمغرب    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    قتل 8 نساء ورجل.. اليابان تنفذ حكم الإعدام في "سفاح تويتر"    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    قمة أوروبية.. الريال يضرب موعدًا مع يوفنتوس في دور ال16 بمونديال الأندية    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة شيطانية لتهويد عرب القدس!

ومشيت فى الشوارع.. شوارع القدس العتيقة.
يا زهرة المدائن.. «صعدت» إليك أصلى، صليت فى المسجد الأقصى، تأملت بحزن قبة الصخرة.. وضعت يدى على قبر المسيح، أشعلت شمعة على صندوق نذور كنيسة القيامة.. وكدت أموت ألف مرة من غطرسة دقات أحذية جنود الاحتلال القاسية.. وكنت أحترق ألف مرة من مشاهد العشق المفضوح فى المدينة الذهبية المقدسة.
-1-
عشرة أجزاء من الجمال خصصت للعالم كله.. كان نصيب القدس منها تسعة أجزاء وحصل العالم كله على جزء واحد.. عشرة أجزاء من الألم حلت بالعالم كله.. كان نصيب القدس منها تسعة أجزاء وأصاب العالم كله جزء واحد هذا هو قدر مدينة القدس على لسان حكماء اليهود القدامى.
المتعة والعذاب.. الجمال والألم.. التصوف والذبح.. القديسين والجنرالات.. الموت والحياة.. الميلاد والرحيل.. نور الله وظلام البشر.
منذ ميلاد المسيح.. تهدمت المدينة سبع مرات.
وفى المرة الثامنة جاء الإسرائيليون.
الكنعانيون.. المصريون.. البابليون.. الفرس.. اليونانيون.. الرومان.. العرب المسلمون.. السلاجقة.. الفاطميون.. الصليبيون.. المماليك.. العثمانيون.. البريطانيون.. وفى اليوم السابع من حرب الأيام السنة دخل الإسرائيليون القدس. للقدس سبع بوابات لا تزال.. محور التاريخ والمشاعر.. أشبه بقطعة من العصور الوسطى.. جدرانها مصنوعة من حجر رمادى.. البوابات السبع ترمز لأيام الدنيا.. كل بوابة لها أكثر من اسم، أسماء الكلمات كما سمعتها: المغاربة.. السلسلة القطانين دمشق.. الوادي.. الإهابات.. والغوانمة.
على ظهر العملات الورقية الإسرائيلية رسمت البوابات السبع.. وكتبت عليها الأسماء اليهودية.. محاولة إسرائيلية جديدة للتأكيد على أن القدس عاصمة إسرائيل.
المحاولات القديمة بدأت من تحريف المزامير وإعادة صياغتها «إذا نسيتك يا أورشليم نشني يمينى، ليلتصق لسانى بكلتى إن لم أتذكرك، إن ألم أفضل أورشليم على أعظم فرحى».. «هذه أورشليم فى وسط الشعوب قد أقمتها وحواليها الأرض».. هكذا قال السيد الرب.. «لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب».
وعندما دخل الإسرائيليون القدس سارعوا بالحفر عند بوابة «المغاربة» ليقيموا حائط المبكى.. ولا تدرى أى صدفة تاريخية هى التى أقامت حائط المبكى على بعد خطوات قليلة من المسجد الأقصى وقبة الصخرة الإسلامية.. إنه مجرد حائط تحت مستوى الطريق العادى بحوالي 200 متر وبعرض يقترب من 500 متر تقريبا.. ومبنى بالحجارة.. ويقف عليه اليهود يبكون بحرقة.. يثبتون أيديهم ويهزون أقدامهم.. وعلى بعد خطوات «مصطبة» عليها أوان نحاسية ضخمة تمتلئ بالزيوت التى يشعلون فيها النيران. ولا تتوقف رحلات تلاميذ المدارس إلى الحائط الذى يمسح اليهود عليه ذنوبهم.. ولا يوجد يهودى واحد فى العالم لا يحلم بالبكاء على صدر هذا الحائط.. حتى الشبان والبنات الذين يحلمون بالحياة البدائية على طريقة الجماعات الرافضة فى أوروبا يأتون للحائط للبكاء.. وإن كان بعضهم يقول: «أننا نمسح ذنبونا أولاً بأول حتى تتاح لنا فرصة جديدة لذنوب جديدة».. «لولا هذا الحائط لما ارتكبنا كل هذه الذنوب».
لذلك.. ليس غريبًا أن يسجل مناحم بيجن: «أن الأحذية الثقيلة هى التى تصنع التاريخ».. وأن يقول عندما تأتى سيرة القدس: «إن العالم لا يشفق على المذبوحين.. ويحترم المقاتلين»!!
ولذلك.. ليس غريبًا أن تكون أول عبارة موشي ديان يوم اكتمل احتلالهم للقدس: ها قد عدنا إلى بيت إسرائيل.
إنهم يفعلون المستحيل لكى يثبتوا أن القدس لهم. لكن…
الأحذية الإسرائيلية الثقيلة لم تكن الأولى من نوعها فى التاريخ التى ضغطت على عنق المدينة.. عصور طويلة من القهر.. السلب.. الدمار.. أنهار الدماء.. الأنقاض.. عاشتها القدس.. ولأن ذاكرة الجرح القوى من ذاكرة الفرح.. ظلت هذه المدينة أكثر المدن الفلسطينية شراسة فى مواجهة إسرائيل.. لا تزال إسرائيل ترى فى داخل كل امرأة فلسطينية «حامل»، مستودع أسلحة ومركزًا عسكريا لتدريب الفدائيين.. ما يحدث فى القدس الآن ليس جديدًا عليها.. وخبرة هذه المدينة فى تحميل القسوة والغطرسة لا تضارعها مدينة أخرى. إن أسطوانة- الروك- اليهودية تدور على الفاضى فى شوارع القدس العتيقة.. لأن معظم سكانها لا يعرفون هذه الرقصات.
-2-
طريق تل أبيب- القدس
أتوبيس إسرائيلى يحمل مجموعة من الصحفيين المصريين فى زيارة عابرة.. بعد انتهاء زيارة السادات الأخيرة.. زيارة عابرة فى ساعات قليلة إلى القدس.
أول الطريق إلى القدس.. أول الطريق للمأساة.. أول مزرعة يهودية أقيمت فى فلسطين 1907.. المزرعة على يمين الطريق.. لا تزال بقاياها قائمة.. الزراعة.. الحضارة.. الاستقرار.. التكاثر.. التوسع.. الأرض.. الزراعة هى الأرض.. والأرض هى الدولة.. وامتلاك ملايين الأفدنة يبدأ بمزرعة صغيرة.. والمزرعة الصغيرة كانت بداية المأساة.
«أفي» مرافقنا الإسرائيلي.. يبدو من بنيان جسمه أنه ضابط صاعقة قديم.. يجيد اللغة العربية لكنه لم يكشف لنا سر هذه الموهبة إلا فى الساعات الأخيرة من الرحلة.. يعرف كل شبر فى إسرائيل.. أسماء المدن.. الشوارع.. الأسواق.. الكيبونزات.. محطات تعبئة الموالح.. «أفى» ضابط صاعقة قديم يجيد مهنة الإرشاد السياحى.
عندما أشار «أفي» إلى أقدم مزرعة يهودية قال:
- وبالمناسبة فى إسرائيل زرعنا 50 مليون شجرة.. والجبال التى على يمين الطريق لم تكن مزروعة من قبل.. الرواد الأوائل هم الذين قاموا بزراعتها. كان حلمنا أن نحول الصحراء إلى زراعة وأن نحول اللون الأصفر إلى اللون الأخضر.
بعد 55 كيلومترًا من تل أبيب دخلنا القدس.
تبدو القدس من مدخل الطريق المرتفع الذى يخترق بطن الجبال أحيانا وكأنها مدينة تحت السفح.. هذه هى القدس الغربية.. اليهودية.. قدس أول احتلال عام 1948.. مبانٍ حديثة.. شوارع متقاطعة كتبت أسماؤها بالعبرية والعربية والإنجليزية وكل المبانى بنيت بالحجارة الجبلية.. القانون الإسرائيلى يمنع البناء فى المدينة بغيرها.. والمبانى الحكومية والفنادق هى التى تتفرد بالارتفاع الشاهق.. إنها مجموعة من الأحياء المتناثرة التى تكون فى مجموعها مدينة القدس.
حتى نهاية عام 1947 كان اليهود يعيشون فى أحياء فقيرة.. قذرة.. وكان الحى اليهودى ذو الأزقة والطرق المغلقة هو المأوى الرئيسى لأغلب يهود القدس.. وتوسع هذا الحى ليمتد إلى منطقة تسمى «يمين موسى» ولتخلق على الخريطة القدس الغربية.. وموسى هو اسم يهودى بريطانى كان يحمل لقب «سير».. وكان اسمه الكامل: «سير موسى موتنقبرى».. وعندما جاء إلى فلسطين عام 1827 تبرع لفقراء «الجبتو» اليهودى وبنى لهم منطقة جديدة لا تزال تحمل اسمه حتى الآن.
وهكذا اندمجت الأحياء اليهودية الغربية واختلطت القدس القديمة بالقدس الجديدة.. حتى أنه عندما قامت حرب 1948 بعد إعلان دولة إسرائيل.. لم يكن هناك خط قتال محدد.. كانت هناك عمليات متشابكة فى الإغارة ورمى القناصة.
فى سنة 1949 حددت اتفاقية الهدنة الخط الفاصل بين إسرائيل والأردن.. ويمتد هذا الخط من الشمال إلى الجنوب ويمر بالقرب من سور المدينة القديمة ويترك جبل صهيون على الجانب الإسرائيلى.. وظل جبل المكبر جيبًا إسرائيليًا داخل الأراضى التى تسيطر عليها الأردن.. وكانت هذه الحدود.. حدودًا غريبة الشكل.. فهى تقطع الشوارع وحتى المنازل.. وكانت هناك نقطة عبور رسمية سماها الإسرائيليون نقطة «متدليوم» وقد سميت بهذا الاسم الذى أصلاً اسم طبيب يهودى شطر خط الهدنة منزله شطرين.. وفى هذا المكان كانت تعقد اجتماعات لجنة الهدنة الإسرائيلية- الأردنية المشتركة.. حتى جاءت هزيمة يونيو 1967 وخضعت القدس بأكملها إلى احتلال الأحذية الإسرائيلية الثقيلة.
بعد يونيو 1967 فعلت إسرائيل المستحيل لتصبح القدس عاصمتها.. توسعت فى أحياء المدينة.. أقامت فيها مبنى الكنيست.. ومبنى الحكومة.. وضاعفت من عدد سكانها لتصبح المدينة الأولى فى إسرائيل.
لكن سكان المدينة من الفلسطينيين والعرب كانوا «الشوكة» التى تقف فى حلق إسرائيل.. وضاعف من قسوة هذه الشوكة الحادة ضغط الرأى العام الإسلامى فى العالم كله والذى يصل إلى حوالى 800 مليون مسلم يعتبرون القدس كعبتهم الثانية ويقدسون هذه المدينة التى صعد منها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
وفى القدس الآن حوالى 90 ألف فلسطيني.. يعيشون فى الأحياء القديمة.. طرقات مرتفعة وحوارى ضيقة ملتوية.. ومحلات صغيرة.. وبيوت مهدمة.. والمجارى تطفح فى الشوارع.. وأكوام الزبالة تصادفك فى كل مكان.. والسياحة والتجارة والحرف اليدوية البسيطة أكل عيشهم الأساسى.
جربت إسرائيل معهم كل الأساليب.. العنف.. الاعتقال.. إغراق محلاتهم بالبضائع.. ربطهم بالسياحة.. ولكن كل هذه الأساليب لم تحقق النجاح الذى تحلم به إسرائيل.. لم تحقق لإسرائيل حلم دمجهم وتذويبهم إلى حد الانقراض داخل المجتمع اليهودى.
وأخيرًا اهتدت إسرائيل إلى حيلة شيطانية خبيثة.. بدأت تبنى لهم مستعمرات سكنية حديثة على أطراف المدينة.. ستنقلهم إليها خلال شهور قليلة قادمة.. تريد أن تبعدهم عن أحيائهم الشرقية التى اعتدت فيها جذورهم إلى حد العمق.. تريد أن تخلق لهم مصلحة فى استمرار احتلالها المقدس.. بيوت حديثة.. حياة فيها ترف ونعومة.. إذن من الأفضل أن تستمر القدس يهودية.. تريد أن تبعدهم عن هذه الأزقة والحوارى التى يصعب السيطرة الأمنية عليها.. وتريد أخيرًا أن تحول كل مناطق القدس الشرقية إلى مناطق سياحية تكسب من ورائها مليارات الدولارات والعملات الصعبة.
-3-
عندما دخلنا مدينة القدس قال مرافقنا الإسرائيلى:
- من فضلكم افتحوا الشبابيك.. هواء القدس لا يحتاج أن نتعامل مع جهاز التكييف.
-4-
صعدت إلى المسجد الأقصى.
لا توجد كلمة فى القاموس العربى الضخم تحل هنا محل كلمة «الصعود».
فالصعود هنا ماديًا.. لأنك تصعد مرتفعات عالية يصعب على السيارات القوية اجتيازها.. والصعود هنا معنويًا.. لأنك تقترب من الذى صعد منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات.
نترك الطريق الرئيسى.. الذى نرى على يمينه وادى المسلم.. شجرة الصيب.. الكنيسة الروسية.. جبهل صهيون.. عين كارم التى خرج منها يوحنا المعمدان.. الأديرة المسيحية.. تصعد إلى طريق مرتفع.. تظل فى طريقنا المرتفع حتى نواجه بوابة بوليسية.. قف للتفتيش.. نمر من البوابة.. ننحرف يمينًا.. الطريق يرتفع أكثر.. على اليسار فى منطقة منخفضة آثار رومانية قديمة ترممها اليونسكو.. على اليمين فى نفس مستوى الانخفاض يرتفع حائط المبكى.
نواصل السير فى طريقنا الذى لا يزال يرتفع تحت أقدامنا.. أصبحنا فوق سطح الأرض بحوالى 800 متر على الأقل.. أمامنا الآن أول وجوه عربية رسمية.. حراس المسجد الشريف يقفون على بوابة المغاربة.. يرتدون ملابس صفراء.. وعلى رؤوسهم غطاء الرأس الفلسطينى التقليدي.. وما زالوا يتقاضون مرتباتهم من تبرعات المسلمين التى يحصل عليها الملك حسين.
بمجرد الدخول من البوابة ستجد المسجد الأقصى شامخًا على اليمين.. وفى مواجهته تبرق قبة الصخرة الذهبية.. وبينهما مساحة كبيرة من الحجارة المرصوفة والسلالم الصغيرة.. وفى منتصف الطريق بينهما مكان للوضوء.. لوحة تعليمات إسرائيلية زرقاء عليها حروف بيضاء باللغة العربية.. تطالب زوار المسجد بمراعاة الحشمة والأصول عند دخول الأماكن المقدسة.. مسألة شاذة وغريبة.. وتحذير فى غير محله.. فالعرب والمسلمون ليسوا فى حاجة إلى مثل هذه التعليمات.. كان الأولى كتابتها باللغة العبرية واللغات الأوروبية المختلفة.. بعد أن حولت إسرائيل هذه الأماكن الدينية إلى أماكن سياحية.. لا تغلق أبوابها بعد انتهاء صلاة العشاء.. وإنما تغلق أبوابها مثل باقى المتاحف بعد غروب الشمس مباشرة.. والدخول إليها بتذكرة.
ونظرة واحدة لزوار هذه المساجد من السياح تؤكد أن إسرائيل أخطأت فى كتابة التحذير.. فداخل المسجد سائحات أوروبيات ويهوديات بالشورت الساخن.. وعلى أسواره مشاهد العشق الفاضح. وعندما دخلنا نصلى.. وجدنا المساحة المحدودة من المسجد للصلاة لا تزيد فى عرضها على المترين.. حددت بحبل طويل بعرض المسجد.
بقايا حريق المسجد الأقصى لا تزال قائمة.. المنبر الذى احترق عمره 900 سنة وقدر بحوالى 10 ملايين جنيه إسترليني.. حارس المسجد عابد محمد على بشير من سكان منطقة جبل المكبر.. قال لي: منذ ستة شهور وهناك حركة ترميم وإصلاح وتجديد للمسجد، بعد زيارة الرئيس السادات بدأت محاولة تجديده.. المباني.. النوافذ.. تغيير الزجاج الملون.. تجديد النقوش.. وصنع منبر جديد بدلاً من الذى احترق.
-5-
داخل قبة الصخرة فقدت قدرتى على النطق من دهشة ما رأيت، صخرة ترتفع عن الأرض حولها سور من الرخام الصافي.. فوقها القبة الذهبية.. من الخارج الذهب يبرق.. ومن الداخل نقوش إسلامية ذهبية وعبارات تثبت أصل من بناها.. الملك.. الصالح.. الكامل.. العامل.. صلاح الدين الأيوبي.
سلم صغير.. درجات معدودة على أصابع اليد الواحدة.. ومسجد صغير.. بدون قبلة.. يتجه إلى قبلة المسجد الأقصى.. يفضل معظم الزائرين الصلاة فيه ركعتين.. استكمالاً لصلواتهم فى المسجد الأقصى.
-6-
منذ 1600 سنة تقريبًا جاءت الملكة هيلينا أم الإمبراطور قسنطين إلى القدس تبحث عن قبر المسيح.. وخطوات آلامه الاثنى عشر.
بعد 325 سنة من رحيل المسيح اكتشفت الملكة هيلينا مكان قبر المسيح وأقامت كنيسة القيامة المجيدة.. لو دخلت كنيسة القيامة ستجد طوابير طويلة من المسيحيين جاءوا للزيارة والبركة.. يتوسط مدخل الكنيسة قبر السيد المسيح.. تدخل إليه من بوابة خشبية جافة.. وعلى الجانب الآخر يقف أحد الرهبان أمام صورة للسيدة العذراء وعلى صدرها المسيح رضيعًا.. ويقدم الراهب لزواره صليبًا مباركًا.. هدية الزيارة.. صليبًا أبيض من العاج والفضة كتب عليه اسم «القدس» باللغة الإنجليزية.
خمس كنائس.. للطوائف الخمس التقليدية فى المسيحية.. فى خمسة اتجاهات يتوسطها قبر المسيح.. يأتى الجميع إلى القبر.. ثم يذهب كل زائر إلى كنيسته.
على باب الكنيسة لا يزال مكان تسليم مفتاحها من قبل عمر بن الخطاب عندما دخل المسلمون القدس وأعلنوا حرية العبادة لجميع الأديان.
خارج كنيسة القيامة تنتشر الأديرة والكنائس المسيحية الأخرى والمختلفة.. دير الكاثوليكية اللاتينية والذى بقى كدار لضيافة الحجاج المسيحيين عام 1887.. دير اليسوعيين والمعهد البابوى بالقرب من فندنق الملك داود.. دير راتسبون الكاثوليكى الذى بنى عام 1874 وتيراسكاننا.. دير الفرنسيسكان الذى اتخذته الجامعة العبرية مقرًا مؤقتًا لها.. دير نازارى القرنسي.. دير القديس متصور دى بول.. دير سان روزبر.. كنيسة ودير دوريتون.. كنيسة دير سان سيمون.. ولأرثوذكس اليونان: دير الصليب.. الدير اليوناني.. الدير الأرثوذكسي.. دير سان سيمون.. وللأرثوذكس الروس: كنيسة يوحنا.. وللأحباش: الدير والكنيسة الحبشية.. وللبروتستانت: كنيسة سان أندرو وكنيسة الأدفنتست.
-7-
هل تحتاج إسرائيل إلى دليل آخر على حقوق المسلمين والمسيحيين الدينية فى القدس!!
-8-
منذ أكل آدم من الشجرة المحرمة.. منذ هبطت به أمنا حواء إلى الأرض.. منذ قتل قابيل أخاه هابيل.. منذ وجدت الدنيا.. وثمة مدن تمد يدها لامتلاك الشمس وثمة مدن لا تريد أكثر من دفتر الشيكات.. ثمة مدن تقنع بصيد السمك بالصنارة على شاطئ البحر.. وثمة مدن لا تنام إلا فى أحضان العواصف الشرسة.. ثمة مدن تكتفى بالتعامل على طريقة الأرانب وثمة مدن تفضل مصارعة الأسود.
القدس مدينة من السهل اكتشاف هويتها العربية الأصيلة.. صناعتها العروبة.. وخبزها اليومى المحافظة على نسل الجدود.. ومدينة بهذه المواصفات يصعب أن تستسلم لنظرية الأحذية الثقيلة فى كتابة التاريخ.. الدموع والآلام والجراح التى سجلت تاريخ زهرة المدائن تسقط النظرية الإسرائيلية رقم واحد.
-9-
يا قدس.. يا مدينة الظلام.. قلوبنا إليك.. تفضح كل شيء.. لأننا نصلي.
10
9


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.