الي القدس تتجه الأنظار، فالمدينة المقدسة ترتبط بمشاعر المسلمين والمسيحيين بوصفها مكانا دارت فيه أحداث دينية تاريخية كبري، فالمدينة يقدسها أبناء النبي إبراهيم عليه السلام، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا، وهو ما يجعلها غالية علي كل مسلم ومسيحي في كافة بقاع الأرض، ومنذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين واليهود يحاولون بشتي الطرق إثبات أن القدس هي مدينتهم التي تحتوي علي آثارهم. ورغم تأكيد علماء إسرائيليين علي عدم وجود أي آثار يهودية في المدينة المقدسة إلا أن الاحتلال لم يتوقف عن تهويد المدينة وتضييق الخناق علي الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، واستباحة المسجد الأقصي، وتهجير سكان المدينة، ومحاولة فرض الأمر الواقع بالقوة بهدف جعل القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. النضال الطويل للفلسطينيين وانتفاضة الحجارة في وجه آلة القمع وفضح المزاعم الإسرائيلية لم يمكن إسرائيل من الحصول علي ماتريد ويفشل مخططها الساعي إلي تهويد المدينة. نبعت أهمية القدس من أتباع الديانات السماوية وخاصة الإسلامية والمسيحية، فهي تضم أهم المعالم الدينية، مثل المسجد الأقصي ثالث أفضل المساجد في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، وحائط البراق الذي يقع غرب المسجد الأقصي، وهو الحائط الذي ربط عليه نبينا محمد صلي الله عليه وسلم براقه أثناء رحلة الإسراء والمعراج، والذي يحاول أن ينسبه اليهود الآن لأنفسهم بعدما أطلقوا عليه حائط المبكي مدعين أن هيكل سليمان تحت هذا الحائط. ولا تخلو المدينة من الآثار المسيحية مثل كنيسة القيامة التي تحتوي علي القبر المقدس، وطريق الآلام الذي له قدسية عند المسيحيين كونه الطريق الذي سار عليه المسيح في آخر لحظات حياته، وضريح السيدة مريم العذراء، الذي يقع بالقرب من كنيسة كل الأمم، وله مكانة مرموقة لأن الكنائس الشرقية تعتقد أن بداخل هذا القبر جسد السيدة العذراء والدة السيد المسيح، وباب الأسباط الذي يعتبر واحدا من أشهر بوابات القدس القديمة التي تعتبر بداية طريق الآلام. بينما يزعم اليهود أنها مدينتهم المقدسة المدفون فيها هيكلهم المقدس تحت المسجد الأقصي، وأن حائط البراق هو الجزء المتبقي منه. يشير د. عبد الله سعد أستاذ الشريعة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر إلي أن القدس ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أكثر من أي مكان آخر بعد المسجد الحرام، ويتضح ذلك من خلال ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصي في بداية سورة الإسراء: "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله". ولحرص سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم علي إبراز مكانة القدس جعل زيارة بيت المقدس سنة إسلامية مقترنة بالحج إلي بيت الله الحرام، وعدم زيارته قبل أو بعد الحج إخلال بسنن الحج. وقد اتفق العلماء علي أن من حكمة الإسراء تثبيت الديانة التوحيدية السماوية في القدس الشريف. وللقدس أهميةٌ كبيرة لدي المسلمين خاصة وهي تعاني من احتلال اليهود لها واستباحتهم الأراضي وقتلهم الأبرياء وإخراجهم من ديارهم يعني أنها أرض ميعاد وتاريخ قادم، وفي القدس تقع الصخرة المشرفة التي بنيت فوقها قبةُ الصخرة. ومن ناحية أخري ينظر المسيحيون للقدس علي أنها المركز المسيحي الأّول والأهم في العالم، ويؤكد القس "بولا فؤاد" أن الاعتداءات الإسرائيلية تهدد وجود المسيحيين في القدس منذ احتلال فلسطين عام 1948، والدليل علي ذلك التناقص المستمر لأعداد المسيحيين هناك. يتم تهجير المسيحيين إما بالتضييق عليهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية أو في استهداف حقهم في حرية العبادة ومنعهم من الوصول إلي كنائسهم، بالإضافة للاعتداء علي المقدسات المسيحية والإساءة إلي السيد المسيح والعذراء ضمن سياقات يرعاها الكيان الصهيوني، حتي وإن تظاهرت بعكس ذلك. ويوضح أن نسبة المسيحيين الآن في القدس لا تتعدي 1% بالرغم من أنهم يعتبرون القدس أم الكنائس، نظرا لأنها أول كنيسة في العالم، ومنها انطلقت البشارة المسيحية إلي جميع البلاد، ويرفض المسيحيون الفلسطينيون أن ينظر إليهم علي أنهم أقلية، ويرفضون الاحتماء بالغرب لأن لا يسعون إلا للحفاظ علي مصالحهم، وهم لا يملكون سوي الجذور والتاريخ وتكريس ثقافة الحوار والتلاقي والتفاهم والإخوة والوحدة. ويعتبر المسيحيين القدس مركزا للدنيا أو نصفها وقبلة المسيحيين الأولي والوحيدة، والمركز المسيحي الأول والأهم في العالم، وترجع هذه الأهمية بسبب المعتقد المسيحي بأن موت المسيح في القدس وقيامته في اليوم الثالث من القبر، فالقيامة في المسيحية هي الحدث المركزي والأساسي، ومن دونها لا وجود للمسيحية ولا معني للعقيدة. ويقول: تضم القدس الكثير من الآثار المسيحية أهمها كنيسة القيامة وهي أقدس كنيسة في العالم المسيحي، ودير أبينا إبراهيم الذي يقع داخل أسوار البلدة القديمة، ودير العذراء، وكنيسة القديس توما، ودير مار مرقص، ودير مار يعقوب، وكنيسة كل الأمم، وكنيسة مريم المجدلية وكنيسة الصعود، وكنيسة العذراء، وكنيسة القديس بطرس ودرب الآلام وكنيسة العلية وقبر البستان وغيرها. ومثل المسلمين والمسيحيين، فاليهود أيضا يعتقدون أن القدس التي يسمونها "أورشليم" هي مدينتهم المقدسة. ويوضح د.أحمد حماد أستاذ الديانة اليهودية بجامعة عين شمس أن اليهود حرصوا منذ احتلالهم الكامل لمدينة القدس عام 1967م وحتي يومنا هذا علي إثبات وجود صلة تاريخية لهم بالمدينة المقدسة عن طريق الحفر تحت أساسات المسجد الأقصي بزعم أن الهيكل المقدس يوجد تحته، ووفقا لمزاعمهم فإن المسجد الأقصي قد تم بناؤه فوق هيكل سليمان وأن القدس هي المدينة التي وعدهم الرب بتمكينهم فيها، ويعتقد اليهود أن حائط البراق "المبكي" من بقايا هيكلهم القديم، فأصبحوا ينظرون إليه بعين التقديس ويزورونه ويبكون أمامه. وقامت في الماضي خلافات شديدة بين المسلمين واليهود حول البراق، حيث قام المسلمون بمنع اليهود من جلب المقاعد والكراسي والستائر أو أي أداة من الأدوات، ولم يسمحوا لهم بالوصول إلي المكان. لقب عالم الآثار الإسرائيلي "إسرائيل فلنكشتاين" ب "أبي الآثار" من جامعة تل أبيب وقد شكك في وجود أي صلة لليهود بالقدس، وأكد أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا علي شواهد تاريخية أو أثرية تدعم القصص الواردة في التوراة بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء وانتصار يوشع بن نون علي كنعان. وقد أقر عالم الآثار الإسرائيلي "مائير بن دوف" بأنه لا توجد آثار لما يسمي بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصي، وتحدث قائلا: "في أيام النبي سليمان عليه السلام كان في هذه المنطقة هيكل الملك الروماني هيرودس وقد قام الرومان بهدمه، أما في العهد الإسلامي فلم يكن هناك أثر للهيكل، وفي العهد الأموي بني المسجد الأقصي المبارك ومسجد قبة الصخرة المشرفة وهو المكان الذي عرج منه النبي محمد إلي السماء".