مرت قضية القدس بمراحل مختلفة كان أصعبها الاحتلال الصليبي الذي استمر قرابة قرن من الزمان.. ويروي التاريخ ان الصليبيين عندما احتلوا المدينة قتلوا كل من كان فيها من المسلمين وكان عددهم يبلغ سبعين ألفا حتي سالت الدماء أنهارا في الطرقات وغاصت فيها الخيول . وقد حث بعض المسلمين السلطان صلاح الدين الأيوبي بعد استرداده القدس ان يفعل بالصليبيين مثل ما فعلوا بالمسلمين ولكنه رفض وعفا عنهم وأرسل طبيبه الخاص ليعالج أعدي أعدائه وفك اسر من لم يستطع دفع الفدية فما دامت الحقوق قد استردت فلا حاجه الي القتل او التنكيل لان الانتقام ليس من شيم الإسلام وذلك تأسيا بما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة عندما قال لأهلها من الكفار( اذهبوا فأنتم الطلقاء).. وتمر السنون ويعاد احتلال ارض فلسطين حتي اليوم وأصبحت قضية تتفرد بطول أمرها لأنها الوحيدة في العالم حاليا التي مضي عليها أكثر من ستة عقود من الزمن دون التوصل إلي حل لها علي الرغم من اهتمام المجتمع الدولي بالعمل لحل الكثير من القضايا الأخري في فترات قصيرة. ويكشف كتاب القدس بين الحق الإسلامي والمزاعم الصهيونية والذي صدر عن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, ان قضية القدس تشكل جزءا جوهريا من موروثات الأمة الإسلامية ومقدساتها لارتباطها بالأقصي أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مما يعني أنها ليست قضية الفلسطينيين أو العرب فحسب بل تهم كل مسلم في بقاع الأرض. احتوي الكتاب علي ثلاثة أجزاء جاء الأول منها عن قدس الإسلام واستعرض فيه الدكتور محمد الشحات الجندي الامين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية مكانة القدس التي لم يثر جدال علي مدينة بين اتباع كل دين بقدر ما أثير حولها.. وكانت طيلة تاريخها قبل العصر الإسلامي ميدانا للصراع وبؤرة للتوترات وأرضا للمزاعم الدينية التاريخية لدماء الشهداء من أصحابها الشرعيين والمغتصبين المعتدين ولاتزال بمالم يحدث في أي مدينة أخري. واحتفي الإسلام بالقدس وعظم من شأن مقدساتها وتنزلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مبينة منزلتها وعلو شانها وخصوصية وضعها في التراث الديني والإنساني بوجه عام وفي الإسلام بشكل خاص والي بيت المقدس كانت قبلة المسلمين الأولي اتجهوا في صلاتهم إليها زمنا بلغ العام والنصف ثم أمر الله بالتحول إلي البيت الحرام. ولحادثة الإسراء منزلة خاصة في النصوص الإسلامية وهي جزء من إيمان المسلم وإكرام الله لنبيه. ويؤكد الكتاب أن الحق العربي الإسلامي ثابت في أرض فلسطينوالقدس وتؤكده حقائق دينية وتاريخية وديمجرافية سكانية ويتمثل في وجود العديد من الأماكن المقدسة ومن بينها المسجد الأقصي ومسجد قبة الصخرة والساحات المحيطة بهما.. ويشمل الوجود العربي المقدسات التابعة لأتباع الديانات السماوية مسلمين وغير مسلمين. وعروبة القدس منذ نشأتها حتي قبل مجيء الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. وأول من أسس المدينة هو ملكي صادق العربي اليبوسي, وبالرغم من هذه الحقيقة إلا أن الممارسات الإسرائيلية لا تفتأ لقول بيهودية القدس والإصرار علي مصادرة الحق العربي بالإضافة الي أماكن مقدسة إسلامية أخري وهي البراق الشريف الموجود في الجدار الغربي من المسجد الأقصي, وضريح نبي الله داود عليه السلام وبجانبه مسجد للمسلمين احتله اليهود عام1948.. ومقام النبي موسي عليه السلام وعليه مسجد بناه الظاهر بيبرس في الطريق الي أريحا ومسجد النبي صموئيل وفيه ضريحه في الطريق الي رام الله ولكل منهما أوقاف مخصصة للصرف عليهما.. وفي القدس أيضا مقابر لبعض الصحابة والأولياء والعارفين وبعض الزوايا التي يقصدها الحجاج والوافدون المسلمون من خارج بيت المقدس مثل النقشبندية والهندية والفخرية والمولوية وغيرها, وبراهين عديدة علي الوجود والهوية والطابع الإسلامي للقدس كما يوجد عدد من الأماكن الإسلامية الأخري داخل الوطن الفلسطيني ومنها مسجد وضريح يونس عليه السلام في حلحول, ومسجد الخليل إبراهيم ويحتوي الحرم الإبراهيمي علي مغارة كفيلا وفيها مدافن أبي الأنبياء إبراهيم وذريته من بعده وزوجته سارة, والسور العجيب والمسجد الكبير وبداخله أضرحة الأنبياء الرمزية وبينهم إسحاق وزوجته رفقه ويعقوب وزوجته لائقة وعلي مقربه منهما مقام سيدنا يوسف عليه السلام, ومن الأماكن المسيحية المقدسة كنائس القيامة بالقدس والمهد في بيت لحم والسيدة العذراء وفيها قبر السيدة مريم ويوسف النجار. وتمارس إسرائيل سلسلة انتهاكات تجاه أماكن العبادة علي المقدسات المسيحية. كما تضمن الجزء الثاني من الكتاب موقع القدس في المنظور الإسلامي وفي عصر السلام والتعايش ومظاهر الحضارة الإسلامية علي أرضها, والواجب المقدس علي العرب والمسلمين وإقامة إسرائيل كدولة دينية ومخطط تهويد القدس واعتبار تحريرها فريضة غائبة والمعوقات التي تعترض طريق التحرير وسبل الإنقاذ للمدينة المقدسة كما تضمن الممارسات الاسرائيلية غير المشروعة وكذلك عدم شرعية الوطن البديل والذي يعني طرد ابناء فلسطينوالقدس من أراضيهم. وفي الجزء الثالث من الكتاب استعرض الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر جوانب البعد الديني في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والتي تتمثل في الدلالات التي يستشهد بها اليهود علي أحقيتهم في هذه الأرض وحدودها والسبيل لامتلاكها وعوامل البقاء فيها وأسباب الخروج منها ثم العودة إليها, ومنهج التعامل مع السكان المقيمين فيها والحركات اليهودية الحديثة ومدي ارتباطها بالنص التوراتي والأصولية الغربية وأثرها في قيام الكيان اليهودي وسبب ذلك والخطر الكامن في عقيدة هؤلاء, وما يستخدمونه في شريعتهم للاستيلاء علي الأرض.