بالتزامن مع الذكري السنوية السبعين لقيام إسرائيل.. تعتزم الولاياتالمتحدة فتح سفارة جديدة بمدينة القدس في مايو المقبل.. خطوة وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها "تاريخية"، وتأتي في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب في السادس من ديسمبر الماضي الاعتراف بالمدينة المقدسة كعاصمة لإسرائيل. وجاء إعلان ترامب، آنذاك، مخالفاً لسياسة اتبعتها الولاياتالمتحدة لعشرات السنين، وأسعد حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأثار غضباً فلسطينيا وعربياً علي نطاق واسع، بل إن الإعلان أثار انتقادات أكثر من حليف للولايات المتحدة. الإطار الزمني المقترح الجديد أسرع مما توقع كثيرون، ففي يناير قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أمام الكنيست الإسرائيلي إن ذلك سيحدث بحلول نهاية العام المقبل. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت أن السفير الأمريكي وعددا صغيرا من العاملين سيشرعون في تشغيل "سفارة مؤقتة" من داخل مبني يضم في الوقت الراهن الشؤون القنصلية بحي أرونا في القدس. وقالت إن عملية البحث بدأت بالفعل عن موقع دائم للسفارة بدلا من الموقع الحالي في تل أبيب. الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، استنكر الإعلان الأمريكي بأشد العبارات، لا سيما أن نقل السفارة سوف يأتي تزامناً مع ذكري النكبة الفلسطينية في 1948. وأكد الوزير المفوض محمود عفيفي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام في بيان رسمي، أن أبو الغيط يعتبر أن "قرار الإدارة الأمريكية يمثل حلقة جديدة وخطيرة في مسلسل الاستفزاز والقرارات الخاطئة المستمر منذ ديسمبر الماضي، والذي يوشك أن يقضي علي آخر أمل في سلام وتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، مضيفاً أن القرار الأمريكي بنقل السفارة في ذات تاريخ النكبة يكشف عن انحياز كامل للطرف الإسرائيلي وغياب أي قراءة رشيدة لطبيعة وتاريخ الصراع القائم في المنطقة منذ ما يزيد علي سبعين عاماً، الأمر الذي يفقد الطرف الأمريكي فعلياً الأهلية المطلوبة لرعاية عملية سلمية تفضي إلي حل عادل ودائم للنزاع. وشدّد المتحدث الرسمي، علي أن نقل السفارة الأمريكية إلي القدس ليس له أي أثر قانوني أو انعكاس علي وضعية المدينة كأرض محتلة، مؤكداً أن الغالبية الكاسحة من دول العالم رفضت القرار الأمريكي في سابقة نادرة تعكس الإجماع الدولي علي خطورة استباق قضايا الحل النهائي، أو إخراج ملف القدس من العملية التفاوضية كما يتوهم بعض أركان الإدارة الأمريكية. لماذا الاعتراف؟ يمارس ساسة مؤيدون لإسرائيل في واشنطن ضغوطا منذ فترة طويلة لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس، وقد قطع ترامب وعدا علي نفسه خلال حملة الدعاية لانتخابات 2016 بأن يحقق ذلك. ومن المعتقد أن بنس وديفيد فريدمان السفير الأمريكي الذي عيّنه ترامب لدي إسرائيل مارسا ضغوطا شديدة من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة. وكان لهذا القرار شعبية بين كثيرين من المحافظين والمسيحيين الإنجيليين الذين منحوا أصواتهم في الانتخابات لترامب وبنس. ويؤيد كثيرون منهم الاعتراف السياسي بأحقية إسرائيل في المدينة. دين وسياسة وتاريخ القدس مدينة مقدسة في اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكل ديانة مواقع ذات أهمية كبري فيها. وقد حارب سكانها من أجلها منذ آلاف السنين وحاربت في سبيلها قوي إقليمية وقوي غازية من بينها المصريون والبابليون والرومان والمسلمون الأوائل والصليبيون والعثمانيون والإمبراطورية البريطانية وفي العصر الحديث إسرائيل وجيرانها العرب. وتعتبر الحكومة الإسرائيلية أن القدس عاصمتها الأبدية الموحدة رغم أن ذلك لا يلقي اعترافا علي المستوي الدولي. ولا تقل مشاعر الفلسطينيين تجاه القدس عن مشاعر الإسرائيليين، ويقول الفلسطينيون إن القدسالشرقية يجب أن تكون عاصمة لدولتهم المستقبلية. بل إن للمدينة اسمين. فاليهود يسمونها جيروزاليم أو أورشليم أما بالنسبة للعرب فهي القدس. غير أن أهمية المدينة أبعد من ذلك. ففي قلب القدس القديمة يوجد تل يسميه اليهود في كل أنحاء العالم جبل الهيكل، أما بالنسبة للمسلمين علي مستوي العالم فهو الحرم الشريف. ويقول اليهود إنه موقع معابد يهودية قديمة غير أن كل ما بقي منها علي سطح الأرض جدار يُعرف باسم الحائط الغربي وهو مكان مقدس يؤدي عنده اليهود الصلاة. وعلي بعد أمتار يشرف علي الحائط قبة الصخرة والمسجد الأقصي الذي بُني في القرن الثامن. ويعتبر المسلمون هذا الموقع ثالث الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي. كذلك فإن المدينة موقع مهم إذ يؤمها الحجاج المسيحيون الذين يقدسونها باعتبارها المكان الذي يعتقدون أن المسيح عيسي دعا الناس فيه للإيمان بديانته. المسجد الحي الإسلامي هو أكبر الأحياء الأربعة ويضم قبة الصخرة والمسجد الأقصي في منطقة يعرفها المسلمون باسم الحرم القدسي الشريف. ويعدُّ المسجد الأقصي هو ثالث أكثر الأماكن قدسية في الإسلام ويديره الوقف الإسلامي. وفي الإسلام أسري الله بالنبي محمد من مكة حيث المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي في القدس، ثم عُرج به من موقع قبة الصخرة إلي السماء. ويزور المسلمون هذا الموقع المقدس طوال العام، وخلال شهر رمضان يصلي مئات الآلاف من المسلمين في المسجد الأقصي. الكنيسة في داخل الحي المسيحي توجد كنيسة القيامة التي تتمتع بأهمية خاصة لدي المسيحيين في كل أنحاء العالم، فهي تقع في المكان الذي شهد موت السيد المسيح وصلبه وبعثه. فوفقا للتقاليد المسيحية فإن المسيح صُلب في "جولجوثا"، وقبره في الكنيسة وهي أيضا الموقع التي بُعث منه. ويدير هذه الكنيسة ممثلون عن مختلف الكنائس فهناك بطريركية اليونان الأرثوذكس، والفرانسيسكان من كنيسة الرومان الكاثوليك والبطريركية الأرمنية، فضلا عن الأقباط، والأثيوبيين، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية. وهي من مقاصد الحج الرئيسية للملايين من المسيحيين في أنحاء العالم الذين يزورون قبر المسيح، ويسعون لطلب العزاء والفداء من خلال الصلاة في الموقع. حائط المبكي وفي الحي اليهودي يوجد الحائط الغربي أو حائط المبكي الذي يعتقد اليهود أنه ما تبقي من هيكل النبي الملك سليمان. ويعتقد اليهود أنه يوجد داخل هيكل سليمان قدس الأقداس، وهو أكثر المواقع قداسة لدي اليهود. كما يعتقد اليهود أنه بقدس الأقداس حجر الأساس الذي خلق منه العالم، فضلا عن أنه الموقع الذي كان سيضحي فيه النبي إبراهيم بابنه إسحق كما يعتقدون. ويعتقد الكثير من اليهود أن قبة الصخرة هي موقع قدس الأقداس.. واليوم فإن حائط المبكي هو أقرب الأماكن التي يصلي عندها اليهود قربا لقدس الأقداس. ويدير حاخام الحائط الغربي أو حائط المبكي الذي يزوره الملايين كل عام إلي جانب ملايين اليهود الذين يأتون من مختلف أصقاع الكون للصلاة. التاريخ الحديث في عام 1947 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تقسيم فلسطين التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني إلي دولتين إحداهما عربية والأخري لليهود. لكنها اعترفت بأن للقدس وضعا خاصا واقترحت وضعها تحت إدارة دولية مع بيت لحم القريبة منها باعتبارهما كيانا منفصلا تديره الأممالمتحدة. ولكن ذلك لم يتحقق بأي شكل من الأشكال. وعندما انتهي الانتداب البريطاني في العام 1948 سيطرت القوات الأردنية علي المدينة القديمة والقدسالشرقية العربية. واستولت إسرائيل علي القدسالشرقية من الأردن في حرب عام 1967 وضمتها إليها في خطوة لا تحظي بالاعتراف علي المستوي الدولي. وفي عام 1980 أقر الكنيست الإسرائيلي قانونا أعلن أن مدينة القدس "الكاملة والموحدة" عاصمة لإسرائيل. غير أن الأممالمتحدة تعتبر القدسالشرقية أرضا محتلة وأن وضع المدينة موضع نزاع لحين تسويته من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وللعاهل الأردني دور في إدارة شؤون الأماكن الإسلامية المقدسة. دول أخري كان لدول أخري سفارات في القدس في الماضي لكنها نقلت من المدينة قبل سنوات. وفي ديسمبر 2017 قال رئيس جواتيمالا جيمي موراليس إن بلاده ستنقل سفارتها من تل أبيب. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن عدة دول تدرس الاقتداء بالخطوة الأمريكية لكنه امتنع عن ذكرها بالاسم. وفي ديسمبر الماضي أيضا صوتت 128 دولة بالموافقة علي قرار غير ملزم من الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب الولاياتالمتحدة بالتخلي عن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. واعترضت تسع دول علي القرار بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت ولم تشارك 21 دولة في التصويت. عنف ومواجهات منذ إعلان ترامب تصاعدت حدة التوتر وشهدت القدس وغزة والضفة الغربية احتجاجات فلسطينية. ورغم أن الاشتباكات بين المحتجين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية لم تكن علي مستوي الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولي (1987-1993) والثانية (2000-2005) فقد سبق أن تطور الأمر إلي عنف بسبب مسائل تتعلق بالسيادة والدين. ففي عام 2000 قاد السياسي الإسرائيلي أرييل شارون وكان حينذاك زعيما للمعارضة مجموعة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي واقتحم مجمع الحرم الشريف. واحتج الفلسطينيون ووقعت اشتباكات عنيفة سرعان ما تطورت لتتحول إلي الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عُرفت أيضا باسم انتفاضة الأقصي. كما وقعت مواجهات دامية في يوليو من العام الماضي بعد أن نصبت إسرائيل بوابات إلكترونية للكشف عن المعادن عند مدخل الحرم في أعقاب مقتل جنديين إسرائيليين علي أيدي مسلحين من عرب إسرائيل. وحذر القادة العرب في أنحاء الشرق الأوسط من أن الخطوة الأمريكية المنفردة قد تؤدي إلي اضطرابات وتعرقل المساعي الأمريكية لاستئناف محادثات السلام المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.