قيمة أى فنان لا يمكن أن نحصرها فقط فى موهبته، ذلك لأن المولى عز وجل وهب جميع خلقه مواهب.. وفى رحلة الحياة يستطيع أى إنسان إذا اكتشف هبة المولى عز وجل له فإنه سيحقق بالتأكيد طفرة على أعلى مستوى وأرقى جودة.. ولكن إذا مضى العمر يا ولدى دون أن تكتشف الموهبة التى تسكنك فسوف تعيش وتموت وكأنك كالمنبت لا أرض قطعت ولا ظهر أبقيت.. أما إذا حدث الاكتشاف وصادف ذلك عقلًا منيرًا يستطيع إدارة المواهب باقتدار تمامًا كما هو المثل النموذجى الأرفع لفنان مصر والعرب الأكبر عادل إمام فإن المسافات والارتفاعات سوف تكون بحجم المسافة بين السماء والأرض وببُعد المسافة بين المغرب وسيبيريا.. أقول قولى هذا وأنا أراقب العديد من أهل الفن على هذا الأساس ولكن الأحداث الأخيرة جعلتنى أعيد تقييم البعض خصوصًا أن الفنان ليس فقط ما يقدمه من أعمال ولكن الأخطر هو الموقف الذى يختاره الفنان فى الأيام العصيبة التى تمر بها الأوطان. وهنا ينبغى أن أستعير مقولة الولد الشقى السعدنى الكبير -طيب الله ثراه- عندما خاطب أحد المفسدين فى الأرض وكان مسئولًا خطيرًا فى عهد الرئيس أنور السادات وقال له البشر نوعان.. نوع عندما تراه تنحنى وتخلع القبعة ونوع آخر عندما تراه تنحنى وتخلع الحذاء ولعلم سعادتك أنا لا أرتدى قبعة. ومن أصحاب المواقف التى أنحنى لها احترامًا أخص تلك البنت المتلونة كأنها حرباء تغيِّر جلدها ولونها حسب تغيير البيئة والأجواء لتتلاءم معها وتتلاءم عليها وتثبت أن البقاء والنماء والارتقاء فى سلم النجاح هو لعبتها المفضلة التى خلقت من أجلها ولا شيء سواها.. إنها نجلاء بدر، التى لفت انتباهى لها بشدة الجميلة الودودة الطيبة غير القابلة للتكرار نادية لطفى. فهذه البنت إذا ما أقدمت على أى عمل فنى فإنك من الوهلة الأولى.. ستكتشف أنها أحسنت الاختيار وهى تلعب الشخصية فإذا بها لا تتقيد بالأوراق والتعليمات للكاتب ومايسترو العمل فقط، لكن سنجد نجلاء تضفى للشخصية روحًا وشكلًا يزيدها بهاءً، وتقدم أداءً يرتفع بالمقام والأداء الدرامى إلى العلالى.. فإذا شاهدت نجلاء فى شخصية ما.. تستطيع أن تقسم بأغلظ حلفان.. إنك شاهدتها خلال رحلة الحياة لحمًا ودمًا.. وأتصور أنها تصنع الشيء نفسه الذى صنعه الكبار فى عالم الفنون والجنون.. فهى لا تمر على الشخوص الذين تلتقيهم فى رحلة الحياة مرور الكرام.. لا،إنها.. تراقب السلوك.. والشكل واللغة الخاصة بكل شخصية وتقوم كما جهاز الكمبيوتر بتخزين تلك المعلومات فى الذاكرة.. فإذا اقتربت شخصية على الورق من شخصية حقيقية فإنها سرعان ما تستدعيها هى ومن شابهها فتضفى عليها ما يثرى الشخصية ويجعلها جاذبة متألقة مثيرة صاحبة هالة طاغية..لقد أحببت نجلاء بدر الممثلة واحترمت عقلها وذلك لأنها تحترمنا نحن معشر المشاهدين ولكن.. ارتفع مقام هذه البنت العبقرية الأداء فى نظرى.. عندما وجدت لها موقفًا من الأحداث المؤلمة التى مرت بشعبنا العربى الفلسطينى فى قطاع غزة.. وتابعت كلماتها التى لا يمكن إلا أن يكون القلب والضمير هما مصدرها وأنا أزداد لها احترامًا وتقديرًا.. ذلك لأن الفنان إذا انفصل عن قضايا أمته ووطنه فإنه يصبح مجرد مشخصاتى.. ولكن إذا كان له موقف ورأى أصبح منارة يهتدى بها الملايين من عشاق فنه على خريطة الأمة بأكملها.. ويتحول إلى أحد حملة مشاعل الضياء فى وطننا العربى الكبير.. وهكذا يا نجلاء كنت اسمًا على مسمى يا جميلة الصفات والبسمات والقسمات والمواقف كنت نجلاء العينين والقوام والمقام أيضًا، ولم تكن نجلاء فى ساحة الفن صاحبة الموقف الرائع وحدها.. بل كان هناك ولد يشيع بهجة بمجرد ظهوره.. له هالة الممثل الكوميدى الذى نال إجماع الناس واستحسانهم فنجد الفرحة مرسومة على قسمات الوجه بمجرد أن يظهر دون أن يتكلم إنه محمد سلام.. والغريب أن هذا الفنان الرائع.. أحيانًا أجده فى أعمال دون المستوى ولكن الغريب فى الأمر أنه يصبح محل الاهتمام الأوحد وعنصر الجذب الذى لا مثيل له فإذا هبط مستوى العمل الفنى فإن أسهم محمد سلام تظل فى منحنى بيانى متصاعد لأنه يتمثل حال وطبيعة عمنا الراحل الكبير حسن حسنى رحمة الله عليه.. وأنا لست فى حاجة لكى أذكِّر حضراتكم بأن هذا الفتى يملك ضميرًا ونخوة وشهامة جعلته يرفض كل المغريات لأن الفنان الحقيقى لا يمكن أن ينفصل عن شعوره الوطنى وأن يعيش فى وادٍ.. وأمته تنزف دمًا وجراحًا وتقدم ضحايا بالآلاف يا محمد.. يا سلام أنت تستحق بالفعل تعظيم سلام كونك فنانًا ارتفعت بمقامك الفنى إلى مستوى راقٍ وكنت منافسًا خطيرًا للنجم أحمد مكى طيلة حلقات «الكبير» وهى بالمناسبة اسم على مسمى فقد جمعت كبار النفوس والعقول والمواقف المنيرة التى ترفع الرأس.. صحيح.. إذا كانت النفوس كبارًا.. تعبت فى مرادها الأجسام وأضم إلى هذه النماذج الرائعة صديق العمر خالد سرحان ولا أخشى أن تكون شهادتى مجروحة ذلك لأن موقفه علنى وعلى جميع وسائل التواصل: وهو أمر غير مستغرب على خالد الذى نشأ فى أسرة كان عمودهما أستاذتى الكبيرة الصحفية والكاتبة والأديبة نهاد جاد وعمنا سمير سرحان أحد المثقفين الكبار فى عالمنا العربى.. وأخيرًا.. سوف أختار النبيلة داليا البحيرى.. وأقول إن (السفارة فى العمارة) كان شهادة الميلاد الفنية وأنت فى ذلك الدور الخالد.. رسمت صورة لابنة مناضل مصرى عظيم لن يجود الزمان له بمثيل عمنا عبدالرحمن الخميسى الفنان المتعدد المواهب والذى من محاسن إنتاجه هؤلاء الأبناء الذين ينشرون البهجة فى ربوع الحياة الثقافية.. ودورك فى هذا العمل جسد روحًا ودمًا ولحمًا ابنة عمنا الخميسى.. عزة التى عانت العمر بأكمله تؤمن وتجاهد من أجل أسمى المعانى الإنسانية ومنها قضية الحرية.. سيدتى الجميلة داليا البحيرى أنت وكل من ذكرتهم والذين لهم مواقف مشابهة ولم تتسع المساحة لذكرهم.. أنحني لكم تقديًرا واحترامًا. 2941 2942 2943 2944