كلمات عمى عبدالرحمن الخميسى لا تفارق أذنى على الإطلاق فقد كان يبدى آراءه فى الناس والأفكار والأحداث بطريقة تجعلك تحفظ كلامه عن ظهر قلب وفى طفولتنا المبكرة كنا نشاهد فيلما وسط صحبة من النوادر كان الواحد منهم لو ظهر بمفرده فى عصر ما لأشاع البهجة والضياء فيه ومنهم عباس الأسوانى وزكريا الحجاوى وعبدالرحمن الخميسى ونعمان عاشور وأحمد طوغان، وقد ظهرت بنت جديدة اسمها نجلاء فتحى وعلى الرغم من صغر سنى فى تلك الأيام إلا أننى شاركت الجميع ومنهم الولد الشقى السعدنى الكبير الاندهاش بجمال البنت وبحضورها الطاغى، كانت هناك هالة من شعاع تصحب نجلاء فتحى. ولكن عمى عبدالرحم الخميسى الذى اشتهر وسط الأصدقاء بلقب القديس - مال على العم عباس الأسوانى وهو يقول: الشكل نجلاء.. والصوت فتحى.. فخرجت أصوات امتزجت بضحكات مجلجلة،وقال العم نعمان عاشور.. آه الخميسى اخترع سعاد حسنى وح يقضى على البنت الغلبانة دى، وبالفعل انتشرت مقولة الخميسى فى الوسط الفنى كما تنتشر النار فى الهشيم.. ولكن نجلاء فتحى بصوتها المبحوح هذا كان له أثر عجيب على شخصى الضعيف وعلى أسماع عشاق فنها بعد ذلك فقد كانت «البحة» التى فى صوتها هى المفتاح الذى جعل أبواب القلوب تتفتح على مصراعيها لكى تجلس وتتربع نجلاء فتحى على عرش السينما لفترة طويلة من الزمن ومن سوء حظى أن هذه النجمة الكبيرة لم تدخل دائرة صداقاتى على الإطلاق وقد التقيتها مرات تعد على أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك أحسست أنها ليست قريبة منى ولكنها قريبة لى فهى قادرة على أن تطوى كل المسافات وأن تكسر الحواجز وتضفى كمًا من الألفة والمشاعر الودودة بمجرد أن تأنس لمن حولها ويكفى أن تقرب من نجلاء فتحى لتشهد بنفسك كم الحضور غير المسبوق الذى صرفه المولى عز وجل لهذه الفنانة الكبيرة القامة لا أستطيع على الإطلاق أن أنسى دورها فى فيلم «حب لا يرى الشمس» مع المارد الفنى العملاق محمود عبدالعزيز، وقد تنوعت نجلاء فى أعمالها وتلونت وقدمت مع فتى الشاشة صاحب الملامح الشديدة المصرية والصوت الذى لم يتوافر لأحد من «جانات» السينما المصرية الكبير محمود يس حيث اجتمعا معا فى واحد من أجمل ما قدمت السينما المصرية وهو فيلم «الشريدة» الذى تألقت فيه نجلاء فتحى وبلغت القامة وارتفعت بالأداء إلى مستوى غير مسبوق بصحبة نبيلة عبيد ومحمود يس، أتذكر أيضا فيلمها الرائع الذى اجتمعت فيه قوى عظمى فى مجال الأداء التمثيلى محمود عبدالعزيز وعادل أدهم وهو فيلم «أقوى من الأيام»، وعلى الرغم من أن هذه الأفلام كلها قد مضى على إنتاجها وعرضها عشرات السنوات إلا أنها مثل الأشياء التى تنفع الناس فتبقى فى الذاكرة وتؤثر فى الوجدان وتأخذك إلى عالم جميل وزمان تستعيده فتجد السعادة تملأ جنبات سعادتك.. ولا ينبغى أن أغفل الفيلم اليتيم الذى جمع العم الغالى صلاح السعدنى مع الجميلة الحالمة الرائعة نجلاء «لعدم كفاية الأدلة». ويا سيدتى الجميلة كما حفرتِ داخل وجدانى وفى ذاكرتى وارتفعتِ بأمنياتى وسموتِ بذوقى اليوم أذكرك بالخير كله وأمنى النفس أن تعودى إلينا سالمة وأن تبرأى من المرض النادر الذى اختارك محلا لسكنه ربما لأنك من نفس الصنف النادر من البشر الذين يزينون المكان والزمان وقد كنت زينة لهذا العصر الفنى الذى شرف بك وبجيلك الذهبى من نجمات الشاشة الكبيرة،ولأنك نادرة صلبة عنيدة فإننى أراهن عليك وأنت فى صراع دام مع المرض، وأرجو أن تكون الغلبة لشخصك ولوجدك ولعطائك وأعلم أنك فى معركة الصمود توجهتِ إلى عمل خيرى عظيم لمكافحة هذا المرض الذى داهمك فإذا به يعيد اكتشاف مكانتك وسط محبى فنك، وبالتأكيد هناك دائما وجه إيجابى لكل الأشياء، وقد كان لهذا المرض الكثير من الإيجابيات أولها أنه أزال طبقة من الغبار غطت هذه المساحة العظيمة فى قلوبنا والتى سكنتِها وحدك.. يا سيدتى الجميلة صوتك تتردد فى أذنى بحته المحببة إلى النفس، صورتك وكنت وحدك فى تاريخ الشاشة الكبيرة صاحبة الملامح البريئة والضحكة الغامضة التى تخفى وراءها عصير الأحزان.. أنت وحدك كنت موناليزا الشرق بلا منافس.. وإلى المولى عز وجل أتوجه بالدعاء أن يزيل عنك أعباء المرض ويرفع عنك الألم ويعافيكِ ويشفيكِ ويدخل السكينة والطمأنينة إلى نفسك والسرور إلى قلبك.. كما أدخلتِ السرور والحبور لعشاق فنك على امتداد خريطة أمة العرب من محيطها إلى خليجها.∎