هل الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن السيارات الكهربائية؟    انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا    أول تعليق من الزمالك على تجاوزات مصطفى شلبي بعد الفوز    محمد عواد يكشف حقيقة رحيله إلى الدوري السعودي ويؤكد: "هذا سبب تراجع مستويا مع الزمالك"    إصابة 13 شخصا بحالة اختناق بعد استنشاق غاز الكلور في قنا    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    روجينا تنعي المخرج عصام الشماع    مجتمع رقمي شامل.. نواب الشعب يكشفون أهمية مركز الحوسبة السحابية    خالد الغندور يوجه انتقادات حادة ل محمد عبد المنعم ومصطفى شلبي (فيديو)    هيثم فاروق يوجه رسالة لحمزة المثلوثي بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية| تفاصيل    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    مطار الملك خالد يصدر بيانًا بشأن حادث انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي    إصابة 17 شخصا في حادث مروري بالمنيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    عيار 21 الآن يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 في الصاغة    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    رابطة العالم الإسلامي تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوتر في منطقة الفاشر شمال دارفور    «مسلم»: إسرائيل تسودها الصراعات الداخلية.. وهناك توافق فلسطيني لحل الأزمة    نتنياهو يعيش في رعب.. هل تصدر محكمة العدل الدولية مذكرة باعتقاله؟    أول رد رسمي من الزمالك على احتفال مصطفى شلبي المثير للجدل (فيديو)    مدحت شلبي يقدم اقتراحا لحل أزمة الشحات والشيبي    عامر حسين: إقامة قرعة كأس مصر الأسبوع القادم بنظامها المعتاد    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    شقيقة الفلسطيني باسم خندقجي ل«الوطن»: أخي تعرض للتعذيب بعد ترشحه لجائزة البوكر    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    قرار عاجل من الزمالك بشأن احتفال مصطفى شلبي    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين وتُحذر: ظاهرة جوية «خطيرة»    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    هل مشروبات الطاقة تزيد جلطات القلب والمخ؟ أستاذ مخ وأعصاب يجيب    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    4 مليارات جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة لعام 24/25    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    ندوة حول تطور أذواق المستهلكين بالمؤتمر الدولي للنشر بأبوظبي    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر موتنا من الخوف.. والسادات موتنا من الضحك


فى القناطر.. قابلت السعدنى
من منا لم يسمع فى الإذاعة مسلسل «الجدعان» بطولة الفنان خفيف الظل محمد رضا.. أو مسلسل «بنت مدارس» لتوفيق الدقن رحمه الله أو «الشيخ لعبوط» وهو أحد المسلسلات النادرة لتحفة عصره وكل العصور إسماعيل يس.. ومن منا - وأتكلم هنا عن أبناء جيلى - لم يستمع ويستمتع بمسلسل «الولد الشقى» الذى حكى فيه السعدنى ما جرى له وجرى عليه فى الحارة المصرية.. بالطبع كنت قارئا جيدا لمحمود السعدنى فى مجلة «صباح الخير» أيام عزها ومجدها فى الستينيات من القرن الماضى ولا أستطيع أن أحدد الأسباب التى دعتنى لرسم صورة للسعدنى فى مخيلتى.
وقد أصبح نزيلا فى سجن القناطر الخيرية وشعرت أن بينى وبينه صداقة ممتدة عبر الإذاعة وعلى صفحات المجلة ولكن أحسست أن هناك شيئا ما سوف يفسد قضية الود.. وتوقعته كاتبا يزهو بنفسه يتعالى على الناس ويتحدث من طرف مناخيره وأنه سوف يسلم علىّ من أطراف أصابعه وما أغرب خيالي وما أفسد ظنى بالسعدنى الإنسان بمجرد أن قابلته للمرة الأولى داخل أسوار السجن، وجدت أن جاذبية السعدنى على الورق محدودة بعدد الكلمات والصفحات التى يكتبها ولكن شخصيته فى الحقيقة جاذبيتها ممتدة سارحة تفيض وتشع بشكل ليس له مثيل، إنه ابن البلد بكل ما تحمل الكلمة من معنى، رجل معجون بتراب وطينة الأرض المصرية، وإن شئت الدقة أرض الجيزة ونيلها.. الجيزة التى عشقها السعدنى لدرجة أنه كان يظن أنها هى التى شهدت أصل الحياة.. وقد وهب الله السعدنى القدرة على الحكى.. فإذا حكى تشعر أن صائغاً يصنع درا فيخرج الكلام والحكى والقصص ليحقق بهجة ومتعة من النادر أن تجدهما فى هذا المكان الذى يجمعنا سويا وهو سجن القناطر الخيرية، وبالتالى تحول السعدنى لدى إدارة السجن والمساجين معا إلى فاكهة، الكل يسعى إليه والجميع ينصت له بمجرد أن يبدأ الكلام، ويا سبحان الله يستحوذ السعدنى على عقول الجميع وينال الرضا السامى واكتسب حب الناس على اختلاف مستواهم الاجتماعى والثقافى واكتشفت أنه محب بل ذواقة لبنى البشر فهو يعشق مخلوقات الله ويشده الإنسان السليط الذكاء والعظيم الجهل فى آن واحد.. ويتجنب السعدنى هذا الصنف الذى هو بين بين.. وهو صاحب قدرة جبارة على أن يستخرج من صنف البشر أشياء فيهم هم أنفسهم لم يكتشفوها ولم يكن لهم أن يبلغوها لولا أن السعدنى التقاهم.. والحق أقول إننى فى اللحظة التى وقع فيها بصرى على السعدنى.. لم أستطع أن أمنع شعورا داخلنى بالضحك.. فضحكت بشدة.. لدرجة لفتت انتباه الجميع فنظر السعدنى يمينا ويسارا وقال: الله هو أنا شكلى هنا بقى مضحك للدرجة دى؟! فقلت بالعكس يا عم محمود أنا مش باضحك على شكلك والله أنا مر برأسى شريط الذكريات وأيضا كتاباتك اللاذعة، المفارقة العجيبة أن كاتبا مثل محمود السعدنى كيف له أن يدخل السجن متهما بقضية قلب نظام حكم الرئيس السادات؟!
ومع مين؟ وزير الحربية محمد فوزي ووزير الداخلية شعراوى جمعة.. هنا أخرج السعدنى من جيبه سيجارة كليوباترا وأشعلها وسحب أنفاسا متلاحقة وأطلقها فى الهواء فصنعت دوائر ظل يرمقها بنظره.. ثم قال: أنا ياعمنا دخلت السجن فى حياتى 3 مرات.. فى المرة الأولى.. كنت ضد الحكومة.. وفى المرة الثانية.. كنت كده زى طنجة.. لا مع الحكومة ولا ضد الحكومة يعنى على الحياد.. واتسجنت سنتين فى المعتقلات بعيد عنك.. لما خرجت.. صاحبت ناس فى الحكومة وبقيت مع الحكومة.. برده دخلت السجن.. ومعايا الحكومة كلها بعون الله جوه السجن دلوقتى.. يعنى.. السجن بالنسبة للعبد لله بقى زى الموت كده.. يدرككم أينما تكونوا!!
ومع الأيام اكتشفت أن أعتى أسلحة السعدنى هى سخريته ولسانه وخفة ظله منقطعة النظير.. وصارحنى أن الرئيس السادات كان هو الرئيس الوحيد الذى صادقه منذ زمان بعيد فقد كان السادات أحد تلاميذ زكريا الحجاوى الفنان الشعبى الكبير، ويروى السعدنى أنه ذات يوم كان عند زكريا وبصحبته صديق عمره الفنان أحمد طوغان وجاء شاب أسمر نحيل القامة شارد الذهن على الدوام نظر إليه السعدنى طويلا لكى يجرجره فى السلام ثم الكلام ولكن الرجل كان فى واد آخر فنظر السعدنى إلى زكريا وطوغان.. وقال: الجدع ده مخبر!! وهنا رفع يده وهوى بها إلى الأرض وكأنه يقسم بأغلظ الأيمان، وقال يا ابنى الجدع ده بكره حيبقي ملك مصر ويا سبحان الله تحققت نبوءة طوغان بعد ذلك بأكثر من عشرين عاما.. ولم يكن هذا الجدع الذى ظنه السعدنى مخبرا سوى الرئيس أنور السادات الذى هرب ولجأ إلى الحجاوى فى أوقات الشدة.. ويروى السعدنى كيف أن الحياة جعلته لصيق الصلة بأنور السادات عندما عملا معا فى جريدة الثورة «الجمهورية» يوم كان القائم مقام أنور السادات رئيسا للتحرير والسعدنى مسئولا عن الشئون العربية وكانت العلاقة على خير ما يرام حتى وقع حادث فرق بين الصديقين وأحال رئيس التحرير.. السادات.. الصحفى المسئول عن الشئون العربية وهو السعدنى إلى تحقيق فورى.. وأصل الحكاية كما رواها السعدنى أنه كتب مقالا عن فريد الأطرش وكان السعدنى من عشاق فن وصوت عبدالحليم حافظ.. وكان يقول عن هذا الصوت أنه صوت أشبه بالصوت الصادر عن كمنجة فلم يتوفر لبشر صوت كما صوت عبدالحليم - فى رأى السعدنى - المهم أن فريد «الأطرش» نال من سخرية السعدنى ما نال، لدرجة أن القبيلة التى ينتمى إليها فريد الأطرش فى لبنان استنكرت السخرية من أحد أبنائها وهى السخرية التى من شأنها الحط من قدر قبيلة الأطرش وكل الدروز فى لبنان.. وهكذا وجد السعدنى نفسه متهما بالإساءة إلى حلفاء مصر خارج الحدود.. ووقف السعدنى أمام السادات ليسأله الأخير.. إيه إللى أنت كاتبه ده يا وله؟!
ويروى السعدنى.. مش عارف يا أفندم سيادتك تقصد أى مقال.. فغضب السادات.. وضرب على مكتبه.. وقال أنت بتشتم فريد الأطرش.. أنت صحفى ولا عربجى ياوله؟!.. ويكتم السعدنى ضحكة كادت تنفجر داخله ويعود السادات والغيظ يكاد يقتله.. أنت مش ناوى ترد ياوله؟.. ويجيب السعدنى: أنا هاجمت مطرب يا أفندم مش قبيلة ولادولة.. فيرد السادات: ما هى دى المصيبة.. أنك شتمت مطرب اسمه الأطرش واتكيت على «الأطرش» دى وهزأت الراجل والدروز مستاءون من اللى أنت عملته.. ويضيف السادات.. أنت مرفوت ياوله.. ويمضى السعدنى خارجا من مكتب السادات.. فإذا بالرجل الذى رافقه رحلة الحياة كلها فوزى عبدالحافظ يجرى خلف السعدنى ويقول له: سيادة القائم مقام عاوزك فيرد السعدنى.. ليه هو فى حاجة تانية أكبر من الرفت ويهدىء فوزى من خاطر السعدنى ويصحبه إلى السادات فيقول له: أنت موقوف ياوله!!
فيرد السعدنى: موقوف ولا مرفوت يا أفندم فيزداد غضب السادات.. أنت عاوز تغيظنى ياوله ما كفاية الكارثة اللى أنت عملتها لى..
أنت موقوف ياوله!!
ويغادر السعدنى المكان ليمضى وقتا طويلا لايكتب حرفا ولا يتولى أى مهمة داخل الجريدة التى كانت لسان حال ثورة 23 يوليو.. حتى جاء يوم وطلب فيه السادات من كامل الشناوى إحداث تغيير فى الشكل والمضمون للنهوض بالجريدة.. يومها قال كامل الشناوى للسادات: والله أنا كنت أتمنى سيادتك تعرض علىّ التطوير قبل كده بفترة وهنا اندهش السادات وقال لكامل الشناوى: وإيه المانع إننا نعمل التطوير دلوقتى!! فرد كامل الشناوى أصل كان فيه ولد من تلامذتى موهوب جدا وكنت أتمنى أعتمد عليه فى حكاية التطوير دى.
فقال السادات: هاته.. وهات أى حد أنت عاوزه.. فهز كامل الشناوى رأسه وقال: ماينفعش.. فسأل السادات.. ليه.. فقال أصله مات.. فقال السادات: هو كان اسمه إيه؟ فقال كامل الشناوى.. كان اسمه محمود السعدنى!!
فضحك السادات ضحكته الصافية المجلجلة.. وقال لا.. الوله ده موجود.. ابعت هاته.. بس لازم تقرأ كل حرف بيكتبه.. وهكذا يقول السعدنى.. عدت مرة أخرى لكى أتنفس.. فأنا خلقت لكى أمارس هذه المهنة ولا شىء سواها على الإطلاق!!
وعندما استمعت من السعدنى إلى قصص وحكايات بينه وبين السادات أدركت أن تواجده داخل الأسوار لم يكن على الإطلاق بسبب هذه القضية التى سميت ب«مراكز القوى» فقد كان السعدنى يقول: أنا أسلحتي القلم والورق وكيف يمكن لهذه الأسلحة أن تصنع انقلابا؟! فأجبت السعدنى قائلا: يا عم محمود.. إحنا لنا أصدقاء فى أماكن تانية.. قالوا إنك استخدمت سلاحا أشد فتكا من النووى.. فضحك السعدنى وقال: تعرف مرة رحت السودان وكانت فيه مشكلة أيامها عمك هيكل وهو أعظم صحفى أنجبته أمة محمد وعمك موسى صبرى كتبوا كلام زعل السودانيين منهم.. وأهل السودان من أثقف العرب وأكثرهم تعلقا بما نكتبه هنا فى مصر.. ذهبت إلى هناك واستقبلونى استقبالا حافلا.. وقالو لى هل يرضيك ما كتبه هيكل وموسى صبرى.. فقلت علىّ الطلاق هذا الكلام لايرضى أحدا.. لا فى مصر ولا فى السودان وعلشان ماتزعلوش.. أنا باقولكم.. هيكل وموسى صبرى الاثنين ولاد «ق».. وخرجت بعض الصحف السودانية فى اليوم التالى بعناوين فى الصفحات الأولى.. السعدنى يقول: هيكل وموسى صبرى أولاد «ق»، وصحبنى صديق سودانى قديم وكان مسئولا وقتها إلى بلدته وأشار إلى أحد البيوت المصنوعة من أدوات بدائية وقال: هذا بيت أمى ودخلنا البيت وقال الرجل لأمه: يا أمى.. أنا صحبت معى اليوم ضيفا من مصر هو صاحب أقبح لسان فى أمة العرب.. فقالت الست الوالدة: يبقى هادا.. هو محمود السعدنى يا ولدى!!
واندهشت وأنا أستمع إلى عم محمود عن رأيه فى الأستاذ هيكل وكنا جميعا نعلم أن الأستاذ هيكل قد اتخذ صف الرئيس السادات فى مواجهة رجال عبدالناصر فى الحكم.. وسألت: هو الأستاذ هيكل شايل الحكاية دى من ساعتها؟!
أجاب السعدنى: عمك هيكل ده.. صانع الملوك.. هو لايستطيع أن يعيش بعيدا عن الملك وهو مفيد جدا لأى ملك.. صحيح أنه كان قريبا جدا لعبدالناصر، وناصر يختلف اختلافا عظيما عن السادات ومع ذلك هيكل كان هو المهندس الحقيقى لما جرى فى 15 مايو.
وهل تدخل هيكل ضدك فى هذه القضية؟ هكذا وجدت نفسى أسأل السعدنى.. فإذا به يقول: «عمك هيكل كان متصور إنه فى حال نجاح رجال عبدالناصر فى خلع السادات فإننى كنت سأتولى رئاسة تحرير الأهرام وهذا أمر غير حقيقى وتصور غير مضبوط، وبطريقته السعدنية يأخذنى العم محمود إلى قصة جديدة وحكاية غريبة.. فقد حدث أن تم استدعاء اثنين من العاملين فى مجلة «صباح الخير» ويروى السعدنى: هما عمك صلاح جاهين والعبدلله «السعدنى» والتقينا الأستاذ هيكل فى الأهرام وعرض علينا أن نتولى الإشراف على مجلة ساخرة يصدرها الأهرام على أن يكون اسم المجلة «أبوالهول» فنظرنا إلى بعضنا البعض صلاح جاهين وأنا وقلت: ده اسم ثقيل قوى يا عم هيكل مش ممكن يمشى فى السوق.. فقال هيكل: وهى «الأهرام» قبل ما تبقى الأهرام كان اسم ممكن حد يتوقع له كل النجاح ده؟! وحدثت ثورة فى روزاليوسف واتهم البعض الأهرام بالاستيلاء على أبناء المؤسسة لهدمها وانتهى الموضوع بأن عدنا صلاح جاهين وأنا إلى قواعدنا سالمين فى «صباح الخير».. وإن كان عمك صلاح قد انتقل بعد ذلك بعدة سنوات للأهرام.. فالأهرام ياعمنا لم تكن بالنسبة للعبدلله مطمعا أو مغنما.. أنا فى «صباح الخير» كنت ملك زمانى، من خلالها حققنا أنا وأبناء جيلى شهرة عظيمة جدا.. لقد كنا فى شهرة «أبوالهول والأهرام» كل رسامي الكاريكاتير العظام وكل الكتاب الكبار وأغلب الأدباء خرجوا من روزاليوسف وصباح الخير.. لكن عمك هيكل كان جواه إيمان حقيقى بأنى فى حال وصول جناح عبدالناصر للسلطة ح أستولى على الأهرام.
لكن للحق أقول - والكلام لايزال للسعدنى - إن المسألة كانت شخصية فقد استمع السادات بأم أذنيه إلى كل الكلام الذى كانت الأجهزة تقوم بتسجيله!!
هنا استوقفت السعدنى وسألته.. هو كان فيه حد بيسجلك؟ فضحك وقال: الناس اللى كانوا بيحكموا دول كان كل واحد لوحده، وكل جهاز بيسجل للتانى وكل واحد خايف من التانى.
وأضاف السعدنى: السادات سمع كل النكات اللى أطلقتها عليه وبعد أول خطاب له للأمة.. أنا كنت ح أموت على نفسى من الضحك.. ومرة بأكلم عمك فريد عبدالكريم وكان راجل من أعظم الرجال اللى اشتغلوا بالعمل العام فى مصر وقلت له: الله هو احنا موعودين فقال لى موعودين بإيه يا أبوحنفى.. قلت: واحد كان ح يموتنا من الخوف.. والتانى ح يموتنا من الضحك؟!
ولكن أشد ما أغضب السادات هو هذا الحديث الذى دار بين السعدنى وكان مسئولا عن التنظيم الطليعى السرى فى الجيزة وبين فريد عبدالكريم المسئول الأول عن تنظيم الاتحاد الاشتراكى العربى فى نفس المحافظة!!
حيث دار الحديث الآتى كما رواه السعدنى:
فريد: الراجل رايح مبنى الإذاعة والتليفزيون ح يلقى بيان مهم واضح إنه ح يغدر بينا يا محمود.
السعدنى: ومين قال الكلام ده؟
فريد: واضح.. وخصوصا إن مفيش أى مناسبة علشان يوجه خطاب للناس
السعدنى: وهو ح يلحق يروح الإذاعة؟
فريد: طبعا يروح وقت ما يحب.. إنت ناسى إنه الريس.
السعدنى: لا مش ح يحصل.
فريد: إزاى.. إنت عندك معلومات؟
السعدنى: على الطلاق.. أى عسكرى ح يشوفه رايح على هناك.. ح يعكمه من قفاه!!
وهنا ضحك فريد عبدالكريم من أعماقه ومعه السعدنى ولكن الذى ضحك أخيرا.. هو من ضحك كثيرا فقد صدقت نبوءة فريد عبدالكريم وذهب السادات بالفعل ليتوعد ويهدد بالفرم والمفرمة.. ولم تمض ساعات حتى كان الجميع برابطة المعلم فى أيدى أجهزة الأمن التى أشرف على قيادتها فى هذه الفترة رجل من رجال التنظيم السرى السياسى وهو التنظيم الطليعى فى الإسكندرية وهو السيد ممدوح سالم.. وبالمناسبة.. روى لى السعدنى أمرا لم يكن من السهل علىّ تصديقه فى ذلك الزمان عندما قال لى إن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة لم يكن لأحد منهم علم بشأن التنظيم الطليعى باستثناء عبدالحكيم عامر الذى لم يهتم بالأمر لكونه ليس تنظيما عسكريا.. أما أكثر ما أذهلنى فهو عدم علم السادات مطلقا بهذا التنظيم والذى نشأ - أى التنظيم - على أيدى خمسة رجال فى بداية الأمر.. هم الرئيس عبدالناصر والسيد شعراوى جمعة والسيد عباس رضوان والسيد على صبرى والسيد أحمد فؤاد والسيد سامى شرف ثم - وهنا العجب كل العجب - الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى حشد بعد وفاة ناصر كل ما يملك من قوة ليقصف بها أركان التنظيم الطليعى، حزب ناصر السرى، الذى كان هو نفسه أحد مؤسسيه كما روى لى العم محمود السعدنى!!∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.