يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. ظهرت النسوية الإسلامية فى بداية تسعينيات القرن العشرين فى جنوب أفريقيا، لمساندة الحركة الإسلامية المناهضة لنظام الفصل العنصرى، مع رغبة تيار النسوية الإسلامية فى الاحتفاظ بالمكتسبات النسوية دون الإخلال بحريتهن الدينية.
فى مجتمعاتنا العربية ينظر البعض إلى النسويات على أنهن غير سويات، وهى التهمة التى يلقيها عليهم أى شخص يختلف معهم فى وجهات النظر، ما تسبب فى لجوء بعضهن إلى نفى التهمة عن أنفسهن، ويخفين ذلك هرباً من الدخول فى جدل عقيم، وتدافع بعضهن عن نفسها بأنها ليست نسوية. وفى الإنجليزية «Feminism»، تعنى النسوية، أما «Feminist»، فتعنى الناشطات فى مجال حقوق المرأة، والأصل «Feminine»، بمعنى أنثوى، والنسوية حركة اجتماعية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وأن تتم معاملة النساء بعدالة مع الرجال. «فيمينزم»: وفى سنة 2019، صدر كتاب «فيمينزم.. الحركة النسوية مفهومها، أصولها النظرية وتياراتها الاجتماعية»، تأليف نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، عن المركز الإسلامى فى بيروت، وفى الكتاب دراسة لآراء مفكرى الغرب عن النساء، منذ العصور القديمة إلى عصر التنوير وما بعده تكشف عن وجود نظرة من الاحتقار للنساء. فالفيلسوف سقراط يرى أن وجود المرأة هو أكبر سبب لانحطاط البشرية، أما أرسطو فيرى أن المرأة ليست إلا رجلا ناقصا، وأن الطبيعة عندما عجزت عن خلق الرجل خلقت المرأة. وصل الأمر عام 1988م إلى إقامة مؤتمر ليناقش اعتبار المرأة إنسان، فقد نظر كثير من المفكرين الغربيين للمرأة كمرادف للنقص، لذا كانت النساء فى الغرب محل تحقير دائم، وانسحبت تلك الرؤية على الواقع فى ظلم اجتماعى وإنسانى تعرضت له النساء، لذا كانت الأصوات الأولى التى ظهرت فى النسوية تدعو إلى تعديل النظر للمرأة، وتحقيق المساواة. وفى عصر النهضة الأوروبية، أخذت بعض النساء تدافع عن حقوقهن ومساواتهن، فقد أدت الثورة الصناعة إلى تغيرات مجتمعية طالت المرأة، وتشكلت علاقة الرجل والمرأة على أساس اعتماد المرأة على الرجل وانصراف المرأة لشئون المنزل. فكان خروج المرأة للعمل اعتداء على خصوصية الرجل، وتباينت الأجور بين الرجال والنساء، فكانت المرأة تحصل على نصف أجر الرجل، لذا اعتبر بعض المؤرخين حرية المرأة أحد أعراض وآثار الثورة الصناعية. وقد تم نشر إعلان حقوق المرأة والمواطنة فى فرنسا عام 1791م، الذى يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل فى التعليم والعمل وأمام القانون، لكن الجمعية الوطنية الفرنسية رفضته بالإجماع، ويعتبر هذا البيان أول نصوص النسوية، وفى العام التالى كتبت البريطانية مارى وولستونكرافت، بحثاً بعنوان «دفاعاً عن حقوق المرأة»، الذى ردت فيه على قول جان جاك روسو: «وجدت المرأة للرجل، أى أنها خلقت لذلك لتقع فى حبه وتطيعه، إن ذلك اقتضاء الطبيعة، فوظائف النساء والرجال ليست واحدة، وهؤلاء الذين يتحدثون عن المساواة بين المرأة والرجل يتحدثون بكلام تافه». وسعت تلك النسوية إلى إيجاد عالم للنساء منفصل عن الرجل، ومن الكتب التى عبرت عن ذلك كتاب «جدلية الجنس»، الصادر عام 1970، للكاتبة فايرستون، والذى سعت فيه إلى تطوير رؤية مادية للتاريخ على أساس الجنس، معتبرة الحمل والولادة نوعا من الهمجية، ودعت إلى الانجاب الاصطناعى تحت شعار الطفل المعبأة فى زجاجات، لتحرير النساء من عائق الولادة. النسوية والأسرة: ولكن لماذا تعادى اتجاهات فى النسوية مؤسسة الأسرة؟، يرجع السبب إلى أن الأسرة هى المكان الذى تتجلى فيه مظاهر فصل الأدوار بين الرجل والمرأة، فالأسرة عند هؤلاء النسويات هى مكان عمل النساء، ومكان التكاثر والإنجاب والرعاية، ومن ثم طالبن بتفكيكها، وأن تكتفى المرأة بالمرأة كخطوة لإلغاء الأمومة. ويرى هؤلاء أن الأسرة تخضع النساء، ومن ثم فهى مؤسسة تستحق التدمير، وطالبن بحق الإجهاض وتحديد النسل، فالأمومة مضاد لحرية المرأة، ويجب أن تتحمل المختبرات القيام بدور الأمومة البيولوجية نيابة عن المرأة، أما الأمومة المجتمعية فيجب أن يساهم فيها الرجل ومؤسسات الدولة. ذلك الاتجاه الذى تسير فيه النسوية منذ قرابة النصف قرن، يتوسع عالميا، وهو اتجاه يسير ضد الفطرة التى خلق الإنسان عليها، وإذا كانت النسوية اتخذت بعض المظالم التى تعرضت لها النساء للمطالبة بتحقيق مطالبهن، فإن النسوية العالمية الحالية أقرب إلى الفوضى فى نشر أفكارها. التشريع للنساء: فى الإسلام تأتى المقاصد التشريعية التى تدور فى إطارها القواعد التشريعية والتى تخضع لها الأوامر والنواهى التشريعية، وفى تشريعات المرأة نرى المقاصد التشريعية فى العدل ومنع الظلم، قد يكون الزوج ظالماً وقد تكون الزوجة ظالمة، ونزلت تشريعات القرآن الكريم لتعالج هذا. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21، كلمة (أَزْوَاجاً) تفيد الزوج الذكر والزوج الأنثى، فى القرآن الكريم لم تأت فيه كلمة زوجة. والمفهوم من الآية أن الزوج الذكر مخلوق للزوج الأنثى، وأن الزوج الأنثى مخلوقة للزوج الذكر، وبالتساوى كل منهما سكن للآخر، وتكون بينهما مودة ورحمة. وفى الآية (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) لا تعنى سكن فى بيت، ولكن سكن إلى، بمعنى أن يكون كل منهما راحة للآخر، يسكن إليه ويرتاح معه ويأنس إليه. وفى قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة 187، مساواة بين الزوجين، هى ستر له، وهو ستر لها، وفى وصف بعض حقوق الزوجة: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) النساء 21، الزواج ميثاق غليظ، وبه أفضى كل منهما إلى الآخر. وعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وحتى إن كرهها فليصبر عليها، وإن صبر عليها فإن الله يعده بأن يكون فيها خير كثير له فى ماله وأولاده وحياته: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء 19. وفى القوامة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء 34، فالقوامة تعنى مسئولية الزوج على الزوجة لأنه ينفق على البيت وعليها وهو الذى يحمى أسرته ويدافع عنها، وعلى الزوجة الصالحة أن تحفظ بيتها وزوجها وأولادها. وتأديب الناشز: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء 34، إذا كانت ناشزاً، ولكنه تعالى يحذر من ظلمها. مع ملاحظة أنه فى عقد الزواج يمكن أن تشترط أن تكون العصمة فى يدها أو أن تكون لها القوامة على زوجها، ولو رضى بذلك أصبح واجباً الوفاء بالعقود: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة 1. قبل نزول القرآن لم تكن للمرأة حقوق فى الميراث ولا فى الزواج، وفرض لها تعالى مهراً فى الزواج، وحقاً فى الميراث: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء 7. وتبدأ الآية بتقرير حق الرجال والنساء فى التركة، مع قضاء الديون وتنفيذ الوصية: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء 11. وفى توزيع التركة يكون للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسبة للأولاد والزوج والزوجة، ثم الأخوة والاخوات عند الكلالة وعدم وجود أولاد، كما تأتى كلمة أولاد للذكور والاثاث: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِى أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)، والذكور هم الذين يتكفلون بتكاليف المعيشة، فالولد عليه مسئولية الزواج من صداق ونفقة، أما البنت فهى التى تتلقى الصداق والنفقة، ولا تصح المساواة بينهما فى الميراث. لا يكون هذا بالنسبة للوالدين، هما يتساويان فى التركة، والتعبير عنهما بالمساوة فى الاستحقاق وفى الوصف، فهما أبوان، الأم والوالد: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ). أنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والثمن والسدس، وتأتى الوصية للأقربين الورثة لتعالج ظروفاً خاصة، قد تكون ظروف أحد الورثة تستدعى المساعدة أكثر، فيمكن الوصية له، ولكن بدون ضرر: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء 12. تشريعات المواريث من حدود الله، ومن يتعداها يتوعده تعالى بالخلود فى النار، المخاطب بهذا هم المؤمنون، يمكن أن يخلد بعضهم فى النار بسبب ظلم فى موضوع الميراث، وبعض الذين يطالبون بالمساواة فى الميراث بين الأبناء، لا يعرفون أن المساواة على إطلاقها قد تكون ظلماً، والبعض لا يعطى النساء حقوقهن فى الميراث. وتعتبر النسويات المسلمات أن أفكارهن هى وسيلة لنقد ذكورية التراث التفسيرى والفقهى بهدف تصحيح مساره ليتناسب أكثر مع المفاهيم والقيم القرآنية والعدل الإلهى. فالنسوية الإسلامية هى نسوية منفتحة على التراث مع ممارسة النقد له، وهى أيضا تنفتح على الفكر النسوى المعاصر مع ممارسة النقد له. 4