جاءت «ثورة 30 يونيو» لتصحح مسارًا فاشيًا، وتفتح آفاق الأمل أمام ملايين المصريين. فمن عواصمالمحافظات والمدن والمراكز والقرى والنجوع انطلقت المسيرات، ومن الشوارع والحارات والأزقة، خرج الشعب الأبى ليسترد وطنه فى مشهد مهيب، ومن الحناجر الغاضبة انطلقت هتافات المصريين «يسقط يسقط حكم المرشد، ارحل يا مرسي». التلاحم الوطنى بين جميع أطياف الشعب المصرى خلال أحداث الثورة كان ملهمًا. ففى الميدان الكل سواء، فالدم واحد والهدف واحد، الشيوخ والرجال والنساء احتشدوا، والأطفال لم يغيبوا عن مشهد كُتبَ فيه التاريخ، وقد عبر عن ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تدوينة له على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي، خلال الاحتفال بذكرى الثورة العام الماضي، «سيتوقف التاريخ كثيرًا أمام ثورة 30 يونيو المجيدة، وستظل حية فى ذاكرة كل الأجيال، بما رسخته من مبادئ العزة والكرامة والوطنية والحفاظ على هوية مصر الأصيلة من الاختطاف». اتسمت المظاهرات بالطابع السلمى، ولم تنجر إلى دعاوى العنف التى صدرت عن جماعة الإخوان «الإرهابية» والتيارات الدينية المتحالفة معها عبر منصة رابعة؛ حيث اعتصم أنصارمرسى بميدانى رابعة العدوية والنهضة، وكانت السمة الرئيسية فى الاعتصامين الدعوة والتحريض على العنف، وحمل السلاح وترويع الأهالي. فى صباح الأحد 30 يونيو 2013، كان الملايين من المصريين فى مختلف المحافظات يستعدون للانطلاق صوب الميادين الكبرى؛ فى القاهرة خرجت العديد من المسيرات التى ضمت مئات الآلاف من المتظاهرين متجهين صوب ميدان التحرير، وقصر الاتحادية، وفى محافظات الدلتا والقناة والصعيد وسيناء، كانت الحشود على أهبة الاستعداد لإسقاط الجماعة الإرهابية. وصوب ميدان التحرير، اتجهت المسيرات من مختلف أحياء القاهرة والجيزة، إضافة للمتظاهرين من باقى المحافظات، فمن الجيزة انطلقت مسيرات تضم آلاف المتظاهرين من ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، وإمبابة والعجوزة وميدان الجيزة، وفى القاهرة من شبرا والسيدة زينب ومدينة نصر والعباسية. وفى الصباح ذاته، كان «حسن خورشيد» يستعد للمشاركة فى الثورة بتجهيز لافتة يعبر فيها عن غضبه تجاه جماعة الإخوان «الإرهابية»، واتجه من منزله بشبرا صوب ميدان التحرير، يقول: «توجهت للميدان وبداخلى قلق كبير، لأنى أعلم أننا نواجه جماعة لا تعرف سوى الدم، وبمجرد وصولى على مشارف التحرير ورأيت ملايين المصريين يهتفون «ارحل يا مرسي»، تيقنت أننا سننتصر، وأن الشعب المصرى لن يتراجع عن أهدافه بإسقاط مرسى وجماعته، وظللت أجوب الميدان هاتفًا «تحيا مصر»، حتى جاءت لحظة الحسم يوم 3 يوليو، عندما انحازت القوات المسلحة لإرادة الشعب.. حسيت إنى كنت ميت وردت إلىّ الروح»، مؤكدًا أن ثورة يونيو لن تُنسى وستظل عالقة فى ذاكرة المصريين، وأنه فخور لكونه جزءًا من الثورة التى غيَّرت مصير الدولة المصرية، وقضت على جماعة الإخوان للأبد. وقالت آمال تركي، مهندسة اتصالات، وإحدى المشاركات فى ثورة يونيو، «يوم 30 يونيو هو يوم استرداد مصر فعلًا، وذكريات المصريين فى اليوم ده تتوثق فى 100 فيلم، أنا فاكرة اليوم ده كويس كل الشعب المصرى نزل فى مسيرات كنا مرتبين نفسنا أنا وأسرتى هننزل إمتى وفين، أنا نزلت فى ميدان التحرير، كلنا كنا شايلين علم مصر وكروت حمرا مكتوب عليها يسقط يسقط حكم المرشد، الثورة دى ماشاركش فيها الشباب بس، لكن كانوا عائلات كاملة نازلة، ال 8 سنين اللى فاتوا هما فعلا علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديثة، بداية من رجوع الأمان تانى فى الشوارع، شكل البلد اللى اختلف، المشاريع الاقتصادية ، والاجتماعية ، وكمان المساحة اللى إداها الرئيس للشباب لممارسة العمل السياسى واللى تمثلت فى مؤتمرات الشباب، إنجازات كتير حصلت بعد 30 يونيو وفى وقت قصير جدا، هى دى النهضة الحقيقية اللى تم ترجمتها للجمهورية الجديدة». كما انطلقت عديد من المسيرات بالعاصمة، صوب قصر الاتحادية، فهناك مسيرة شرق القاهرة وشملت مناطق عين شمس وشارع أحمد عصمت وألف مسكن ونقطة الالتقاء مع كوبرى السلام والمرج، ومسيرة ميدان المطرية وتشمل ميدان الحلمية والتجنيد، وانضمت إلى مسيرة عين شمس، أما مسيرة مصر الجديدة فضمت مناطق النزهة وميدان الحجاز وسانت فاتيما وميدان الإسماعيلية وسفير وشارع الأهرام، ومسيرة مدينة نصر فكان التجمع فى ميدان الساعة، واتجهت إلى شارع النزهة وشارع الثورة وشارع الميرغنى إلى الاتحادية تحت عنوان مسيرة الحرية، إضافة لمسيرة من منطقة عزبة الهجانة أكثر المناطق فقرًا تحت شعار «جوعتونا»، كما اتجهت مسيرة قادمة من ميدان الحجاز، تضم آلاف المتظاهرين رافعين الكروت الحمراء وأعلام مصر؛ للمطالبة بإسقاط النظام، وتوافد العديد من العائلات والأسر على محيط الاتحادية، للمشاركة فى الحدث التاريخي. يسترجع «حازم عزت» ذكرياته مع الثورة، ويقول: «مشاركتى بالثورة بدأت منذ ظهور حملة تمرد؛ حيث ساهمت رفقة أصدقائى فى جمع توقيعات العديد من المواطنين، ويوم 30 يونيواتفقت مع أصدقائى وعائلتى وأهالى منطقتى بشبرا الخيمة على التجمع والانطلاق فى مسيرة إلى قصر الاتحادية، الحماس لفكرة إسقاط مرسى والإخوان والشعور بالتكاتف والتلاحم الشعبى أزالا مشقة بُعد المسافة، فخط سير المسيرة كان الانطلاق من شبرا الخيمة إلى المطرية ثم مصر الجديدة حيث قصر الاتحادية، الحدث كان غير عادى فمع كل خطوة كانت تزداد أعداد المشاركين فى المسيرة، انطلقنا نحو 500 شخص ووصلنا الاتحادية بالآلاف، واستمر وجودى فى محيط الاتحادية حتى بيان 3 يوليو وإسقاط مرسى وجماعته، وحينها كنت رفقة أسرتى وابنتى اللتين أردت رغم صغر سنهما «الكبيرة 4 سنوات، والصغيرة سنة» أن تشاركا فى هذا الحدث التاريخى والاستثنائى فى تاريخ مصر. مضيفا أنه لايزال يحتفظ بكل مقتنياته من ثورة 30 يونيو «الخوذة والشمسية» بعد مرور 8 سنوات، تعبيرًا عن فخره واعتزازه بالمشاركة فيها. محمد أحمد عبدالعال، أحد الشباب الذين بدأ حراكهم الثورى منذ تظاهرات نوفمبر 2012، الرافضة للتعديل الدستورى المكمل، وشارك يوم 30 يونيو من أمام قصر الاتحادية حتى سقوط مرسي، قال: «نعم وبكل فخر شاركت فى ثورة 30 يونيو، ولو عاد بى الزمن لفعلت الأمر ذاته، فلا يمكن أن نسمح للجماعة الإرهابية باختطاف مصر»، وعن ذكريات الثورة تابع: «التجمع كان بالقرب من وزارة الدفاع بالقبة وتوجهنا إلى الاتحادية، وكنت أرتب التجمع مع زملائى بمسيرات المطرية وغمرة، وأطمئن على الباقين بمسيرات الجيزة المتجهة لميدان التحرير، فبرغم حرارة الجو الشديدة لم نكن لنتراجع أبدًا، فالإرداة الشعبية والملايين التى خرجت للشوارع قد اتخذت القرار بأنه لا مكان للإخوان بيننا، ومرسى سيرحل. وفى محافظة المنوفية، انطلقت المظاهرات من جميع مراكز المحافظة؛ حيث كانت التجمعات بأكبر ميادين المراكز والمدن، حيث توجه الآلاف إلى ميدان عمر أفندى وشارع الاستاد وأمام ديوان عام محافظة المنوفية بمدينة شبين الكوم. ويقول محمد عبدالله، أحد المشاركين فى الثورة بمحافظة المنوفية: «الثورة بدأت مبكرا فى المنوفية، بالاعتصام أمام ديوان عام المحافظة، اعتراضًا على تعيين محافظ إخواني، وبعد الإعلان عن موعد التظاهر يوم 30 يونيو، بدأت الأعداد تتزايد أمام ديوان المحافظة، وبعدما كانت أعداد المعتصمين بالمئات، اختلف الأمر واحتشد آلاف المتظاهرين الرافضين لحكم مرسى وجماعته، معظم المتظاهرين كانوا شبابا، ومقدرش أنسى فرحتى وقتها لما القوى الثورية فى المنوفية أصدرت بيانا بالاستقلال عن حكم الإخوان، إحنا كنا بنعيش حدث غير مسبوق أنك بتواجه جماعة دموية، ومش هنكر إن وقتها كنت خايف يحصل اضطرابات أمنية زى اللى حصلت بعد 25 يناير لكن الحمد لله الأمور عدت على خير، وبعدها اتجهت لميدان التحرير علشان أشارك المصريين فرحتهم بسقوط جماعة الإرهاب، مصر قبل 30 يونيوغير بعدها، حصل إنجازات غير مسبوقة فى كافة القطاعات». وفى محافظة الدقهلية، كانت المنصورة من أولى المحافظات التى اشتعل بها فتيل الحراك الثوري؛ حيث تم تعيين محافظ ينتمى لجماعة الإخوان، وثار شعب الدقهلية مبكرًا لمنع المحافظ من دخول ديوان عام المحافظة، حتى جاء موعد الحسم فى 30 يونيو للإطاحة بالنظام بأكمله فاحتشد مئات الآلاف بميدان الثورة بالمنصورة، وخرجت مسيرات بباقى مدن الدقهلية فى مشهد تاريخى للمحافظة. كما احتشد آلاف المتظاهرين، بميدان الشون بمدينة المحلة الكبرىبالغربية، للمشاركة فى مظاهرات 30 يونيو، للمطالبة برحيل محمد مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وردد المتظاهرون هتافات: «ارحل»، ورفعوا الأعلام وصورًا مناهضة لمرسى وجماعة الإخوان، كما تظاهر الآلاف بساحة الشهداء فى مدينة طنطا. وقال أحمد ربيع، أحد المشاركين فى التظاهرات بطنطا: «30 يونيو عمرى ماهنساه أبدا وهفضل أحكى لولادى عنه، أنا عايش فى إحدى قرى محافظة الغربية، لكنى صممت على المشاركة فى الثورة وإسقاط الإخوان، عرفت إن المظاهرات هتكون فى طنطا ورحت على هناك، المنظر كان عيد بالنسبة لى إنى أشوف الآلاف دى كلها بتهتف: بالطول بالعرض هنجيب مرسى الأرض». وفى محافظة البحيرة، احتشد المواطنون فى ميدان جلال قريطم أو ميدان الاستاد، هو أحد الميادين المهمة فى أحداث ثورة 30 يونيو، والذى تجمع داخله أبناء المحافظة بالكامل؛ حيث شهد اعتصام القوى السياسية وبعض النشطاء والقوى الشعبية ضد المحافظ الإخوانى وقتها أسامة سليمان رفضا لفكرة الأخونة بمصر، حيث كان مقر ديوان المحافظة رمزًا للخروج على الحكم الإخوانى. وفى محافظة السويس، استعاد ميدان الشهداء «الأربعين سابقًا» روح الثورة مجددًا، فى يوم الأحد 30 يونيو، توافد الآلاف من المتظاهرين على ميدان الشهداء من الثانية ظهرًا، رافعين صور الشهداء والأعلام المصرية، هاتفين ضد مرسي: الشعب يريد إسقاط النظام، وارحل ارحل، اصحى يا مرسى صحى النوم 30 _6 آخر يوم، قالوا صوت المرأة عورة.. صوت المرأة هو الثورة، ورفع المشاركون رايات بيضاء عليها صور جرافيتى لشهداء الثورة بالسويس، وأيضًا الكروت الحمراء وارتدوا شارات عليها كلمة «ارحل». فى اليوم التالى 1 يوليو، حاول الإخوان إراقة الدماء بالاعتداء على المتظاهرين السلميين؛ حيث خرجوا بعد صلاة العشاء فى مسيرة من مسجد حمزة، كان عددهم قرابة ألف من أعضاء الإرهابية، وتحركوا فى مسيرتهم بشارع الجيش، قاصدين ميدان الشهداء، ودارت اشتباكات استخدم خلالها أعضاء الإرهابية أعيرة الخرطوش، وأسفرت عن إصابة 8 من المواطنين وضابط ومجند. وفى الإسماعيلية، كانت هناك 7 تجمعات من مسجد محمد أمين ومسجد الرحمن ومكتبة مصر العامة وغيرها، وكانت نقطة التجمع ميدان الممر والمحافظة الجديدة، وقد شهد ميدان الممر شرارة ثورة 30 يونيو، حيث خرجت إليه من أكثر من نقطة تجمع المسيرات والحشود، للمطالبة بإسقاط حكم الجماعة الإرهابية عن مصر، وفى نهاية اليوم اعتصم المتظاهرون بالميدان وأمام محافظة الإسماعيلية. كذلك خرجت مظاهرات عارمة فى محافظة الأقصر، استمرت على مدار أيام حتى سقوط نظام الإخوان، بدأت الاحتجاجات أمام ديوان عام المحافظة، وامتدت تجمعات المتظاهرين بطول كورنيش النيل حتى تقاطع شارع خالد بن الوليد فى مشهد لم يحدث فى تاريخ المحافظة، وقد صعد أحد المتظاهرين فوق ديوان عام المحافظة، وقام بتغيير العلم الرسمى للمحافظة، واستبدله بعلم آخر «لونه أحمر» يتوسطه رمز تاج الجنوب الفرعونى بين زهرتى لوتس، وكتب عليه اسم طيبة باللغتين العربية والإنجليزية. كما شهدت محافظة أسوان تجمعات حاشدة للمتظاهرين بميدان الشهداء ( المحطة سابقا )، وكان التجمع بمدينة كوم أمبو أمام المسجد القبلى بعد صلاة العصر، ثم انطلق الحشد فى مسيرة تجوب شارع بورسعيد وسط مدينة كوم أمبو، إلى أن تم التجمع بميدان النافورة أمام مسجد ناصر بطريق مصر أسوان، كما انطلقت مسيرات بمدينة دراو من أمام مستشفى دراو المركزى، وفى مدينة إدفو تم التجمع والاحتشاد أمام مجلس المدينة. -راهن الإخوان على عدم خروج المصريين عليهم، وكالعادة كان رهانهم خاسرًا، بعد أن امتلأت ميادين الثورة فى جميع المحافظات، بملايين المتظاهرين الذين هزوا عرش جماعة الإرهاب العالمي، وأطاحوا بهم أمام العالم فى ثورة شهد الجميع بأنها مصرية خالصة. 1 3 4 5 6 7 8 9