بدأت المزارات السياحية فى مصر منذ بداية شهر سبتمبر الجارى، فى استقبال الزوار والسيّاح من مختلف دول العالم، بإجراءات وتدابير احترازية، بالتزامن مع العودة التدريجية لحركة الطيران بين مصر والعديد من الوجهات العالمية، كان آخرها عودة رحلات الطيران الروسية إلى مصر، التى تعد من أهم روافد السياحة الخارجية. العديد من الدول أعلنت استئناف رحلاتها مع مصر مع الالتزام باتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية فى التعامل مع فيروس كورونا من وإلى مصر ذهابًا وإيابًا، وتتضمن قائمة الدول التى أعلنت عودة رحلاتها السياحية إلى مصر: أوكرانياوبيلاروسيا، وألمانيا وفرنسا وسويسرا، والمجر وصربيا، وبلجيكا، حيث أكدت وزارة الطيران المدنى أن مطار الغردقة شهد وصول 164 رحلة على متنها 30 ألف سائح من عدة دول أوروبية منها المجر وصربيا وسويسرا وبيلاروسياوأوكرانيا، بالإضافة إلى وصول العديد من الرحلات إلى مطارى القاهرة وشرم الشيخ وغيرهما من المقاصد السياحية. تمثل السياحة أهمية بالغة للاقتصاد المصرى، حيث تساهم بنحو 20 % من الدخل القومى، إلا أن هذه الأرقام باتت فى مهب الريح بسبب الصعوبات التى واجهها النشاط منذ بداية أزمة كورونا التى ضربت دول العالم منذ مطلع العام الجارى، ورغم عودة النشاط على استحياء فى عدد من المقاصد وفتح حركة الطيران أمام السياح بإجراءات احترازية؛ فإن مستقبل النشاط لا يزال يكتنفه بعض الغموض فى ظل التحذيرات من موجة ثانية من فيروس كورونا، ما يلزم التفكير فى أنماط جديدة من السياحة. أنماط السياحة والسفر تشمل عشرات الأنواع، تمتلك منها مصر العديد من المقومات، إلا أن النشاط يقتصر على نمطين فقط، هما السياحة الشاطئية والثقافية، التى تشمل المزارات السياحية والمتاحف الأثرية. نسلط فى هذا التقرير الضوء على العديد من الأنماط والمقومات التى تمتلكها مصر، وتحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء من الحكومة ووضعها على الخريطة السياحية، الأمر الذى يمكنه أن يحقق لمصر مليارات الدولارات سنويًا. سياحة الصيد الاتجاه إلى تنشيط السياحة الداخلية والخارجية خلال الفترة الأخيرة أعطى فرصة لظهور أنواع جديدة من السياحة، تمتلك فيها مصر مقومات هائلة، فى مقدمتها سياحة الصيد التى تعد من أهم المقاصد التى يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للنشاط السياحى؛ حيث يعتبر صيد الحيوانات والطيور والأسماك من الهوايات المفضلة للكثيرين. أسما رؤوف مرشدة سياحية وصاحبة مبادرة مصر أحلى لتنشيط السياحة، تؤكد عدم الاستغلال الأمثل لمقومات مصر التى تمتلك 3000 كيلو متر على البحرين الأبيض والأحمر، مشيرة إلى أن سياحة الصيد الأعلى عالميًا بين جميع مقاصد السياحة، مشيرة إلى وجود مسابقات عالمية للصيد وقنوات متخصصة فى النشاط تعرض الرحلات والمسابقات. وأكدت أن مصر تمتلك العديد من الإمكانيات المتمثلة فى الصحارى الشاسعة، المليئة بأنواع عديدة من الزواحف والطيور والحيوانات النادرة، وعلى مستوى الطيور، تعتبر مصر مُلتقى الطُرق بين أربع مناطق جغرافية حيوية، فهى تقع على أحد طُرق هجرة الطيور الرئيسية بالعالم، وقد سُجل أكثر من 470 نوعًا فى مصر من بينها 150 نوعًا فقط مُتزاوجًا مُقيمًا، ونوع واحد مستوطن بالبحر الأحمر، وهو نورس عجمة، وتعد السويس أهم مُلتقيات الطيور المُحلّقة بالعالم. السياحة الجيولوجية تمثل السياحة الجيولوجية أهم روافد القطاع السياحى للعديد من الدول التى تتميز بالتنوع الجيولوجى مثل أستراليا والولايات المتحدة وتشيلى، وتعد سلطنة عمان أهم الدول التى ينشط فيها هذا النوع من السياحة فى الشرق الأوسط. الدكتور عماد خليل أستاذ الجيولوجيا بجامعة الزقازيق، أكد أن مصر تضم كنوزًا طبيعية تكونت بفعل الطبيعة والعوامل الجيولوجية، ولاتزال صامدة رغم عوامل الزمن والطقس التى مرت عليها، مشددًا على أن هذه الثروات الجيولوجية يمكنها أن تجلب لمصر عشرات الآلاف من السائحين وتدر عليها دخلاً كبيرًا. ولفت إلى أن سياحة الصحارى والسياحة الجبلية من أهم أنماط السياحة فى العالم، منوهًا إلى أن السياحة الجبلية حبيسة التهميش والإقصاء، رغم أن مصر تمتلك مؤهلات كبيرة؛ حيث تعد سلاسل جبال البحر الأحمر من أهم الجبال المصرية الغنية بمنتجعاتها الجبلية المتميزة. السياحة العلاجية تمثل السياحة العلاجية ما بين 5 و10 % من حجم السياحة العالمية، ما يعنى إمكانية زيادة أعداد السياح المتوقعة ما بين 300-500 ألف سائح سنويًا فى مصر، ما يدر دخلًا يقرب من 5 مليارات جنيه، إلا أنه رغم كل المقومات الخاصة فى مصر من المناخ والبيئة والعوامل الطبيعية التى قد لا تتوافر فى أى بلد آخر، حيث انتشار العيون الكبريتية والرمال السوداء والحمامات الطبيعية الساخنة الصالحة لعلاج عديد من الأمراض المزمنة كالصدفية والروماتيزم، فإن هناك تجاهلاً لهذا النوع من السياحة، ما يدفع السائحين العرب والأجانب للذهاب إلى بلدان مجاورة كإسرائيل والأردن على البحر الميت. تمتلك مصر 16 موقعًا داخليًا وساحليًا تتوافر فيها علاجات طبيعية للعديد من الأمراض، وعلى رأسها الأمراض الروماتيزمية والبهاق والصدفية ومن أشهر تلك المناطق حلوان التى اشتُهرت بأنها مدينة الشفاء المقدس ووادى مريوط ووادى النطرون وواحة مينا بالصحراء الغربية وواحة آمون والعين السخنة وحمامات كليوباترا بالبحر الأحمر وأسوان، وقُدِّر عدد العيون الموزعة فى معظم أنحاء مصر ب1356 عينًا، وكل هذه الإمكانيات جعلت مجلس الوزراء يصدر قراره بإنشاء وحدة متخصصة للسياحة العلاجية لتنميتها وتطويرها باعتبارها قيمة مضافة للاقتصاد. الدكتور عدلى أنيس، أستاذ الجغرافية الاقتصادية بجامعة القاهرة والخبير السياحى أكد أن السياحة العلاجية فى مصر يمكن استغلالها وتطويرها على محورين: الأول السياحة الاستشفائية ولا يقصد بها فقط تقديم الخدمة العلاجية للمرضى، ولكن تقديم الرعاية لمن عندهم مشاكل متخصصة وكان المستشفى الفرنساوى أول من اهتم بمثل هذه الحالات وقدم هذا النوع من الخدمة. وتابع أنيس، إن النوع الثانى السياحة الوقائية وهذه ليست للعلاج بقدر أنها تختص بالوقاية من بعض الأمراض كالسمنة وأمراض القلب وغيرهما، وهذه تكون المنتجعات هى الأنسب لها، موضحًا أن سائحى أوروبا أو الصين أو أمريكا لا يقبلون على مصر للاستفادة من هذا النوع لأنه مازال هناك تدنٍ فى الإمكانيات مقارنة بدول أخرى مثل دول روسيا الاتحادية، بينما العرب وبعض الجنسيات الأفريقية وبعض الآسيويين من يأتون إلينا مستفيدين من السياحة العلاجية. وأشار الخبير السياحى إلى أن مردود السياحة العلاجية عظيم على الدخل القومى من العملة الصعبة؛ حيث يمكن أن تزيد إيرادات السياحة بنحو 10 مليارات دولار سنويا، حيث تتميز السياحة العلاجية بفترة إقامة طويلة نسبيًا وفى المتوسط تكون ما بين 10و21 يومًا وتصل فى بعض الحالات إلى 30 ليلة فندقية، ويكون فيها الإنفاق مزدوجًا على العلاج إضافة إلى التنقلات والإقامة الفندقية وغيرهما من البرامج السياحية المصاحبة. السياحة التعليمية تعد السياحة التعليمية صناعة واستثمارًا ضخمًا لبعض الدول، لما تدره من دخل بمليارات الدولارات سنويًا، وكشف تقرير صادر عن الاتحاد العربى لتنمية الموارد البشرية، أن التعليم أصبح إحدى الصناعات المهمة المؤثرة فى الدخل القومى للدول، إذ بلغ نحو 6 % من الدخل القومى البريطانى، وهناك نحو 13 % من السياحة التعليمية العالمية تتجه إلى بريطانيا فقط. الدكتورة رشا كمال رئيس الإدارة المركزية للطلاب الوافدين بوزارة التعليم العالى، أكدت أن زيادة أعداد الطلاب الوافدين للدراسة بالجامعات داخل مصر تمثل دخلا قوميا للدولة، موضحة أن طالب كليات الطب الوافد يدفع 6 آلاف دولار سنويًا للقيد والدراسة داخل كليات الطب بالجامعات المصرية وإذا زادت أعداد الطلاب فهذه زيادة فى الدخل القومى. وأضافت: أنه نظرًا لأهمية الأمر وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال لقاء له مع وزير التعليم العالى الدكتور خالد عبدالغفار بالعمل على زيادة أعداد الطلاب الوافدين الدارسين فى الجامعات المصرية، وزيادة وسائل الجذب للدراسة فى مصر سنويًا، وتبنى مبادرة لزيادة أعداد الطلاب الوافدين وجذب المزيد منهم فتم تدشين مبادرة «ادرس فى مصر» لتقديم تسهيلات وعوامل جذب للمزيد من الطلبة الوافدين من الدول المختلفة للدراسة فى مصر. كما بدأت الدولة بالفعل فى الآونة الأخيرة العمل على إنشاء عدد من الجامعات الدولية والأهلية فى مناطق تصنف على أنها سياحية، وعلى سبيل المثال جامعة الملك سلمان الدولية بسيناء وجامعة الجلالة بجبل الجلالة بالسويس، جامعة العلمين الجديدة بالساحل الشمالى، وغيرها من الجامعات فى العديد من المناطق، وهو ما يؤكد أن الدولة بدأت فى إدراك أهمية هذا النوع من السياحة.