الداخلية توجه قافلة إنسانية وطبية بنطاق محافظة البحيرة    بروتوكول بين القوات المسلحة وأكاديمية تكنولوجيا المعلومات ل«ذوي الإعاقة»    رغم هبوط الأوقية 40 دولار.. بورصة الذهب تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية بختام التعاملات    تعاون زراعي وتبادل الخبرات.. مسارات تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية    أسعار الأضاحي بسوق الماشية في الدقهلية    اليوم تسيير 27 رحلة جوية إلى الأراضي المقدسة    لافروف: «بريكس» تدرس 30 طلبا للتعاون من مختلف بلدان العالم    مجلس الأمن الدولي يناقش الوضع الإنساني في أوكرانيا خلال ساعات    بايدن يعتذر للرئيس الأوكراني بسبب المساعدات    قائمة منتخب إسبانيا النهائية لخوض يورو 2024    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    المشوار الأخير.. مشهد دموي في سيارة أجرة    حملات مكثفة على المنشآت الغذائية بمركز الفرافرة في الوادي الجديد    بالخطوات تعرف على طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الإعدادية بالمحافظات    قافلة دعوية كبرى مشتركة بين الأزهر وأوقاف الفيوم    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    مفاجأة في قائمة منتخب إسبانيا النهائية لبطولة يورو 2024    قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم عددًا من الأنشطة والفعاليات    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    نسب إشغال متوسطة فى أول جمعة من يونيو على شواطئ الإسكندرية    حلا شيحة تثير الجدل بسبب صورتها مع أحمد سعد    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة    المفتي يوضح حكم الحج بالتقسيط    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    إعلان حالة الطوارئ بصحة الوادي الجديد تزامنًا مع الموجة الحارة (صور)    بعد تسجيل أول حالة وفاة به.. ماذا نعرف عن «H5N2» المتحور من إنفلونزا الطيور؟    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    استبعاد كوبارسي وجارسيا ويورينتي من قائمة اسبانيا في اليورو    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    سعر الدولار يرتفع في 9 بنوك مصرية خلال أسبوع    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    أحكام الأضحية.. أقيم مع ابنتي في بيت زوجها فهل تجزئ عنا أُضْحِيَّة واحدة؟    أكسيوس: فشل اجتماع القاهرة لإعادة فتح معبر رفح    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    بمناسبة عيد الأضحى.. زيارة استثنائية لجميع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امرأة هزت عرش مصر القديمة

على مدار تاريخ الدولة المصرية كان للمرأة قصْب السبق فى كثير من المجالات، وكان إسهامها فى الحياة العامة لا يقل عن إسهام الرجل، ولولاها ما قامت الحضارة، فهى رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات، وفى هذا ما يوضح سبْق مصر الحضارى على غيرها من الحضارات.

يحفل التاريخ المصرى فى عصر الدولة القديمة بذكر سيَر ملكات عظيمات، عدد قليل منهن لم يكن على القدر نفسه من الأهمية والمكانة التى تحظى بها، ولا بالقدر نفسه من القيّم الأخلاقية التى أبدعتها مصر القديمة قبل أن يولَد فجرُ الضمير وقبل أن يبزغ الوعى الأخلاقى والقيمى فى العالم القديم.

الملكة ورت إمات إس


من بين سيَر ملكات عصر الأسرة السادسة يأتى ذكر ملكة حملت نعت «ورت إمات إس»، ولا نعرف لها اسمًا على وجه التحديد. ويعنى نعتها «العظيمة فى طيبتها» أو «عظيمة الصولجان». وسوف نطلق عليها اسم «ورت إمات إس» للدلالة عليها. وربما كانت ابنة للملك «تتى» من ملوك الأسرة السادسة. وكانت هذه الملكة زوجة للملك بيبى الأول، أحد أهم ملوك عصر الأسرة السادسة.

وجاء ذكر هذه الملكة فى إحدى السّيَر الذاتية لأحد أهم الموظفين الكبار من ذلك العصر، ويُدعى الموظف «ونى الأكبر». ونقش هذا الموظف نص سيرته الذاتية فى مقبرته فى أبيدوس. وكانت تلك الواقعة من دواعى فخر «ونى الأكبر»، ما جعله يسجلها فى سيرته الذاتية كأحد أهم أحداث حياته الوظيفية. ومن خلال تسجيله تلك الواقعة، يوضح لنا «ونى الأكبر» أهميته وعظم مكانته لدى الملك «بيبى الأول» الذى وثق فيه وجعله يحقق فى تلك الواقعة المتعلقة بالحريم الملكى الذى لم يكن مسموحًا لأحد الدخول إليه ومناقشة خصوصياته. غير أن «ونى الأكبر» بصفته القضائية الكبيرة، ومكانته المهمة فى الدولة المصرية آنذاك، وثقة الملك فيه بشكل خاص، قام بتلك المهمة على أكمل وجه.

ويذكر «ونى الأكبر» أن الملك «بيبى الأول» كلفه بالتحقيق وحده (وهذا الشرف لم يسبقه إليه أحد من قبل) مع هذه الملكة. وفضّل عدم ذكر اسمها حفاظًا عليها. وربما كانت هى «عنخ إن إس بيبى الثالثة» زوجة الملك بيبى الثانى بعد ذلك. وقد تورطت تلك الملكة فى مؤامرة ما ضد الملك بالاشتراك مع الوزير. وتُعد تلك الواقعة الأولى فى هذا الصدد.

وهناك واقعة مشابهة حدثت من زوجة الملك «رمسيس الثالث» من ملوك الأسرة العشرين، وسوف نذكرها لاحقًا.

وهذا التحقيق يؤكد رُقىّ الملك المصرى القديم الذى لم يشأ أن يتم اتهام زوجته الملكة ظنًّا، ودون قرائن إدانة، ودون تحقيق عادل، ودون التأكد من صحة ما نُسب إليها، رُغم أنه كان فى استطاعته اتهامها منفردًا دون تحقيق ودون أدلة إدانة؛ فلم تكن هناك سُلطة تعلو سُلطة الملك فى مصر القديمة، فقد كان ابن الآلهة والممثل للسُّلطة الدينية والدنيوية على الأرض. غير أنه قام بعكس ذلك، واحترم القضاء العادل، وأسند الأمر إلى القاضى «ونى الأكبر» وكلفه بالتحقيق واستجلاء الأمر دون تدخُّل منه.

أجرى «ونى الأكبر» التحقيق مع الملكة ومع كل أطراف المؤامرة. ورفع تقريره للملك منفردًا. ولا نعرف على وجه الدقة ماهية المؤامرة التى قامت بها الملكة. وكان الموظف «ونى الأكبر» من الحصافة بحيث إنه لم يخبرنا بطبيعة المؤامرة، ولا هوية الأطراف المشاركة فيها، بالطبع مع تلك الملكة المتآمرة، ولا بنتيجة التحقيق، ولا مصير المتآمرين.


ورجّح البعض حدوث خيانة زوجية من هذه الملكة. ومال البعض الآخر إلى الاعتقاد بأن الملكة تآمرت على إحدى الزوجات الأخريات الأثيرات لدى الملك. واعتقد فريق ثالث أنه ربما تآمرت على أحد أبناء الملك من ملكة أخرى كى تعرقل طريقه للوصول إلى عرش مصر بعد صعود روح الملك «بيبى الأول» إلى السماء ودخوله عالم الآلهة المبجلين بين ملوك مصر السابقين الخالدين.

ولا نعلم على وجه التحديد ماهية العقاب الذى تم إنزاله بهذه الملكة. غير أنه من المرجح أنها اختفت من الأحداث وتاريخ الفترة وتمت تنحيتها. وهناك من يعتقد أنه تم إقصاؤها ووَلدها. وكان هذا أشد عقاب لها. وبالفعل تزوج الملك «بيبى الأول» من ملكتين أخريين «عنخ إن إس بيبى الأولى، وعنخ إن إس بيبى الثانية»- بنتَىّ النبيل خوى وأختىّ الوزير جعو من نبلاء أبيدوس- وأنجب من الأولى خليفته الملك «مرنرع» ومن الثانية الملك «بيبى الثانى».

هذه قصة ملكة مختلفة عن قصص الملكات العظيمات التى سجل التاريخ سِيَرَهن بأحرف من نور. وليس فى هذا ما يشين مصر القديمة؛ فإن مصر القديمة كانت مثلها مثل أى مجتمع إنسانى قديم أو معاصر فيه ما فيه من أطماع وأحقاد وغيرة وكراهية مما يمتلئ به بعض ضعاف النفوس من البشر. غير أن المهم هنا هو سلوك الملك «بيبى الأول» المتحضر فى تلك الواقعة المشينة. وهذا هو ما يُعبر عن عظمة وروح مصر وتحضُّر المصريين قديمًا ودومًا وإيمانهم قديمًا بقيمة «الماعت» (العدالة) دائمًا وأبدًا.

الملكة نيت إقرتى

تُعتبر الملكة «نيت إقرتى»، أو «نيت إقرت»، أو «نيتوكريس» فى النطق اليونانى لاسمها، من الملكات المثيرات والملغزات فى نهاية عصر الأسرة السادسة، وجاء ذكرها فى كتاب التواريخ لأبى التاريخ هيرودوت وكتابات المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى. وهناك من يشكك فى وجودها التاريخى كلية. وربما كانت ابنة الملك «بيبى الثانى» وزوجته الملكة «نيت» وكانت أختًا للملك «مرنرع الثانى». وحَكم بعدها الملك «نفركارع» آخر ملوك الأسرة السادسة. وكُتب اسمها داخل الخرطوش الملكى الذى كان يُكتب داخله عادة أسماء الملوك، ما يدل على أنها ربما كانت ملكة حاكمة.

هذه الملكة لم تُذكر فى المصادر المصرية القديمة إلّا فى قائمة تورين، الذى يحاول البعض التشكيك فى نسبة هذا الاسم للملكة ويؤكد أن المقصود به ملك آخر وليست هذه الملكة، ومن الملاحَظ أن نهاية الأسرات المصرية القديمة شهدت ظهور ملكات حاكمات كما حدث فى نهاية الأسرة الأولى والأسرة الرابعة من قبل، وذلك لأسباب ترتبط بالظروف السياسية وضعف الأسرات الحاكمة أو موت الملوك وقيام الملكات بملء الفراغ السياسى، سواء كحاكمات منفردات أو وصيات على أبنائهن الملوك الصغار.

ومن المعروف تاريخيًّا أن الملك «بيبى الثانى» حَكم مصر لفترة طويلة مات فيها أبناؤه وحتى أحفاده. وترك ولاية الحُكم فى تلك الأسرة الحاكمة بعد وفاته على المحك. وتلاه على العرش الملك «مرن رع الثانى»،غالبًا ابن الملكة «نيت». وربما تلته فى حُكم مصر أخته الملكة «نيت إقرتى». ووصف المؤرخ مانيتون السمنودى هذه الملكة الفاتنة والفائقة الجمال قائلًا إنها كانت أكثر امرأة نبيلة ومحبوبة فى زمنها وإنها كانت ذات وجه جميل وخدين ورديين.

ومن المتعارف عليه أن حُكم المرأة فى مصر القديمة كان مؤقتًا عادة فى الظروف السياسية الطبيعية. ونظرًا لما كانت تستدعيه ظروف البلاد والوصاية وولاية العرش آنذاك، فكان يتم اللجوء إلى حُكم النساء اضطرارًا. وكانت المرأة تحكم إلى أن يشب صغيرُها عن الطوق ويصبح قادرًا على الحُكم بمفرده، فتترك الحُكم له راضية بعد أن تكون قد أدت رسالتها من خلال الحفاظ على العرش له.. غير أنه فى هذه الحالة لم يكن لهذه الملكة ابن كى تحكم نيابة عنه. ومن الجدير بالذكر أن الشعب المصرى قبلها كملكة حاكمة تحافظ على الخط الوراثى فى أسرتها. وربما كانت الملكة «نيت إقرتى» ملكة قوية حكمت البلاد فى فترة مضطربة سياسيّا، ونجحت إلى حد كبير فى أن تدير دفة الأمور فى البلاد إلى أن انتهت الأسرة السادسة، بعدها بملك واحد غالبًا، ودخلت مصر مرحلة الاضطراب السياسى لفترة ليست بالقصيرة.

ويذكر أبو التاريخ، أو أبو الأكاذيب، المؤرخ الإغريقى الشهير هيرودوت الكثير من القصص غير المنطقية عن هذه الملكة وأخيها الملك «مرنرع الثانى» الذى أحلها الشعب على عرش البلاد مكانه، بعد نهايته الدامية وفقًا لهيرودوت. ولم تترك لنا هذه الملكة القوية أى أثر ولا توجد مقبرة لها، وإن كان البعض يرجح وجود هرم لها فى سقارة إلى جوار هرم الملك «بيبى الثانى». وتعطى قائمة تورين الملكية، من عصر الأسرة التاسعة عشرة، الملكة «نيت إقرتى» فترة حُكم قصيرة تقدر بنحو عامَين وشهر ويوم واحد. غير أن هناك عددًا من علماء الآثار المصرية يشكك فى وجود هذه الملكة. ويقترح بعضهم أن اسم «نيت إقرتى» ربما كان جزءًا ليس مسجلًا من اسم ملك ما.

وأثارت الملكة «نيت إقرتى» أو «نيتوكريس» مخيلة الأدباء وألهبت خيالهم، فشاع استخدام وذكر وتوظيف اسم تلك الملكة فى الأعمال الإبداعية فى مصر والغرب؛ خصوصًا فى فن القصة القصيرة والرواية، فنرى كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ يكتب عنها فى روايته الشهيرة «رادوبيس» جامعًا بينها وبين رادوبيس، والكاتب المسرحى الأمريكى الأشهر تينيسى وليامز يكتب عنها فى قصته القصيرة «انتقام نيتوكريس» عام 1928م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.