ساعدت المسلسلات والأعمال الدرامية فى رسم تصور عن الصعيد أصبح سائدًا لدى كثير من قطاعات المجتمع خاصة ممن لم تسمح ظروفهم بزيارة تلك المحافظات الواقعة جنوب البلاد، يتلخص هذا التصور فى هؤلاء البشر أصحاب الزى المميز واللهجة المختلفة والقيم المحافظة وأهمها الثأر والبيئة القاسية والظروف المعيشية الصعبة ومخاصمة الحياة المدنية المنتشرة فى الحضر، وربما انطوى هذا التصور على قدر من الحقيقة لكنه فى الوقت ذاته ينطوى على قدر غير قليل من المبالغة. إذ لم يعد الرجل الصعيدى هو «رفيع بيه» بطل الضوء الشارد أو «منصور الحفنى» بطل فيلم الجزيرة أو «البدرى أبو بدار» بطل ذئاب الجبل، حتى أن الأخير تطورت أفكاره عندما عاش وعمل فى الإسكندرية وإن كانت قيمه الأصيلة لم تفارقه. فى إحدى محافظات الصعيد «الجوانى»، وتحديدًا محافظة سوهاج، نشأت أسر مختلفة عن ذلك التصور السائد فصنعت من أبنائها أبطالًا صغارًا محبين للرياضة، منهم من حصلت على بطولة الصعيد، وأخرى على بطولة المحافظة، وثالثة وصلت إلى برنامج «أرب جوت تالنت» الذى يُقدم النماذج الموهوبة على مستوى الوطن العربى. جميعهم لم يتخطوا ال 10 أعوام، وباجتهادهم استطاعوا أن يغيروا المفهوم السائد عن الصعيد وأن يثبتوا للجميع بأنهم يهتمون بتطوير ذاتهم ويمارسون حياتهم مثل سكان القاهرة وربما أفضل، وأن لهم أحلامًا وأنهم يسعون إلى تحقيق المزيد من النجاح.
«نورهان ومنه» بطلتا «كونغ فو» أعمارهما متباينة.. لكن ميولهما واحدة، أحبتا رياضة «الكونغ فو» واختاراها لتشهد مسيرتهما الرياضية، كانت والدتهما الداعم الأول لهما، ترافقهما فى التمارين وتشجعهما دائمًا فضلًا عن مدربهما «محمد حمدى» الذى آمن بهما ودفعهما للمشاركة فى البطولات، «أحمد عماد فرجانى» الشقيق الأكبر، لديه 9 سنوات، وبدأ مسيرته الرياضية وعمره 6 أعوام، تقول والدته: «مكنش ليه ميول لأى رياضة فى الدنيا وكان ضعيف الشخصية، قولت لازم أخليه يلعب رياضة قتالية يمكن ياخد ثقة فى نفسه وفعلًا اتكلمت مع الكابتن محمد وقاللى إن الكونغ فو هتفيده كتير، وخد سنتين لحد ما استجاب وبدأ ده ينعكس على شخصيته». تعرض «أحمد» لتنمر من زملائه فى المدرسة، وكانوا يظنونه ضعيف الشخصية فكان بعضهم يتطاول عليه بالضرب، لكن بعد تفوقه فى «الكونغ فو» اكتسب ثقة عالية بذاته وبدأ يدافع عنها حينما يتطلب الأمر: «واخد 3 مرات مركز أول على مستوى محافظة سوهاج، و3 ميداليات ذهبية، وميدالية فضية على مستوى الجمهورية فى رياضة تنين العرب، وأخد ميدالية ذهبية ومركز أول على مستوى الصعيد فى رياضة القتال المختلط». شقيقته «نورهان» بنت العشرة أعوام، حصلت على المركز الأول فى الكونغ فو، إضافة إلى ميداليتين ذهبيتين، كما حصلت على المركز التانى والميدالية الفضية على مستوى الجمهورية فى رياضة تنين العرب. أما «منة الله» 6 سنوات، فقد اختارت أن تسلك الطريق وعمرها 4 أعوام، بتدريبات الجمباز لكنها قررت أن تشارك أشقاءها فى الكونغ فو وحصلت على ميدالية ذهبية على مستوى الصعيد، والمركز الثانى على مستوى المحافظة.
«منة الله» شاركت فى أرب جوت تالنت اختارت الجمباز منذ البداية، حيث كانت تتابع بعض القنوات التعليمية على اليوتيوب الخاصة به، وأعجبت كثيرًا بالفتيات اللاتى تفوقن فيه، لدى «منة الله محسن» 8 سنوات، بدأت التمرين عام 2016، كانت والدتها تشجعها وشقيقها الأكبر، اتجهت إلى تمرينات الاستريت فى البداية لعدم وجود مدرب جمباز فى الصعيد وشاركت فى بطولة الجمهورية 4 مرات، تقول والدتها: «كانت دايمًا بتواجهنا صعوبة المسافة لإن إحنا فى المركز والتدريب فى المحافظة». شاركت بطلة الجمباز فى برنامج المواهب «أرب جوت تالنت» عام 2019، كانت تثق والدتها بأنها سيتم قبولها لكن الموافقة أخذت مدة طويلة قبل أن تصل إليهم: «كانت مبسوطة جدًا بالمشاركة وده حفزها إنها تتمرن أكتر وتجيب حركات أكتر عشان تقدم عرض حلو، بس للأسف وصلت للمرحلة الأولى فقط رغم إنها خدت 3 نعم، والجمهور كان متفاعل معاها جدًا، بس معرفش إيه معيار البرنامج اللى بيخلى المتسابق يكمل لنصف النهائى»، قضت «منة» أيامًا مع والدتها فى لبنان وكان الفنان «أحمد حلمى» من أشد المعجبين بها هناك.
«ريداندا»: تفوقت فى الجمباز والتريكينج كانت «ريداندا عمر» 5 أعوام، طفلة نشيطة تحب الحركة، حتى أن والدتها كانت تفقد السيطرة عليها، فقررت أن تدفعها لتتدرب فى إحدى الرياضات، فاختارت الجمباز حيث يتمتع جسدها بدرجة عالية من المرونة، تقول والدتها: «شاركت فى عروض، منها عرض فى مدرستين، بس لسه مدخلتش بطولات، قلت لما تتمكن أوى هدخلها». بدأت «ريداندا» تدريباتها الرياضية وعمرها 3 أعوام، كما تفوقت فى رياضة «التريكينج» وشاركت فى عروض عديدة بها على مستوى مدارس الصعيد، تقضى الجزء الأول من يومها فى الحضانة ثم تعود إلى المنزل لكتابة واجباتها ثم تذهب إلى التدريب: «بتتدرب من الساعة 6 وبترجع بالليل يومين فى الأسبوع، ساعات بحضر معاها وممكن والدها، فى الصعيد مهتمين بالرياضة، ليها زمايلها بيلعبوا سباحة وواخدين بطولات فيها، وكاراتيه، وأنا لو كان عندى وقت كنت اشتركت ليها فى حاجات تانية بس عشان شغلى». كان هدف الأم أن تجعل طفلتها جريئة وشجاعة منذ صغرها، وبات الآن شغلها الشاغل بأن تتفوق وتشارك فى البطولات لتصنع مستقبلًا عظيمًا لذاتها: «فى البداية كنت بتضايق من حركاتها الكتيرة لكن دلوقت بقيت بحب ده، والحركات اللى بتاخدها فى التمرين بتعملها فى الشقة لإن مرونة جسمها عالية جدًا، وهى وصحابها بيحفزوا بعض، وهى كمان أصغر واحدة فيهم، ودايمًا تقولى نفسى أبقى بطلة». مؤكدة أن هناك انطباعًا سائدًا عن الصعيد أنهم لا يسمحون لأبنائهم بالتطوير من ذاتهم وأنهم يفضلون الزواج أكثر لكنه خاطئ «أمى بتشجعها جدًا وأخويا الكبير هو اللى اقترح عليا أقدملها وأدربها». «بسملة» بطلة فى الجمباز والكيك بوكسينج مضت 3 أعوام على مشوار «بسملة حمادة» 9 أعوام، فى رياضتى الجماز والكيك بوكسينج، شاركت فى البطولة الأولى وعمرها 7 سنوات، وحصلت على بطولة محافظة سوهاج مرتين، تقول والدتها: «بدأت بالجمباز وعمرها 6 سنين، ودايمًا بتروح عروض فى مدارس مع الكابتن والفرقة بتاعتها، وخدت بطولات كانت فى الجمباز والكينج بوكسينج، وبدأت فى التريكينج بعد ما اتطورت فيهم لكن لسه مشاركتش فى بطولات فيه». تؤكد والدتها أنها متفوقة دراسيًا، حيث تكون من أوائل المدرسة كل عام، وهذا شجعها على الاهتمام بها فى الجانب الرياضى أيضًا: «طالما هى شاطرة يبقى ليها حق تعمل كل حاجة، كمان جسمها مرن وزادت مرونته لما بدأت تلعب، عندها القابلية وقبل ميعاد التمرين بتجهزله بنص ساعة، وهى حابة الرياضة عشان الكابتن بتاعها، هى اللى اختارت الجمباز من وهى صغيرة بتعشقه، أنا وباباها بنشجعها ومكملين معاها لآخر المشوار، إحنا آه صعايدة بس الرياضة مش متحرمة علينا». موضحة أن الكثير من الأسر فى الصعيد متفتحة ولكن فى حدود الأدب والأخلاق. لم يقتصر اهتمام «بسملة» على الرياضة فقط، فهى تحفظ القرآن أيضًا: «لما بحب أعاقبها بعاقبها بالتمرين لإنه أهم حاجة عندها وأكتر حاجة بتحبها، إحنا عندنا عيب وحرام وغلط وصح، ومعودينها طول ما هى مش بتغضب ربنا يبقى كله تمام، بتروح التمرين لوحدها وترجع لوحدها، لبسها محترم كمان في التمرين، نفسها تروح مصر وتلعب هناك وتاخد بطولة الجمهورية وتسافر برا وتاخد بطولات بجانب تعليمها، ونفسها تطلع دكتور أطفال».