من أجل الخير، تنير البلاد مصابيحها فرحًا، تحتفل بانتصار الخير على الشر، والنور على الظلام، والعلم على الجهل، وهو ما تفعله الهند فى عيد «ديوالى»، أو ما يسمونه ب«السنسكريتية»: «ديفالى» التى تعنى صفًا من الأضواء. يُعد «ديوالى» أحد أشهر الأعياد الهندوسية الدينية، ويُقام لمدة 5 أيام كل خريف، والنور فيه رمز للأمل والنصر، وهذا المهرجان من أكثر المهرجانات شعبية، وينتظره الناس بلهفة، وذروة المهرجان فى اليوم الثالث وتسمى ديوالى الرئيسية، وهى عطلة رسمية فى نحو 12 بلدًا حول العالم فى حين يتم الاحتفال بالأعياد الأخرى كإجازات عامة أو اختيارية محدودة فى الهند. تحتفل الديانات الهندوسية والسيخية و«جاين دارما» بهذا المهرجان، رغم أن كل ديانة منهم لها إيمانها الخاص بهذا المهرجان، لكن المهرجان يشير إلى أحداث وقصص تاريخية مختلفة، ويمثل نفس النصر الرمزى للضوء على الظلام، والمعرفة على الجهل، والخير على الشر. تاريخيًا: تعود أصول «ديوالى» إلى الهند القديمة، ويُرجح أنه بدأ الاحتفال به كمهرجان حصاد ومع ذلك توجد الكثير من الأساطير التى تشير إلى أصل «ديوالى»، ويعتقد البعض أن هذا المهرجان يعود إلى زواج «لاكشمى» إلهة الثروة ب«فيشنو» الإله الأعلى أو الحقيقة العليا فى الهندوسية، فيما يرى البعض أنه يرمز إلى الاحتفال بعيد ميلاد «لاكشمى». هناك آخرون يرون أن هذا المهرجان هو إحياء لذكرى «راما»، الإله الهندوسى البطل الذى عاد إلى شعبه بعد 14 يومًا من المنفى، الذى يُقال إنه قاتل فيه ملك الشياطين «رافانا»، ولذلك من أجل الاحتفال بفوز «راما» تضاء الأنوار فى المنازل والشوارع والشركات. فى بنجلاديش، يُخصص هذا المهرجان لصالح عبادة الأم «كالى»، الإلهة المرتبطة بالموت والدمار فى الهندوسية ويعبد أيضًا الإله الهندوسى «غانيشا» ذو رأس الفيل ويرمز للابتهاج والحكمة، ويُعبد فى هذا اليوم فى المنازل الهندوسية. وفى ديانة «جاين دارما»، يشير الاحتفال بمهرجان «ديوالى» إلى الاحتفاء بالموت الجسدى ل«ماهافيرا» الذى يعنى البطل العظيم، وهو اللقب الذى يُطلقه المؤمنون بهذه الديانة على الرجل الذى طور ديانتهم، محققًا النعيم الأبدى والسعادة. يُقام مهرجان «ديوالى» فى نهاية أكتوبر وأوائل نوفمبر من كل عام، ليكون متوافقًا مع 15 من شهر Kartik الهندوسى،لذا فهو يختلف فى كل عام عن سابقه، ورغم أن الاحتفال بهذا المهرجان يستمر 5 أيام كل عام فى أوائل الخريف، وبعد انتهاء موسم الحصاد الصيفى،إلا أنها تختلف من منطقة لأخرى، لكن المهرجان يبدأ يوم 7 نوفمبر فى شمال الهند وباقى البلدان، ويبدأ فى جنوبالهندوجنوب شرق آسيا فى 6 نوفمبر لتتزامن ذروة الاحتفالات فى اليوم الثالث مع أحلك ليلة فى التقويم الشمسى القمرى الهندوسى. يتميز كل يوم فى الخمسة أيام من الاحتفالات بأن له طابعا خاصا، وُعرف اليوم الأول ب«Dhanteras»، المشتق من «dhan» وتعنى الثروة و«teras» بمعنى اليوم ال13، ويقام يوم 13 من شهر kartik الهندوسى. فى هذا اليوم، ينظف الهندوس المنازل والمبانى التجارية ويثبتون مصابيح صغيرة فخارية مملوءة بالزيت تضاء خلال ال5 أيام بالقرب من أيقونة «لاكشمى» و «غانيشا»، ويزين الأطفال والنساء أبواب المنازل والمكاتب بواسطة فن «الرانجولى» باستخدام الأرز الملون والطحين الجاف والرمال الملونة، بالإضافة إلى الزهور، كما يزين الرجال والأطفال أسطح وجدران المنازل والأسواق والمعابد، ويمثل هذا اليوم أيضًا يومًا مهمًا للتسوق وشراء أصناف وأدوات جديدة كالنباتات أو الأنوار والمعدات المنزلية والمجوهرات وألعاب نارية. وفى المساء يؤدى الهندوس الصلاة إلى لاكشمى وغانيشا، وتقدِّم قرابين من الأرز المطبوخ ولعب الحلوى وكعك الأرز و«batashas» كعك مصنوع من السكر، ويمثل Dhanteras رمزًا للتجديد السنوى والتطهير وبداية مبشرة للسنة المقبلة. اليوم الثانى المعروف باسم «Naraka Chaturdashi»، المشتق من مصطلح «choti» يعنى القليل و«Naraka» تعنى الجحيم، تفسر طقوس الاحتفال بهذا اليوم لتحرير أى روح من معاناتها فى الجحيم فضلًا عن التذكير بالسعادة الروحية، ويعتبر الهندوس هذا اليوم يومًا للصلاة من أجل سلام نفوس الأسلاف وإضاءة طريقهم فى رحلتهم فى الحياة الآخرة، ويستيقظون فى هذا اليوم مبكرًا قبل شروق الشمس حتى يتلقوا تدليكًا بالزيوت المقدسة على أجسامهم لتخفيف التعب، ثم يأخذون حمامًا طقسيًا، لأن هذا اليوم دمر «كريشنا» الشيطانة «ناراكاسورا» محررًا بذلك العالم. اليوم الثالث هو ذروة المهرجان، ففيه تتوهج معابد ومنازل الهندوس والسيخ بالأضواء، وتكثر الزيارات العائلية، ويقوم أصحاب الأعمال الصغيرة بتقديم هدايا أو علاوات استثنائية لموظفيهم ولا تفتح المتاجر فى ذلك اليوم مما يتيح للموظفين الاستمتاع بوقت مع العائلة. ومع اقتراب المساء يرتدى المحتفلون ملابس جديدة وترتدى الفتيات والنساء السارى والحلى ثم تجتمع العائلة حتى تؤدى طقوس صلاة التى تعرف باسم «Lakshmana puja» وعند انتهاء مراسم صلاة يذهب الناس إلى الخارج ويحتفلون بالألعاب النارية ثم يتشاركون تقاسم الهدايا والحلوى ووليمة العائلة. وفى اليوم الرابع «Govardhan Puja» تقدم المصابيح الزيت الخفيفة ويوضع الطعام النباتى للإله «كريشنا»، فى المعابد أو الأضرحة المقدسة داخل منازلهم، ومن الطقوس أيضًا الاحتفال برابط الزواج ففى بعض المجتمعات الهندوسية يتم الاحتفال بإحضار هدايا لزوجاتهم بينما فى مناطق أخرى يدعو الآباء الأبناء المتزوجين حديثا لتناول الطعام مع العائلة، إلى جانب تقديم هدايا لهم. وفى بعض المجتمعات الريفية، بالمناطق الشمالية والغربية والوسطى، يتم الاحتفال باليوم الرابع باسم Govardhan puja، بتكريم أسطورة الإله الهندوسى «كريشنا» لإنقاذه المزارع من الأمطار المتواصلة والفيضانات الناجمة عن غضب «اندرا» إله الحرب والطقس، فيتم إحياء هذه الأسطورة من خلال طقوس بناء منمنمات صغيرة تشبه الجبال من روث البقر، إذ يعد استخدام روث البقر وهو سماد شائع، نموذجا زراعىا واحتفالا بأهميته فى الدورات الزراعية السنوية. ويسمى اليوم الأخير بيوم الأخ وفيه يتم الاحتفال برباط الأخوة والرابطة الأخوية بين الأخ والأخت، وفيه تتجمع نساء العائلات، يؤدين الصلوات من أجل رفاهية إخوانهن، ثم يعدن لإطعامهم بأيديهن وتلقى الهدايا وفى بعض التقاليد الهندوسية تروى النساء حكايات حيث تحمى الأخوات إخوانهن من الأعداء الذين يسعون إلى إلحاق الأذى به جسديا أو روحيا. ويعتبر الغذاء هو موضع تركيز رئيسى للأسر المشاركة فى هذا المهرجان ويعد «ديوالى» أيضًا فترة لتقوية العلاقات والروابط الأسرية بين العائلات التى من طقوسها أن يرسل بعض الهندوس والسيخ بطاقات معايدة خلال مهرجان «ديوالى» لأفراد العائلة القريبة والبعيدة، وفى بعض الأحيان يرفقون بطاقات المعايدة مع علب من الحلويات الهندية.