فى أول تحرك عملى بعد تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى بالقضاء على قوائم الانتظار فى المستشفيات، أخرجت الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة والسكان من جعبتها قرارًا يلزم المستشفيات الحكومية بإذاعة السلام الجمهورى، ويجبر الأطباء على أداء قسم الطبيب صباح كل يوم، وهو ما فتح سيلًا من الانتقادات خلال الأسبوع الماضي، وصل من طرقات وزارة الصحة والمستشفيات إلى مجلس النواب. قرار الوزيرة لم يلق أى قبول من جانب المواطنين أو الوسط الطبي، ووصفه البعض بأنه يتعارض من توجيهات الرئيس بتحسين أحوال المستشفيات والتوسع فى مشروع المستشفيات النموذجية والقضاء على قوائم انتظار المرضي، ونواقص الأدوية وتوسيع مظلة التأمين الصحى والقضاء على فيروس سي. القرار الذى أصدرته هالة زايد وعممته على المستشفيات بدعوى أنه يعزز قيم الانتماء للوطن لجميع المستمعين فى المستشفيات سواء للمريض أو الأطقم الطبية، كما أن بث القسم يذكر الأطباء بمبادئ الإنسانية ، والتى هى أساس أى عملية خدمية نبيلة تقدم للإنسان، جاء بعد أقل من 5 أيام على الاجتماع الذى عقده الرئيس السيسى بالوزيرة بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، والذى أكد فيه على إجراء مسح طبى للكشف عن فيروس «سي» لدى المواطنين، وتوفير العلاج لمن تظهر إصابته بالمرض، حيث كلف الرئيس الحكومة بمواصلة تطوير القطاع الصحى فى مصر بشكل شامل، مؤكدًا ضرورة أن يؤدى تطبيق المنظومة الجديدة للتأمين الصحى إلى تحقيق نقلة نوعية فى جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين والارتقاء بها على نحو يشعر به المواطن ويعالج التحديات التى تواجه هذا القطاع الحيوي. ووجه الرئيس باستمرار العمل على توفير الرعاية الصحية اللائقة بمختلف المحافظات فى إطار المشروع القومى للمستشفيات النموذجية، وكلف بإضافة 18 مستشفى جامعىًا للمشروع بما يساهم فى التخفيف عن أهالى المحافظات وعدم احتياجهم للانتقال من أماكن إقامتهم للمحافظات الأخرى لتلقى العلاج. وإطلاق مشروع تحسين بيئة العمل للأطقم الطبية العاملة فى مستشفيات الصحة، بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدنى والمحليات. إحصائية حديثة للمركز المصرى لحماية الحق فى الدواء كشفت أن 60 % من المستشفيات الحكومية تفتقر للخدمات الأولية للرعاية الصحية، ونقص ملحوظ فى الأسرة وأجهزة الأشعة وعجز فى فنيى الأشعة والأطباء وطاقم التمريض ونقص فى الأدوية، وهو ما دفع بعض المستشفيات لوضع صندوق خارج المبنى لجمع التبرعات ومنها المعهد القومى للمسالك البولية بالمطرية. وفق آخر دراسة عن الوضع الصحى فى مصر للجهاز المركزى للتعئبة والإحصاء رصدت الدولة 54.922 مليار جنيه كنفقات بقطاع الصحة، وهو ما يمثل 4.5 % من إجمالى الإنفاق العام للدولة، وحتى نهاية 2016 كان يوجد هناك نحو 1679 وحدة صحية بالجمهورية، منها 662 وحدة تابعة للقطاع الحكومى، و1017 وحدة تابعة للقطاع الخاص، بنسبة 60.6 % من إجمالى عدد الوحدات الصحية فى مصر، تضم نحو 126.595 سريرًا، من بينها 93.897 ألف سرير بوحدات القطاع الحكومى، و32.698 ألفًا بوحدات القطاع الخاص بنسبة 25.8 % من جملة عدد الأسرَّة. الدارسة كشفت أن أكثر المحافظات التى بها عدد وحدات صحية هى القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، ودمياط، بينما فى المقابل تعتبر أقل المحافظات التى يوجد بها أقل عدد من الوحدات الصحية شمال سيناء، والبحر الأحمر، والأقصر، وجنوب سيناء، والفيوم، ورصدت نحو 1561 مركزًا للوحدات الصحية على مستوى الجمهورية، و462 مكتب فحص صحى للراغبين فى الزواج. بلغت تكلفة العلاج على نفقة الدولة بالداخل خلال عام 2016 – بحسب الدارسة- نحو 5 مليارات جنيه لعلاج 2.264 مليون مريض، وتكلفة العلاج على نفقة الدولة بالخارج 9 ملايين جنيه لعلاج 62 مريضًا، مشيرة إلى أن العيادات الخارجية، والاستقبال بالمستشفيات التخصصية، استقبلت خلال 2016، ما يزيد على 13.6 مليون مريض، بينما استقبلت العيادات الخارجية بالمستشفيات العامة والمركزية 64.781 مليون مريض. عضو لجنة الصحة بالبرلمان الدكتورة شادية ثابت، انتقدت قرارات وزيرة الصحة، مطالبة إياها بالتركيز على الأولويات التى يجب إصلاحها فى القطاع الصحفى فى مصر وعلى رأسها رواتب الأطباء فلا يصح أن يكون راتب الطبيب 1500 جنيه فى ظل زيادة الأسعار مما سيدفعهم للعمل بالمستشفيات الخاصة، وهو ما يتسبب فى تدهور أوضاع المستشفيات الحكومية، وينعكس بالسلب على المرضى، وإعادة النظر فى فى البنية التحتية للمستشفيات وتوفير المستلزمات الطبية، وحل مشاكل نقص الأطباء وندرتهم فى بعض التخصصات. قرار الوزيرة تسبب فى حالة من الغضب والغليان فى العديد من المستشفيات الحكومية، وهو ما أكده مدير أحد المستشفيات الحكومية -رفض ذكر اسمه خوفًا من بطش الوزيرة-، قائلًا: «هناك حالة استياء من سياسة الوزيرة الجديدة التى لم تتطرق إلى وقتنا هذا لحل 90 % من مشاكل الصحة تمثل كارثة طبية حقيقية ستنفجر فى وجه المرضي»، مطالبًا الوزيرة بالنزول إلى المستشفيات وترك المكتب المكيف وعمل اجتماعات مكثفة مع مديرى المديريات بالمحافظات، حيث إن هناك مستشفيات فى بعض المحافظات لا توجد بها أدوية، فضلًا عن عدم التزام 70 % من الأطباء بالحضور، كما أن 90 % من المستشفيات الحكومية تطلب من المريض إحضار الأدوية من الخارج كالشاش والقطن والجبس والخيط، وفى بعض المستشفيات يدير العاملون بالمستشفى هذه الأمور ويقومون ببيعها للمريض. المركز المصرى للحقوق فى الدواء أكد أن الصحة جزء من الأمن القومي، مطالبًا الدولة بالتحكم جيدًا فى تسعير الخدمات الصحية، بحيث لا تترك المستشفيات عامة وخاصة لسياسات العرض والطلب، مضيفًا أن للدولة خططًا وأهدافًا تريد تنفيذها، بناء على خريطة الأمراض وعدد السكان، على أن يتم هذا فى ضوء إعادة هيكلة المستشفيات، وليس للتخلص منها أو التنازل عنها. وطالب المركز القائمين على قطاع الصحة بالعمل على تنفيذ تكليفات الرئيس السيسي، وحل المشاكل المترتبكة فى القطاع، والتى أدت لمطالبات بضرورة إصلاح النظام الإدارى لتشغيل المستشفيات العامة، وتأهيل وتدريب قيادات المستشفيات. محمود فؤاد، مدير المركز المصرى لحماية الحق فى الدواء، يقول: إنه على الرغم من أن وزارة المالية خصصت 61.8 مليار جنيه لقطاع الصحة فى العام الجديد بزيادة عن العام السابق الذى كان 54.9 مليار جنيه، إلا أن الدعم الحكومى المخصص للتأمين الصحى وشراء الأدوية بالموازنة، بلغ 3.340 مليار جنيه، فى حين كان 3.828 مليار جنيه العام الماضى بانخفاض نحو 500 مليون جنيه. وأعرب عن تخوفه من تقليل الدعم المخصص للألبان أو الأدوية الحيوية، وبالتالى تتعرض فئات كثيرة للمعاناة مثلما حدث فى فترات سابقة، لافتًا إلى أن جملة الإنفاق الحكومى على الصحة التى بدورها تنعكس بشكل مباشر على الخدمات الصحية المقدمة لا يتعدى فعليًا 2.2% من الناتج المحلى الإجمالى المتوقع للعام المالى 2018-2019، وهى النسبة التى تعد أقل من نصف الاستحقاق الدستورى البالغ 3% الذى تضمنه الدستور المصرى وفق المادة 18 منه. وأكد الدكتور عبد الحميد أباظة، مساعد وزير الصحة السابق، أننا لدينا أكثر من 70 % من الأبنية الصحية بالمستشفيات متهالكة مما ينذر بكارثة صحية داخل المستشفيات قريبًا، ولدينا 2000 مستشفى بالقطاع الخاص والمراكز منها 600 مستشفى تابعة لوزارة الصحة والسكان، ونسبة الإشغال فيها تصل إلى 40 % فقط وهذا رقم ضعيف، وهو ما يؤكد أننا أمام فجوة كبيرة بين عدد المستشفيات ونسبة الإشغال، فمن الممكن أن تستوعب المستشفيات المرضى ولكنها تحتاج لتطوير، ومن هنا يجب إصدار قرارات بضرورة وقف بناء مستشفيات جديدة وتحويل الأموال للصرف على ما هو قائم من مستشفيات حالية. عدد كبير من العاملين فى القطاع الصحى طالبوا الوزيرة بالتركيز عى أحوال القطاع وحل المشاكل الموجودة به أولًا، قبل إصدار قرارات لا تخدم الطبيب والمريض، بل على العكس تزيد من حالة الغضب الشعبى على تردى الأوضاع بالمستشفيات، فبدلًا من إذاعة السلام الوطنى يجب توفير الأدوية والراحة للمرضى، وأن يجد كل مريض سريرًا داخل المستشفى وخدمة جيدة دون مغالاة. وتساءل عدد من الأطباء هل هذا هو التحسن السريع الذى طالب به الرئيس السيسى الوزيرة فى الاجتماع الأخير، والذى يعود بالفائدة على صحة المواطنين، ورفع مستوى التدريب لعناصر المنظومة الطبية بما يعزز من مكانتهم الإقليمية والدولية؟.