ما إن أعلنت علياء ابنة مهدى عاكف مرشد جماعة الإخوان الإرهابية خبر وفاة والدها قبل أيام حتى راحت كتائب الجماعة على الإنترنت وفلولها فى مختلف الأقطار تتبارى فى نعته بتوصيفات مثل: «الإمام الشهيد» و«شيخ المجاهدين» و«ثائر العصور الأربعة»، بل وراحت عناصر الجماعة فى القنوات التابعة لهم تشبه مرشدهم السابق بالزعيم الليبى الراحل عمر المختار، وذهب بعضهم إلى ما هو أبعد فادعى أن الرجل قد اغتيل. 1 - لسنا هنا بصدد الشماتة فى شخص فارق الحياة، فحسابه عند ربه وقد أفضى إلى ما قدّم، ولكن ما يسترعى الانتباه حقًا هو السلوك الإخوانى الذى حاول صناعة «أسطورة» لرجل يعرف الإخوان قبل غيرهم أنه لا يمتلك من مقوماتها شيئا، فالرجل الذى خرج من مكتب الإرشاد بانقلاب شهير فى يناير 2010 دبره رجل التنظيم الحديدى محمود عزت، لم يكن يحظى بشعبية داخل جماعته تحفظ له البقاء على رأس السلطة فيها، فأصبح أول مرشد سابق للجماعة على قيد الحياة. لن نقف طويلًا أمام سقطات مهدى عاكف الإعلامية بداية من عبارة «طظ فى مصر وأبو مصر واللى جابوا مصر» وصولًا إلى عبارة «لو وصلنا السلطة هانضرب معارضينا بالجزمة»، فالرجل كانت مشكلته الحقيقية أنه لا يجيد مهارة الإخوان فى إخفاء ما فى نفوسهم من غل تجاه المجتمع الذى يعيشون فيه، لكن المفارقة أن معيار الحكم الذى ظلت تستند إليه الجماعة ضد معارضيها وهو «بيننا وبينكم الجنائز» لم يكن فى صف كبيرهم الذى علمهم الكفر بالدولة، إذ اقتصر العزاء فيه على صلاة الغائب التى شهدها منزل يوسف القرضاوى بالدوحة فى قطر والتى شارك فيها ولداه «عاكف» و«على» وعدد من قيادات الجماعة على رأسهم خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وبعض دعاة التكفير مثل محمد عبدالمقصود وعاصم عبدالماجد. القضية إذًا أكبر من شخص «عاكف» وهى تتعلق بحرفة أجادتها جماعة الإخوان منذ نشأتها ولم تزل تمارسها حتى الآن وهى «صناعة الأصنام» وللأسف تجد لها سوقًا رائجة بين أنصاف المتعلمين، فلا يكاد مصرى يذكر أسماء 3 من شهدائنا فى حرب 1967 لكن كثيرين يعتبرون القاتل «قطب» شهيدًا أو على الأقل رجل دين خيّر، رغم كونه مؤسس فكرة العنف لدى جميع التنظيمات الدينية. تعكس الأساطير الصورة التى تحتفظ بها الجماعات والشعوب لنفسها، لذا نجد أن الجماعة تعتنى جيدا بأساطيرها وخرافاتها، وتعمل على إبقائها حية فى أذهان أعضائها، وبالذات لدى أجيالها الجديدة، لأنها ترى فيها شكلا من أشكال الاستمرارية للفكرة الإخوانية على قيد الحياة. التنظيم يكذب الكذبة، ثم يصدقها، ثم ينفخ فيها ويضخمها، ثم ينشرها بين قواعده المؤهلة تحت وطأة السمع والطاعة لتصديق الخرافات، ومن ثم تترسخ جيلا بعد الآخر لتتحول إلى واقع رغم كل آيات زيفها.. يفعلون ذلك لإراحة ضمائرهم وتنصلا الفشل، ومن مسئولية الخطايا التى ترتكب، باسم الدين تارة، وباسم الفرقة الناجية من المجتمع الكافر الجاهلى تارة أخرى. 2 - يلجأ الإخوان إلى الأساطير فى أوقات المحن والأزمات ويقومون باستدعاء مشاعر المظلومية والاضطهاد، كما هو حال التنظيم الآن، فالمحنة الإخوانية الحالية بدأت بسقوطهم من السلطة فى 30 يونيو وبلغت ذروتها فى اعتصام رابعة ويبدو أنها ستظل مستمرة وقتًا طويلًا، فمن على منصة رابعة أتبع المرشد السابق محمد بديع اسم سلفه مهدى عاكف، بعبارة «رضى الله عنه».. بديع منح صك القداسة لعاكف بالمجان. مع طول فترة الاعتصام التى امتدت لأكثر من 47 يومًا، بحث المنظمون عن أساطير علها تكون أحد العوامل التى تجيش القواعد الإخوانية وتحفزهم على البقاء، فراح الشيخ جمال عبدالهادى يقول إن هناك رؤية تواترت على ألسنة «الصالحين» فى المدينةالمنورة بالسعودية أنهم شاهدوا «جبريل» فى مسجد رابعة يُثبت المصلين فى المسجد، فيما روى أحد القيادات من أعلى المنصة خرافة أخرى ادعى أنها رؤية، فحواها أن أحد المعتصمين رأى فى منامه مجلسًا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والدكتور محمد مرسى وعدد من الحضور دون ذكر أسمائهم، فحان وقت الصلاة، فقدَّم المجتمعون الرسول، ولكن الرسول الكريم قدَّم محمد مرسى. من الخرافات التى أثارت سخرية الكثير تلك الرؤية التى أبلغها الدكتور جمال عبدالهادى للمعتصمين «أن أحد الإخوان شاهد 8 حمامات خضراء على كتف الدكتور محمد مرسى فأوَّلها بأن مرسى سيكمل مدة 8 سنوات»، ومن ضمن أساطير ليالى الاعتصام أيضًا أن الدكتور جمال عبدالهادى شاهد فى منامه صحراء بها 50 جملًا وبها شباب وأطفال صغار يلعبون فى الرمل، ولكن مع الوقت جاع الشباب والإبل، واشتد بهم العطش، فكان الفزع لله، ومع اشتداد الاستغاثة بالله انفلقت الأرض فخرجت ساقية ارتفاعها 10 أدوار تقلب الأرض وشربت الإبل وشرب الناس والأطفال، وسمع الناس صوتًا: «ارعوا إبل الرئيس محمد مرسى». 3 - لأن محنة الإخوان الحالية ليست الأولى فى تاريخ الجماعة فقد حفلت مناهج التربية لديهم بما لا يمكن تصديقه عقلا ولا قبوله حتى عرفًا، فقد رفعت قيادات الجماعة إلى مصاف الصحابة، وصبغت التنظيم، بمظاهر الإيمان المطلق، بينما يوصم أعداؤه زورًا بالكفر والعمالة والخيانة. الأساطير الإخوانية التى كانت تتردد فوق منصة رابعة، لا تبدو نشازاً إذا ما تم التدقيق فى التاريخ الإخوانى، إذ تقول الأسطورة فى الإخوان أن جسد البنا لا يزال سليمًا فى قبره، لم يتحلل، ويبقى على حالته التى دفن بها، تمامًا كأجساد الأنبياء المرسلين. حياة البنا، فى العرف الإخوانى، كلها كرامات، فالمرشد المؤسس خر أمامه ثعبان وتراجع عن لدغه، وهو طفل صغير ببلدته فى المحمودية، لأن الله كان يحتفظ به لهداية الأمة. عاش التنظيم ولا يزال على خرافة، أن الله ابتلى مصر بنكسة 67 استجابة لدعوة سيد قطب قبيل إعدامه «اللهم إجعل دمى لعنة على نظام عبدالناصر». 4 - من الشخصيات الإخوانية الخارقة أيضا زينب الغزالى، وهى الإخوانية الأخطر فى تاريخ مصر وأول من قيل عنها إنها من الحرائر بسبب سجنها لمدة 6 سنوات فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ساعدت الغزالى سيد قطب فى إحياء تنظيم الإخوان عام 1965، كما كانت أحد أسباب صانعى «تنظيم الفنية العسكرية» إذ كانت حلقة الوصل بين شباب الإخوان وصالح سرية مؤسس هذا التنظيم، وهى تقول فى كتابها الشهير «أيام من حياتى»، إن كلاب معتقلات الستينيات هاجمتها وحاولت نهش لحمها، إلا أنها لم تمس بأى سوء، ولم تقطع ثيابها أو يخدش جسدها أو يجرح. الغزالى قالت فى مذكراتها إنها تعرضت لألوان مختلفة من التعذيب لا يقدر عليها إنسان وتكفى لنصف نساء مصر، وادعت كذبا أنه تم جلدها 500 جلدة 6 مرات و250 جلدة مرة واحدة، وتم تعليقها على أعمدة من الحديد والخشب 11 مرة، وضربت بالسياط 46 مرة، ووضعت فى غرف الكلاب المسعورة 9 مرات، وتركت بلا ماء أو طعام 6 أيام متتالية، وأدخلوها زنازين الماء 5 مرات، وغرف النار 3 مرات، وحاولوا أن يفعلوا بها الفحشاء 3 مرات. تعتبر الغزالى من أكثر نساء الإخوان إثارة للجدل، حيث اتهمها سيد قطب صراحة فى محاضر التحقيق معه فى قضية تنظيم 1965 بأنها عميلة للمخابرات الأمريكية، وفقا لما قاله الإخوانى منير الدلة عنها بأنها مدسوسة من المخابرات الأمريكية لاختراق الإخوان من خلال شباب متهور على حد تعبيره- ليضرب بذلك البطولات الزائفة لزينب الغزالى التى بدأت داعية لتحرير المرأة، ثم تحولت إلى الإخوان مع حسن البنا بعد حادثة حريق كبرى فى منزلها حولها إلى التيار الإسلامى. قادة الجماعة الحاليون والسابقون بنوا أسطورتهم وأمجادهم الشخصية على خرافات وأكاذيب وأنصاف حقائق، للسيطرة على القواعد، فخيرت الشاطر الذى يعرف خارج التنظيم بأنه الرجل الحديدى والمحفظة النقدية الأضخم فيه، يشار إليه داخل الجماعة باعتباره رجل «بركة»، بينما كان يطرح على الرأى العام باعتباره «يوسف هذا العصر.. الذى خرج من السجن ليحكم مصر»، والآن يوصف مرسى بأنه لقمان هذا العصر، وأنه عائد لحكم البلاد إن عاجلا أو آجلا.