لعل أبرز ما جاء فى احتفالية افتتاح الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الدولى للمسرح التجريبى سابقا والمسرح المعاصر والتجريبى الآن هو تكريم منتقى لأعلام المسرح المصرى والدولى وهم اسم الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبدالرحمن وأ.د مارفن كارلسون الناقد الأمريكى الهام والناقد المغربى المؤسس والمعاصر د. حسن المنيعى، والمخرج الصينى الكبير منج جن خواى، والأستاذة الناقدة الألمانية أريكافيشر ليشته بحضور وزير الثقافة الكاتب الصحفى حلمى النمنم ورئيس المهرجان منذ العام الماضى د. سامح مهران وجمع من المسرحيين المصريين، هذا ويستحدث المهرجان فى دورته الحالية مجموعة من الورش التدريبية هى تسع ورش متنوعة وهى إضافة مهمة لدوره المعرفى فى مختلف تخصصات المسرح. وإن كان من الممكن تقديمها على مدار العام لإتاحة الوقت للمسرحيين بالمشاركة بها على التوالى وإتاحة إمكانية مشاركة أعداد أكبر، وهى ورش من الضرورى توثيقها وإتاحتها عبر الموقع الإليكترونى للمهرجان للمهتمين والمتخصصين فيما بعد، خاصة فى ظل ندرة سفر المسرحيين للتدريب فى الخارج فى الآونة الأخيرة. هذا ويشارك فى تلك الدورة سبعة وعشرون عرضاً مسرحياً منها عروض مصرية وسبعة عروض عربية وثلاثة عشر عرضاً أجنبياً، وكان أولها عرض الافتتاح لفرقة تبليسى من دولة جورجيا وهو عرض ينتمى للمسرح الراقص المعاصر، وقد جاء فى صور مسرحية مبسطة ليست جديدة على هذا النوع المسرحى لكنها متقنة وجريئة فى معالجة لمسرحية الشقيقات الثلاث لتشيكوف (1860 - 1904) الشهيرة التقليدية القائمة على الحوار الدرامى، وهى تستدعى فكرة العزلة الاجتماعية وضرورة قدرة الإنسان على تجاوزها فالأحلام أقرب للإنسان مما يتصور إذا ما بادر للخروج والاشتباك مع العالم، أما عودة المهرجان مرة أخرى فهى فرصة لتأمل التراكم التاريخى الذى أنجزه د. فوزى فهمى رئيس المهرجان السابق مع الفنان التشكيلى الكبير فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق وهو تأمل يصدر عن مبدأ هام هو أن الخلاف حول السياسات الثقافية ليس سبباً لقطيعة حمقاء مع الماضى القريب. فقد حدث ولاشك منذ مهرجان القاهرة الدولى الأول 1998 أن طرح مفهوم التجريب بشكل مؤثر وواضح، ولاقى قبولا من مجموعة كبيرة من المسرحيين، وعلى وجه التخصيص من المؤلفين والمخرجين، كان أغلبهم من الجدد والشبان، وقد كان ميلادهم فى نهاية التسعينيات مع مجيء هذا المشروع الذى كان مشروعا لوجودهم وعلامة على تحققهم المختلف عن السائد آنذاك. وجدير بالذكر أن كل الأبواب كانت قد فتحت لهذا المشروع التجريبى ممثلا فى ذراعه الرئيسية ألا وهى المهرجان الدولى للمسرح التجريبى، بدعم تام من وزارة الثقافة المصرية صاحبة السلطة فى الإنتاج، وكانت قد تفرغت لتسويق تلك الأفكار التجريبية المسرحية على نطاق واسع امتد للصحافة والنقد والدوائر الثقافية المتعددة. ولذلك أضحى المهرجان فى الحياة الفنية المصرية والدوائر العربية المتفاعلة معها مشروعا تحديثيا، توقف قليلا فيما بعد ثورة يناير 2011 ثم عاد 2016 فى موعده الخريفى فى سبتمبر، وهذه هى دورته الجديدة 2017. هذا وقد عاصر كاتب هذه السطور تلك المرحلة المهمة من تاريخ المسرح المصرى المعاصر، وشارك فيها بالإنتاج النقدى، وهى فترة شغف حميم بمتابعة أحداثها المسرحية والثقافية. ولذلك وبعد مرور فترة من الزمن وتوقف المهرجان ثم عودته، يمكن رؤية ذلك المشروع المسرحى التجريبى من زاوية مختلفة بعيدا عن تكرار الحديث عن قبوله أو رفضه، وهى زاوية السؤال عن المعادلة التى حدثت لتفاعل مفاهيم التجريب الوافدة مع الواقع المسرحى المصرى؟ وما مقدرتها على تغيير طبيعة العملية الإبداعية والنقدية فى المسرح المصرى فى ظل حضور مشروع الدولة التجريبى وغيابه؟ جدير بالذكر أن النمط الأساسى للتفاعل كان على طريقة الصدمة الثقافية والاستزراع القسرى لجماليات تلق جديدة على مفهوم جماليات التلقى السائد قبل المشروع التجريبى. ولا شك أن هذا المشروع التجريبى قد كان إسهاما فى محاولة جادة لاستعادة الدور المحورى للمسرح المصرى فى المنطقة العربية بالبحث عن مفهوم جديد معاصر للمسرح، كما أن تأثر الحركة المسرحية به فى مصر والوطن العربى يأتى تأثرا فى تفاعل المسرح الوطنى والمسارح المحلية المختلفة مع التيارات الوافدة عن طريق الرفض التام لعدم اتساقها مع الذائقة الأساسية للجماهير المصرية والعربية، ولذلك بقى المسرح التجريبى وسيظل مشروعا نخبويا إلا أن امتصاص المسرحيين لصوره ومفاهيمه المشهدية وطرائقه الحرة الجديدة كان امتصاصا ثقافيا إيجابيا، ساهم فى تغيير وتطور المعالجات والرؤى البصرية والسمعية فى العروض المصرية والعربية، بل وأثر أيضا فى صياغات المسرح التقليدى. ولكن تكمن المشكلة الحقيقية فى اعتقاد المؤسسة الثقافية الرسمية أن هذا النوع المسرحى التجريبى يمكن أن يكون مشروعها الواحد البديل عن الثوابت الضرورية الأخرى كالمسرح القومى والمسارح التقليدية والمسارح الجماهيرية ومسرح الطفل وما إلى ذلك، ودور المسرح المهم المفتقد فى تعزيز الهوية والثقافة الوطنية مما جعل المهرجان فعلا محل شك وريبة ظن به البعض أن هدفه دعم الصيغ الشكلانية والبعد عن التواصل الفكرى مع الجمهور العام. ولذلك فهو يبقى مهرجانا مهما، لكنه ليس ممكنا أن يستمر كفعل مسرحى بديل عن عودة ازدهار المسرح المصرى، أما الصفة التى تم إضافتها للمهرجان العام الماضى وهى صفة المعاصر، فهى صفة تفقده قيمته التاريخية التخصصية، ويمكن نزعها عنه وإضافة قسم خاص للعروض المعاصرة غير التجريبية، خاصة أن المسابقة الرسمية وجوائز النقاد قد ألغيت وأصبح المهرجان بلا جوائز ولا تقييم، كما أن الكتب المترجمة والتى هى الأثر العام الباقى فى المكتبة العربية من كل لغات العالم تم إيقافها تزامناً مع مشكلات عبثية حاولت فيها رئيسة أكاديمية الفنون د. أحلام يونس إلغاء مركز الترجمة واللغات بأكاديمية الفنون دون أسباب واضحة، ليصبح تفكيك مكونات المهرجان التجريبى الرئيسية وإضافة تناقض اصطلاحى ما بين المعاصر والتجريبى فى اسمه بمثابة تعديل جوهرى يجعل المهرجان قد توقف بالفعل منذ 2011، أما هذا العام والعام الماضى يمكن القول بأنه مهرجان جديد يشبه التجريبى لكن ليس هو بالتأكيد، خاصة مع الانخفاض الحاد فى العروض الأجنبية المشاركة، واختلاط تصنيفها العام الماضى بين عروض تقليدية للغاية وعروض تجريبية لفرق مجهولة فى معظمها، ولذلك فيجب التوصية بعودة المكونات الأساسية للمهرجان، لأن هذه الدورة لمهرجان جديد هو صورة باهتة من أصل منظم قوى أثر فى الحركة المسرحية والعربية، ونتمناه أفضل، كما ننتظر ونتمنى عودة الجماهير العامة للمسرح المصرى بدوره المهم والفاعل المنتظر كبيت تاريخى للثقافة الوطنية.