شكل الحضور الجماهيرى المنتظم للعرض المسرحى قواعد العشق الأربعين، والذى تقدمه فرقة المسرح الحديث على مسرح السلام ظاهرة ودلالة لافتة للانتباه، فى تقديرى يؤكد أن هناك جمهورًا كبيرًا فى مصر يستطيع أن يذهب الى شباك التذاكر من أجل مشاهدة المسرح كفن درامى وجمالى. فى تقديرى أن هذه الملاحظة عن الجمهور صاحب أفق الترقب والتوقع الثقافى الباحث عن أفكار فلسفية والساعى للاستمتاع بالغناء الفصيح والمسرح الجاد المعنى بالعناصر المسرحية للعرض الفنى هى الملاحظة المهمة التى أعلن العرض عن حضورها الفعال فى الواقع اليومى المصرى الذى نحرص فيه على الحديث عن الجمهور ككل واحد، بينما هو جماعات تلقى متعددة وكثيرة وذات مرجعيات مختلفة، وفى عصر سيولة وحرية الصور والمعلومات لا وصاية على الجمهور العام وليس من المنطق الحديث باسم الجمهور، لأنها جماهير متعددة ومختلفة ومتباينة، جماعة كبيرة منهم دعمت نجاح قواعد العشق الأربعين معبرة عن ميل مصرى خاص للتصوف المعتدل كجزء من طبيعة المصريين المتدينة السمحة. أما ما هو مستحق للتحليل وللانتباه أن حضور الجمهور للمسرح فى هذا العرض ليس سعيا أو ثقة فى نظام النجم الواحد، أو مجموعة النجوم، بل هو السعى نحو العمل ذاته حيث فريق العمل من الجدد المحترفين الموهوبين غير الملتحقين بنظام الشهرة العام، ولكنهم ها هم يدقون بابها من زاوية الفن المسرحى الجميل، ومن زاوية الجدية والإخلاص المهنى. أما الملاحظة الثانية فهى إيمان فريق العمل وعلى رأسهم المخرج الشاب عادل حسان بأهمية المسرح كفن جميل، حيث ظل الفريق يعمل لمدة عام كامل فى انتظار دار العرض المسرحى، الذى كان تحت التجديد، وكاد العرض أن يتبدد لولا إيمان المجموعة بعملها واعتصامهم أمام مسرح السلام بشكل قانونى وحضارى، مما أدى إلى إدراج العرض بالخطة الجديدة لهيئة المسرح التى ساهمت فى إضاعة جهد الفنانين بعد تدريبات طويلة تنتهى إلى عدم إنتاج العرض، مما أدى لحالة فقدان ثقة بين الفنانين والإدارة التى تعمل بلا عقود قانونية ولا تقديرات زمنية لأماكن ومواعيد العروض، ولذلك فهى لا تستطيع حتى الآن العودة لإعلان خطتها السنوية، أما عادل حسان فقد استطاع عبر إرادة واضحة الدفاع عن فنه، وذلك نتيجة لفكرة وحدة فريق العمل. وهو الأمر المبدئى العلمى الواضح فى عملية صناعة العرض، حيث تقوم الكاتبة رشا عبدالمنعم بتقديم نموذج تطبيقى لمفهوم الدراماتورج وهو صانع الدراما الذى يقوم بأدوار مهمة غير دور الكتابة، فورشة الكتابة للعرض مكونة منها وياسمين شغف وخيرى الفخرانى، أما هى كدراماتورج فقد أدت أدوارا مهمة مثل متابعة التدريبات كناقد داخلى ومبدع مشارك ودعمت الترويج الدعائى والتواصل مع الجمهور، وهو أحد أهم أدوار الدراماتورج وذلك بسعيها المتواصل لكسر حصار الإعلان الغائب، حيث اعتادت هيئة المسرح على الإعلان عن النجوم الشهيرة عندما تعمل داخلها، أما الجدد فتتركهم للصمت الإعلانى، بينما هم فى احتياج حقيقى للإعلان عنهم، وعن وجودهم فماذا فعلت رشا عبدالمنعم مع عادل حسان وفريق العمل؟ أطلقوا صفحة رسمية باسم العرض على الشبكة الدولية للمعلومات، وتواصلوا مع الآلاف من المستخدمين وقدموا مشاهد من العرض وصورا للحضور الجماهيرى وللصياغة المسرحية الجمالية المنضبطة. أما الملاحظة الثالثة أننا بصدد عرض يقرب المسافات بين جوهر الفن وجوهر الدين ويعزز المشتركات بينهما ويرفع الكثير من المتناقضات لأنه عرض يحترم جماليات المسرح، ولا يقدم صورا مرئية أو دلالات سمعية بصرية عنيفة أو صادمة، بل يحرص على جاذبية موضوعه الذى يقترب من مسألة تجديد الخطاب الدينى، ويدعم فكرة أن الدين اعتقاد حر للناس. الدارما تدور عن علاقة شمس الدين التبريزى (1185-1248) صاحب الديوان الشعرى المسمى ديوان التبريزى أو الديوان الكبير، وصاحب الزهد والورع والإنسانية المفرطة فى التعامل مع عباد الله، بالشيخ الجليل والعالم الحنفى جلال الدين الرومى (1273-1207) وهو متصوف أيضا وصاحب المثنوى وهو كتاب شهير يجمع السرد بالشاعرية والحكمة، ويسرد التاريخ أنه وشمس التقيا عام (1244) واعتكفا للدرس والتأمل، وصنعا معا رقصة الدراويش المولوية المعبرة عن وحدة الفرد فى الكون فهو يدور فى كل الاتجاهات بيد مفتوحة للسماء تحصل على البركة والخير، ويد مرسلة للأرض لنشر المحبة والسلام، وهى رقصة مرتبطة بنظام للسماع يدمج الغناء والموسيقى والرقص فى بهجة الإيمان بالله، كما يرى المتصوفة العائشون فى العشق الإلهى. العرض المسرحى منضبط يستخدم المنظر المركب كما صممه مصطفى حامد بشكل واقعى تلخيصى يساهم فى تعدد الأماكن وسهولة الذهاب إليها وتكرار الانتقال منها وإليها عبر استخدام الإضاءة، مما جعل المخرج يصمم مشاهده وحركته المسرحية، وصياغة مشاهده بشكل واقعى تقريبا، يعتمد على القواعد الكلاسيكية للتكوين المسرحى ويستخدم الغناء الصوفى للإحماء العاطفى ويعتمد على شعر بديع للإمام ابن الفارض سلطان العاشقين ومحيى الدين بن عربى والإمام سعيد بن أحمد وجلال الدين الرومى والسهروردى، وجميعهم قامات وحدائق شعرية بالغة الجمال، وما أجمل أن يدهشنا الجمهور المصرى بحرصه على الاستمتاع بفنهم ودعمهم والحضور المنتظم والكثيف من أجل تلك المتعة الفنية الراقية جماليا وأخلاقيا وإنسانيا. أما فريق العمل من الممثلين والمغنيين، فهم اختيار دقيق للمخرج يقدم فيه تلك المواهب الراسخة ويعيد إطلاق الحضور الجذاب للفنان الموهوب بهاء ثروت، ومجموعة العمل الجادة، والتى عبرت عن ظاهرة كادت أن تندثر فى المسرح المحترف فى مصر ألا وهى تكامل وتجانس فريق العمل، والقدرة على صناعة حساسية مشتركة منضبطة تحترم المسرح والجمهور، ولذلك شكل قواعد العشق الأربعين ظاهرة لافتة للنظر، واستحق دعم البناء الفنى التقليدى البعيد عن المغامرة الفنية والصياغات التجديدية أن يحقق عبر الانضباط والجدية متعة فنية جعلته يستحق احترام الجمهور المصرى.