التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تكثف قصفها وسط جباليا بالتزامن مع نسف مباني سكنية شمالي غزة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    مواعيد مباريات دوري المحترفين المصري اليوم السبت    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يشعل حماس جمهور حفله في العلمين الجديدة بأغنيتي "الأيام" و"الدنيا إيه"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر انتشار الصوفية في الحركة الفنية المصرية
نشر في صوت البلد يوم 12 - 06 - 2017

يشكل صعود شيخ التصوف جلال الدين الرومي والدرويش الجوال شمس الدين التبريزي، خشبة مسرح السلام بالقاهرة في رمضان الجاري، ضمن أحداث العرض القائم حاليًا "قواعد العشق ال40"، محطة جديدة لما يمكن تسميته "موجات" أو "هوجات" التصوف، التي هيمنت على الكثير من الأعمال الإبداعية والأحداث الثقافية العربية، في الآونة الأخيرة، ورسمت مسارها بشكل جزئي أو كلي.
تساؤلات عديدة يطرحها حضور المتصوفة أبطالًا لأعمال إبداعية عربية من قبيل "شوق الدرويش" للسوداني حمور زيادة (الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للأدب 2014)، و"موت صغير" للسعودي محمد حسن علوان (الحاصلة على جائزة البوكر العربية 2017)، ومسرحية "قواعد العشق ال40" لفرقة المسرح الحديث بالقاهرة 2017، وغيرها، بل إن أحداثًا وفعاليات ثقافية كبرى على الساحة العربية رفعت شأن التصوف واكتست بإهابه كما لم يحدث من قبل، وآخرها معرض أبوظبي للكتاب 2017، الذي اتخذ ابن عربي "شخصية محورية" له.
لذا نتساءل إلى أي مدى يبدو استحضار "التصوف" في مثل هذه السياقات الجديدة أمينًا في اتساقه مع الأحداث التاريخية وتوافقه مع طرح المتصوفة الأقطاب من فلسفة عميقة ورؤية شاملة تسع الوجود؟
على جانب آخر، ماذا عن "شباك التذاكر" و"أرقام المبيعات"؟ أليس التصوف، وفق هذا المنظور، آلية مبتدعة من آليات مغازلة الجمهور، المتعطش إلى المزيد من الثيمات الصوفية الجاهزة منذ رواية "قواعد العشق الأربعون" للتركية إليف شافاق، وما شابهها من أدب “البست سيلرز”؟
يضيق المقام عن استعراض النماذج كلها، كاملة، بطبيعة الحال، لذا ننطلق من أحدث هذه التجليات، وهي مسرحية “قواعد العشق ال40”، المعروضة حاليًا في ثوبها الرمضاني الجديد على مسرح السلام بالقاهرة لفرقة المسرح الحديث التابعة للبيت الفني للمسرح، وهي مسرحية مأخوذة عن رواية التركية إليف شافاق “قواعد العشق الأربعون”.
عرض كامل العدد
ثمة قاعدة منسوبة إلى شمس الدين التبريزي في رواية شافاق، يمكن الاستناد إليها بداية، للوصول لاحقًا إلى استشفاف ملامح التصوف، ونواياه، وآلياته، وغاياته، في العرض المسرحي “كامل العدد” في الصيف القاهري.
تقول القاعدة “يوجد معلّمون مزيفون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عددًا من النجوم في الكون المرئي. المعلّم الروحي الصادق لا يوجّه انتباهك إليه، إن المعلّمين الحقيقيين شفّافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم”.
تستعرض رواية شافاق، في جانبها التاريخي الموثق، حكاية وتفاصيل التقاء الصوفي جلال الدين الرومي والدرويش الجوال شمس الدين التبريزي، وتوطد العلاقة بينهما، التي أسهمت في تحوّل الرومي من عالم وفقيه، إلى فيلسوف وشاعر، ومن ثم تستقصي الرواية تبلور وصياغة قواعد العشق الأربعين، قاعدة تلو الأخرى، جراء تعاونهما وامتزاجهما روحيًّا ومعرفيًّا، إلى أن كانت النهاية باغتيال التبريزي، وبقاء عصارة أفكاره، وخميرة قلبه النابض، وخلاصة الحزن الخالد.
تبدو الرواية الزاخمة ناهضة على مستويات عدة للحكي الدرامي والتأويل، وينبني قوامها الحي المتلاحم على ما يشبه “طبقات الفهم والتفسير”، بالتعبير الصوفي هكذا، يمكن للقارئ التعاطي مع رواية شافاق، وفق هذه الطبقات المتعمقة، القائمة على قماشتين دراميتين، أولاهما من نسيج الحاضر، وثانيتهما من نسيج التاريخ.
رواية شافاق هي رحلة في الفن، من خلال قماشة الحاضر؛ حيث الأسرة الأميركية الخاملة، التي فجرتها على غير موعد علاقة عشق طارئة بين “إيلا” (الزوجة الأربعينية التعسة مع زوج خائن وبيت لا تتغير طقوسه)، وبين “عزيز زاهارا”، الأوروبي المسلم، الرحّالة في أصقاع الأرض، صاحب الرواية التاريخية المخطوطة التي كتبها من باب الإعجاب المحض وبدافع من حبه الشديد للشاعر الصوفي الرومي، وعلاقته بالدرويش التبريزي. أما العمل المسرحي “قواعد العشق ال40”، فهو عرض مسطح، قوامه الخط التاريخي، بوجهه الذهني المجرد، المنعزل عن التيار الدرامي العام في الرواية، والمفتقر إلى “عناصر المسرحة”.
يكتفي العرض بالقماشة التاريخية، التي قدمتها الرواية، فلا وجود للأسرة المعاصرة التي خلخلها ظهور العاشق عزيز زاهارا، وتستعيض المسرحية عن الدراما بمفهومها التناغمي المتكامل بما يمكن وصفه بمجموعة من “المشاهد” المنفردة، المتلاحقة، المستقاة بشكل أولي من الخيط التاريخي الذي تقدمه الرواية متشابكًا مع غيره. وبين هذه المشاهد هناك فسحة مطولة لالتقاط الأنفاس، بلا رفع ستار ولا تغيير منظر، يستغلها العرض بأناشيد صوفية مغناة بأداء صوتي وموسيقي وحركي لا يخرج عن المكرور.
يبدو الأمر برمته كأنه “قصة الرومي وشمس الدين”، من خلال بطاقات فوتوغرافية أحادية الأبعاد، يتم كشفها للجمهور بشكل متلاحق، من خلال مشاهد حكائية مبتسرة أقرب إلى ما كان يرويه شاعر الربابة في السير الشعبية.
تراثيات صوفية
في هذه التركيبة المسرحية تضاف نكهة أخرى بوصفها كلمة السر التي ستداعب شغف الحضور، هي “قواعد العشق الأربعون”، وعصارة قلوب الصوفيين وأفكارهم، ثم تجري توسعة هذه “التراثيات الصوفية اللطيفة”، لتضم اجتهادات “الصوفيين الجدد” على المسرح، حيث المعاني “العصرية” التي يمكن طرحها اجتماعيًّا وتمريرها سياسيًّا في هذا التوقيت، حول اشتراك المسلمين والأقباط في وطن واحد، وبناء المنجزات المستحيلة بيد المحبة، وتجاوز هموم الدنيا ومشكلاتها بالترفع عنها، ومحاربة قوى الظلام والتعصب والشياطين بالتطهر الداخلي، وتجديد الخطاب الديني (أزمة الواقع) بعدم تحريم الموسيقى والاعتراف بقيمة فن الرقص، بمعناه الواسع، وما إلى ذلك من كليشيهات تم “تلفيقها” على ألسنة رموز التصوف، من خلال “اسكتشات” مسطحة، واستدعاء مجتزآت مبتورة من قواعد الصوفيين على هيئة مقولات جاهزة يطلقها الممثلون بأسلوب وعظي زاعق.
هذه المحاولات البدائية لتمرير التصوف وفق منظور اجتماعي وسياسي معين في “قواعد العشق ال40”، لم تسلم منها رواية “موت صغير” للسعودي محمد حسن علوان، الفائزة مؤخرًا بجائزة البوكر، ولعل ذلك يقدم تفسيرًا لمفارقة أولية تتبادر إلى الذهن عن كيفية الاحتفاء بعمل صوفي في بلد يأخذ من التصوف موقفًا معلنًا، هو العداء الصريح، لأسباب دينية وسياسية على حد السواء.
وفيما يتجلى حتى للقارئ العادي، غير المختص، أن ابن عربي في رواية علوان بعيد في بعض أفكاره وأقواله وفلسفاته عن حقيقته التاريخية الثابتة، مثل رفضه للتكفير وللحض على القتل مثلاً، بعكس ما حملت الرواية.
أخيرًا، فإن التصوف، حين أفرز في عصره إنشادًا وأدبًا وفلسفة وحكمة، فإنه حظي بالتصديق المأمول، كون هذه النتاجات جميعًا وليدة تجربة حياتية تمشي على قدمين، وتحلق في الملكوت بجناحين حقيقيين. أما الكثير من التصوف المستدعى حاليًا في طيات الحركة الإبداعية والثقافية العربية، فمردوده إلى توجهات أخرى، وقناعات مسبقة لدى الكاتب توجه دفة قلمه، فضلًا عن استدرار تعاطف الجمهور، بوصف الأجواء الصوفية من الرهانات الرابحة في مضمار “الأكثر مبيعًا”.
يشكل صعود شيخ التصوف جلال الدين الرومي والدرويش الجوال شمس الدين التبريزي، خشبة مسرح السلام بالقاهرة في رمضان الجاري، ضمن أحداث العرض القائم حاليًا "قواعد العشق ال40"، محطة جديدة لما يمكن تسميته "موجات" أو "هوجات" التصوف، التي هيمنت على الكثير من الأعمال الإبداعية والأحداث الثقافية العربية، في الآونة الأخيرة، ورسمت مسارها بشكل جزئي أو كلي.
تساؤلات عديدة يطرحها حضور المتصوفة أبطالًا لأعمال إبداعية عربية من قبيل "شوق الدرويش" للسوداني حمور زيادة (الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للأدب 2014)، و"موت صغير" للسعودي محمد حسن علوان (الحاصلة على جائزة البوكر العربية 2017)، ومسرحية "قواعد العشق ال40" لفرقة المسرح الحديث بالقاهرة 2017، وغيرها، بل إن أحداثًا وفعاليات ثقافية كبرى على الساحة العربية رفعت شأن التصوف واكتست بإهابه كما لم يحدث من قبل، وآخرها معرض أبوظبي للكتاب 2017، الذي اتخذ ابن عربي "شخصية محورية" له.
لذا نتساءل إلى أي مدى يبدو استحضار "التصوف" في مثل هذه السياقات الجديدة أمينًا في اتساقه مع الأحداث التاريخية وتوافقه مع طرح المتصوفة الأقطاب من فلسفة عميقة ورؤية شاملة تسع الوجود؟
على جانب آخر، ماذا عن "شباك التذاكر" و"أرقام المبيعات"؟ أليس التصوف، وفق هذا المنظور، آلية مبتدعة من آليات مغازلة الجمهور، المتعطش إلى المزيد من الثيمات الصوفية الجاهزة منذ رواية "قواعد العشق الأربعون" للتركية إليف شافاق، وما شابهها من أدب “البست سيلرز”؟
يضيق المقام عن استعراض النماذج كلها، كاملة، بطبيعة الحال، لذا ننطلق من أحدث هذه التجليات، وهي مسرحية “قواعد العشق ال40”، المعروضة حاليًا في ثوبها الرمضاني الجديد على مسرح السلام بالقاهرة لفرقة المسرح الحديث التابعة للبيت الفني للمسرح، وهي مسرحية مأخوذة عن رواية التركية إليف شافاق “قواعد العشق الأربعون”.
عرض كامل العدد
ثمة قاعدة منسوبة إلى شمس الدين التبريزي في رواية شافاق، يمكن الاستناد إليها بداية، للوصول لاحقًا إلى استشفاف ملامح التصوف، ونواياه، وآلياته، وغاياته، في العرض المسرحي “كامل العدد” في الصيف القاهري.
تقول القاعدة “يوجد معلّمون مزيفون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عددًا من النجوم في الكون المرئي. المعلّم الروحي الصادق لا يوجّه انتباهك إليه، إن المعلّمين الحقيقيين شفّافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم”.
تستعرض رواية شافاق، في جانبها التاريخي الموثق، حكاية وتفاصيل التقاء الصوفي جلال الدين الرومي والدرويش الجوال شمس الدين التبريزي، وتوطد العلاقة بينهما، التي أسهمت في تحوّل الرومي من عالم وفقيه، إلى فيلسوف وشاعر، ومن ثم تستقصي الرواية تبلور وصياغة قواعد العشق الأربعين، قاعدة تلو الأخرى، جراء تعاونهما وامتزاجهما روحيًّا ومعرفيًّا، إلى أن كانت النهاية باغتيال التبريزي، وبقاء عصارة أفكاره، وخميرة قلبه النابض، وخلاصة الحزن الخالد.
تبدو الرواية الزاخمة ناهضة على مستويات عدة للحكي الدرامي والتأويل، وينبني قوامها الحي المتلاحم على ما يشبه “طبقات الفهم والتفسير”، بالتعبير الصوفي هكذا، يمكن للقارئ التعاطي مع رواية شافاق، وفق هذه الطبقات المتعمقة، القائمة على قماشتين دراميتين، أولاهما من نسيج الحاضر، وثانيتهما من نسيج التاريخ.
رواية شافاق هي رحلة في الفن، من خلال قماشة الحاضر؛ حيث الأسرة الأميركية الخاملة، التي فجرتها على غير موعد علاقة عشق طارئة بين “إيلا” (الزوجة الأربعينية التعسة مع زوج خائن وبيت لا تتغير طقوسه)، وبين “عزيز زاهارا”، الأوروبي المسلم، الرحّالة في أصقاع الأرض، صاحب الرواية التاريخية المخطوطة التي كتبها من باب الإعجاب المحض وبدافع من حبه الشديد للشاعر الصوفي الرومي، وعلاقته بالدرويش التبريزي. أما العمل المسرحي “قواعد العشق ال40”، فهو عرض مسطح، قوامه الخط التاريخي، بوجهه الذهني المجرد، المنعزل عن التيار الدرامي العام في الرواية، والمفتقر إلى “عناصر المسرحة”.
يكتفي العرض بالقماشة التاريخية، التي قدمتها الرواية، فلا وجود للأسرة المعاصرة التي خلخلها ظهور العاشق عزيز زاهارا، وتستعيض المسرحية عن الدراما بمفهومها التناغمي المتكامل بما يمكن وصفه بمجموعة من “المشاهد” المنفردة، المتلاحقة، المستقاة بشكل أولي من الخيط التاريخي الذي تقدمه الرواية متشابكًا مع غيره. وبين هذه المشاهد هناك فسحة مطولة لالتقاط الأنفاس، بلا رفع ستار ولا تغيير منظر، يستغلها العرض بأناشيد صوفية مغناة بأداء صوتي وموسيقي وحركي لا يخرج عن المكرور.
يبدو الأمر برمته كأنه “قصة الرومي وشمس الدين”، من خلال بطاقات فوتوغرافية أحادية الأبعاد، يتم كشفها للجمهور بشكل متلاحق، من خلال مشاهد حكائية مبتسرة أقرب إلى ما كان يرويه شاعر الربابة في السير الشعبية.
تراثيات صوفية
في هذه التركيبة المسرحية تضاف نكهة أخرى بوصفها كلمة السر التي ستداعب شغف الحضور، هي “قواعد العشق الأربعون”، وعصارة قلوب الصوفيين وأفكارهم، ثم تجري توسعة هذه “التراثيات الصوفية اللطيفة”، لتضم اجتهادات “الصوفيين الجدد” على المسرح، حيث المعاني “العصرية” التي يمكن طرحها اجتماعيًّا وتمريرها سياسيًّا في هذا التوقيت، حول اشتراك المسلمين والأقباط في وطن واحد، وبناء المنجزات المستحيلة بيد المحبة، وتجاوز هموم الدنيا ومشكلاتها بالترفع عنها، ومحاربة قوى الظلام والتعصب والشياطين بالتطهر الداخلي، وتجديد الخطاب الديني (أزمة الواقع) بعدم تحريم الموسيقى والاعتراف بقيمة فن الرقص، بمعناه الواسع، وما إلى ذلك من كليشيهات تم “تلفيقها” على ألسنة رموز التصوف، من خلال “اسكتشات” مسطحة، واستدعاء مجتزآت مبتورة من قواعد الصوفيين على هيئة مقولات جاهزة يطلقها الممثلون بأسلوب وعظي زاعق.
هذه المحاولات البدائية لتمرير التصوف وفق منظور اجتماعي وسياسي معين في “قواعد العشق ال40”، لم تسلم منها رواية “موت صغير” للسعودي محمد حسن علوان، الفائزة مؤخرًا بجائزة البوكر، ولعل ذلك يقدم تفسيرًا لمفارقة أولية تتبادر إلى الذهن عن كيفية الاحتفاء بعمل صوفي في بلد يأخذ من التصوف موقفًا معلنًا، هو العداء الصريح، لأسباب دينية وسياسية على حد السواء.
وفيما يتجلى حتى للقارئ العادي، غير المختص، أن ابن عربي في رواية علوان بعيد في بعض أفكاره وأقواله وفلسفاته عن حقيقته التاريخية الثابتة، مثل رفضه للتكفير وللحض على القتل مثلاً، بعكس ما حملت الرواية.
أخيرًا، فإن التصوف، حين أفرز في عصره إنشادًا وأدبًا وفلسفة وحكمة، فإنه حظي بالتصديق المأمول، كون هذه النتاجات جميعًا وليدة تجربة حياتية تمشي على قدمين، وتحلق في الملكوت بجناحين حقيقيين. أما الكثير من التصوف المستدعى حاليًا في طيات الحركة الإبداعية والثقافية العربية، فمردوده إلى توجهات أخرى، وقناعات مسبقة لدى الكاتب توجه دفة قلمه، فضلًا عن استدرار تعاطف الجمهور، بوصف الأجواء الصوفية من الرهانات الرابحة في مضمار “الأكثر مبيعًا”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.