إذا قطعت ورقة من شجرة خبيثة، لن تموت، بل ستعود لتطرح ورقًا جديدًا، ربما أكثر خبثًا باعتبار أن الجذر مازال حيًا وينمو، نفس النظرية تنطبق على الإرهاب فالقضاء على الإرهابيين كأفراد لا يُنهى الظاهرة، فالحل الحقيقى فى مواجهة الفكر الإرهابى وليس الأفراد الذين يحملونه. عادل حبارة ليس إلا ورقة فى شجرة جذرها وساقها وأوراقها وثمرتها إرهاب، وهذه الشجرة لها فرع فى كل اتجاه، لكن المنبت معروف وهو السلفيون وما يقدمونه من أفكار متطرفة. لا يخلو شارع أو حارة أو زقاق من «حبارة»، أو بالأحرى مشروع حبارة ينمو فى بيئة خصبة للسلفيين وأفكارهم، وتعد منازل السلفيين مفرخة للإرهابيين، إذن خلف كل حبارة يموت حبارة جديد. الفكر السلفى ترعرع فى مصر فى العهد الساداتى بعد الصعود السياسى للتيارات الإسلامية وقربها من دوائر صُنع القرار آنذاك، بالإضافة إلى خروجهم من الجحور بعد اختفائهم فى جزء من عهد عبد الناصر، بالإضافة إلى خروج البعض للعمل فى دول الخليج ومن ثم العودة محملين بالفكر الوهابى. البيئة فى مصر خصبة لصناعة إرهابى مكتمل الأركان بداية من المناهج وأولها مناهج الأزهر، والغريب أن الإمام الطيب شيخ الجامع الأزهر المنوط به تجديد الخطاب الدينى أعاد تدريس الكتب التاريخية بدلًا من كتب التفسير الميسر التى كان أقرها سلفه الإمام محمد سيد طنطاوى، ومنها كتب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» و«الاختيار لتعليل المختار»، وتحتوى هذه الكتب على أفكار أقل ما تُوصف به أنها إرهابية ومما تبيحه أنه للمضطر أكل آدمى ميت إذا لم يجد ميتة غيره، واستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيًا فإنه لا يجوز الأكل منه، وكذلك تبيح تلك الكتب للمسلم قتل الزانى المحصن، والمحارب، وتارك الصلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام فى القتل، لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء، وهناك أيضًا ما يحض على استباحة الدماء منه أنه إذا فتح الإمام بلدة عنوة إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمة للمسلمين، وكذلك لا تبنى كنيسة فى الإسلام لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز فى دار الإسلام، فإن بنوا ذلك هدم، ولا يجوز إعادة بناء كنيسة انهدمت خاصة فى مصر. نبذة بسيطة من مناهج الأزهر توضح مدى العنف واستباحة الدماء وغيرها من أفعال منافية للإنسانية. الأزهر يُقدم هذه الآراء فى كتب تاريخية باعتباره مدرسة دينية فى المقام الأول والأخير، لكن فى ذات الوقت هذا لا يمكن قبوله تبريرًا لتدريس هذا التطرف. مناهج وزارة التربية والتعليم أيضًا محرضة على الآخر، حصرت الإيمان فى جماعة محددة وهى جماعة الإسلام فقط وكفرت أصحاب الديانات الأخرى، فقدمت فى مناهج المرحلة الابتدائية قولاً فى عبارتين الأولى «الإسلام دينى» وتبدو مقبولة، لكن العبارة الثانية تقول «كل دين غير الإسلام باطل» والغريب أنها كانت فى النشاط الذى يخط فيه الطالب خطه الأول، طفل يخطط أولى كلماته بأن كل من يأتى بدين ٍغير دينه فهو باطل، وبالتالى سيتشكل وعيه برفض معتقدات الآخرين وإذا استمر فى أفكار نفس البيئة بالتأكيد سيعمل على محاربتها فى إطار حربً بديهية بين الحق والباطل. التحريض على الآخر لم يتوقف عند هذا الحد فقدمت كتب المرحلة الابتدائية تفسيرًا لنهاية سورة الفاتحة بأن المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى وهو ما يعد أيضًا مجالاً لقتالهم ورفض وجودهم. نموذج مثل «حبارة» استقى أفكاره وكانت بذرة شجرة الإرهاب فيه من السلفى محمد حسان فقد اعترف الإرهابى قبل إعدامه بأن أفكار محمد حسان شكلت فكره بداية من حضوره لدروسه الدينية فى 2002 بعد صلاة المغرب فى مجمع التوحيد فى المنصورة وتشكل وعيه من هناك بأن من لا يطبق شرع الله كافر، وأنه لا يؤمن بالديمقراطية. محمد حسان الذى يشترك فى صناعة حبارة، لديه عداء كبير مع الأقباط ويقول بكفرهم ومن لا يؤمن معه بذلك يعتبره مختل العقيدة، فيرفض تسميتهم بالأقباط أو المسيحيين بل يطلق عليهم النصارى وينصب لهم عداءً شديدًا سواء فى دروس الأربعاء بالمنصورة أو خطبة الجمعة بجامع العزيز بالله بالزيتون ومعروف عنه الهجوم على المسيحية وفى كل مرة يستعدى عليهم بقصيدة قالها ابن القيم الجوزى أعُبّاد المسيح لنا سؤال/ نريد جوابه ممن وعاه إذا مات الإله بصنع قوم/ أماتوه فما هذا الإله وهل أرضاه ما نالوه منه/ فبُشراهم إذا نالوا رضاه ويا عجباً لقبر ضم ربًا/ وأعجب منه بطنٌ قد حواه ولا يقبل حسان ومريدوه قولًا يخالف قولهم فى كفر المسيحيين، لذلك لا يُمكن استغراب فتوى أحد أقطاب السلفية ياسر برهامى الذى قال إنه لا يمكن اعتبار ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية شهداء وأن مجرد التفكير فى اعتبارهم شهداء خطأ وأنه لا يجوز الترحم عليهم، وبرهامى فى عدة فتاوى له يُحرض على الأقباط ويقول إن الدولة أعطتهم ما لا يستحقون من المساواة بينهم وبين المسلمين، وأن المسيحيين إرهابيون ومتطرفون يستعدون بالسلاح والتدريب داخل الأديرة المحاطة بالأسوار الخرسانية العالية، وأفتى بهدم الكنائس. وقال فى تصريحات له إن بناء الكنائس ليس له سبب سوى ضعف الدولة كما أفتى أن مَن يهدمون الكنائس منصورون وأفتى أنه إذا تزوج المسلم بكتابية أى مسيحية عليه أن يبغضها على دينها ويكرهها فيه حتى تعتنق الإسلام كما أفتى بعدم تهنئة الأقباط فى أعيادهم لأنها أعياد كفر، وطعن فى عقيدة كل من يهنئ المسيحيين بالأعياد أو حتى يترحم على إنسانيتهم. السلفيون ككتلة متطرفة ظهرت فى نهايات القرن الماضى بداية بعبد الحميد كشك وسيد قطب وحتى مدرسة الإسكندريةوالمنصورة واللتين تضمان عدة أقطاب سلفية، مدرسة المنصورة تضم على سبيل المثال لا الحصر أبو إسحاق الحوينى ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومدرسة الإسكندرية تضم محمد إسماعيل المقدم وياسر برهامى كرائدين للفكر السلفى، والمدرستان اعتبرتا فى منهجهما أن الأقباط أعداء يجب قتالهم، لكن فى وقت الشدائد الأمنية كان يصنعون طوق نجاة بأنهم يرفضون ذلك بأن النبى قال «من آذى ذميًا فأنا حجيجه يوم القيامة»، وما إن تنتهى الشدة الأمنية يعودون كما كانوا، ومن نماذج انحنائهم للعاصفة الأمنية قبل ثورة يناير أنهم وقت تنظيم مصر لكأس الأمم الأفريقية 2006 كانوا يريدون مهاجمة لعبة كرة القدم ككل، فهى حسب وجهة نظرهم تُلهى عن الصلاة، لكنهم انتظروا حتى تنتهى البطولة لأنهم يعرفون أن الأمن فى ذلك الوقت لم يكن سيسمح بذلك وبعد نهاية البطولة خرج محمد حسين يعقوب أحد أقطابهم فى درس طويل بعنوان «السعادة بالرضا لا بكأس الأمم»، وكأنه استكثر الفرحة على المصريين. ويكفى فى تطرف السلفيين أنهم حرموا تحية الإسلام «السلام عليكم» على الأقباط، وأفتى شيوخهم بأنه إذا دخل المسلم على جمع من المسلمين بينهم قبطى لا يجوز له أن يقول السلام عليكم فوفق عقيدتهم لا سلام على ذمى بل الواجب أن يقول «السلام على من اتبع الهدى»، لأنهم يرون أن السلام على غير المسلم لا يجوز. إذن مع كل هذا النفوذ السلفى هل نستغرب أن بيننا «حبارة»؟ الذى رغم إعدامه سوف يبعث كل يوم من جديد، لا يؤمن بالوطن، يُكفر كل من يخالف عقيدته، يتبنى فكر الدواعش، يُعادى الأقباط ويستبيح دماءهم ويُحرم ودهم، وذلك استنادًا أن مصنع وعوامل صناعة حبارة ما زالت قائمة وتتطور كل يوم عن الآخر. مناهج الأزهر والتربية والتعليم تصنعانه، وكذلك المشايخ الذين يصدرون ضجيجًا من أى ميكروفون، وفى ظل وجود تنظيم سياسى معترف به من الدولة كحزب النور يُشارك فى عمليات التشريع ويُحاكم المثقفين والأدباء ويعتبر نفسه خليفة الله فى أرضه. فى فلسطينالمحتلة بعدما أصدرت إسرائيل قرارًا بمنع الأذان، أذنت الكنائس، وهذا فى دولة محتلة يُمكن أن يكون أى تصرف غير مقبول فيها مقبولاً باعتبار ما هى فيه من ظرف قاس، أما فى مصر بلد التسامح والأزهر والكنيسة وعناق الهلال والصليب كان يُفترض بعد تفجير الكنيسة البُطرسية وسقوط شهداء أن تُدق الأجراس فى مسجد النور المجاور للكنيسة، لكن يبدو أن هناك نفوذًا للسلفيين منع ذلك، ولم يكتف بذلك بل كفر الشهداء وكفر من يترحم عليهم.