«الدفاع عن المظلومين» شعار ترفعه أغلب الأحزاب السياسية التى تستمد وجودها من المعارضة، لكن الشعارات ليست محل تنفيذ دائما والأغلب أنها منحوتة بهدف استمالة الحماسة البدائية.. مناسبة الكلام ما فعله حزب التحالف الشعبى النسخة الأحدث من حزب التجمع مع ياسمين حسام الدين، المحامية المتهمة بالدفاع عن الانتحارى الذى فجر نفسه فى الكنيسة البطرسية، الحزب باع المحامية عبر بيان رسمى نفى فيه تبنيه الدفاع عن الانتحارى عبر المحامية - وقت أن كان متهما بالتظاهر مع الإخوان. بعد ثورة 25 يناير، اتسعت دائرة المحامين الحقوقيين الحر منهم والمنضم لشبكة دفاع فى بعض المؤسسات، عندما يوفق أحدهم فى الحصول على براءة سجين، أو تخفيف الحكم عليه يهلل له الجميع ويصفه بالمحامى المناضل، لكن عندما يتعلق الأمر بانفجار كارثى استيقظت عليه مصر صباح يوم الأحد الماضى وراحت فيه عشرات الأرواح من الأبرياء أثناء الصلاة، أصابنا جميعا بمرارة الحلق، هنا يختلف الأمر وتختلف الأقاويل. تماما مثلما حدث مع المحامية الحقوقية ياسمين حسام الدين، إحدى المدافعات عن مساجين الرأى فى مصر منذ 2009 وعضو اللجنة المركزية بحزب التحالف الاشتراكى، فبعد الانفجار المروع وما نتج عنه من شيوع الحزن والألم وأثناء تشييع مراسم جثامين الشهداء أعلن رئيس الجمهورية فى خطابه، أن منفذ الهجوم الإرهابى على الكنيسة البطرسية يدعى محمود شفيق محمد مصطفى «22 عاما» فجر نفسه بحزام ناسف داخل الكنيسة البطرسية، وواصل الرئيس بأنه تم إلقاء القبض على 3 رجال وسيدة وجار البحث عن شخصين آخرين. انتهى الخطاب على صدمة وذهول المحامية من التصريحات، خاصة لحظة عرض صورة واسم الانتحارى الذى فجر نفسه، عادت المحامية بذاكرتها إلى بداية وقائع القضية التى أدين فيها الانتحارى قبل حوالى سنتين، فكيف لطفل فى السادسة عشرة من العمر أن يتحول خلال عامين إلى انتحارى يستحل حرمة الكنيسة ويزهق أرواح أبرياء أغلبهم من النساء والأطفال، فكتبت على صفحتها على الفيس بوك إنه فى 2014 ألقت قوات الأمن القبض على الطفل محمود شفيق محمد مصطفى 16 سنة - من ميدان «الحواتم» بالفيوم أثناء مرور إحدى مظاهرات الإخوان، وبناء على طلب أسرته وافقت على الدفاع عنه وتمثيله أثناء محاكمته، والتى اتهمت فيها النيابة العامة «محمود شفيق» ومعه صديقه بالتظاهر، وحيازة سلاح، والانضمام لجماعة إرهابية، وتم حبسه لمدة عام على ذمة الاحتياط، أى من 2014 حتى 2015 إلى أن تم إخلاء سبيلهما بعد تطبيق القانون حرفيًا. المحامية أضافت، إن محمود شفيق كان يدرس فى المرحلة الأولى من التعليم الفنى الصناعى، وليس التعليم الجامعى كما تم تداوله، لافتة إلى أن أسرته لم تستطع التعرف على وجهه من الصور المنتشرة مما زاد الأمر تعقيدًا. ترافعت ياسمين عن الطفل حينها بحكم انتمائهما لنفس المحافظة - الفيوم - دون سابق معرفة بالمتهم، ومن ثم أدانته النيابة العامة بالتظاهر وبرأته من التهم الأخرى.. فيما أكدت المحامية انقطاع علاقتها بالمتهم وصديقه بمجرد خروجه من القضية. شهادة المحامية راجت بكثافة على مواقع السوشيال ميديا وانقلب الوضع رأسا على عقب، جدل مثير فى الأوساط السياسية والإعلامية، وتوجيه اتهام إلى المحامية بأنها بدفاعها قبل سنتين عن المتهم فإنها تساعد فى خروج الإرهابيين من السجن، كما اتهموا المحامية بالسفر إلى إيران لتقلى تدريبات على حمل السلاح وإثارة الشغب، وكانت المحامية قد نشرت قبل عام صورة لها تحمل بندقية من البلاستيك. شهادة المحامية كلفتها حزمة من الاتهامات التى لا تستند على أى دليل، وزاد الهجوم عليها بعد أن قالت لأحد برامج التوك شو إن عدم قدرة الدولة على احتواء غضب الشباب أمر مثير للتعجب. فى اليوم التالى تلقى النائب العام المستشار نبيل صادق بلاغًا من المحامى أشرف سعيد فرحات ضد ياسمين حسام الدين محامية الانتحارى محمود شفيق محمد مصطفى، والمسئول عن حادث تفجير الكنيسة البطرسية، يتهمها فيه بإهانة رئيس الجمهورية، وطالب بوضعها على قوائم الممنوعين من السفر. وطالب فى البلاغ - رقم 14424 لسنة 2016 - عرائض النائب العام، بإلزام سامح عاشور نقيب المحامين، بإصدار قرار بوقف المحامية ياسمين حسام الدين عن العمل لحين الانتهاء من التحقيقات معها من قبل النيابة العامة. هنا.. قرر حزب التحالف الشعبى الاشتراكى الخروج من قوقعته وكسر صمته فى هذا الجدال الدائر حول المحامية عضو اللجنة المركزية للحزب، ليعلن فى بيان رسمى أن ما تداولته وسائل الإعلام من أنباء تفيد اشتراك محامين من حزب التحالف الشعبى الاشتراكى فى الدفاع عن المتهمين فى الخلية الإرهابية بأحداث كنيسة البطرسية، عارٍ تمامًا من الصحة. الحزب لم يكتف بالنفى، بل أكد أنه على يقين تام أن لكل متهم أيًا ما كانت تهمته الحق فى وجود محامٍ يدافع عنه بحسب القانون والدستور، إلا أن لا لجنة حريات الحزب و لا أى من محاميه، قد شارك بتكليف من الحزب أو منفردًا فى الدفاع عن أى من المتهمين فى خلايا إرهابية بالفيوم أو غيرها. تنصل بيان الحزب والتنكر من ياسمين أثار موجة من الغضب ضد الحزب وأصبح الانقسام بين إدانة ياسمين، وتنصل الحزب، والانفجار الكارثى، فالبيان فى بدايته يتحدث عن حق الدفاع عن أى متهم وفقًا للقانون والدستور، ونهايته تتنكر من شهادة المحامية كاملة. حديث محمود مع ياسمين حينها بعد قضائه فترة فى السجن، كان متوقفًا على ترديد كلمة واحدة فقط «مش عاوزة أرجع السجن تانى»، مما جعلها تتحدث عن ما لديها من حقائق غير متحسب لرد فعل نتائج شهادتها. وحتى الآن ليس هناك تأكيد ما إذا كان الطفل الذى تتحدث عنه ياسمين هو نفسه الانتحارى الذى أعلن عنه رئيس الجمهورية، مما أصاب الجميع بالتحسب من الحديث فى الأمر، ودفع الحزب للتخلى عن المحامية. تضارب المعلومات ظهر واضحا حين قال د.خالد حمزة رئيس جامعة الفيوم إن «الإرهابى محمود شفيق محد مصطفى، الذى نفذ تفجير الكنيسة البطرسية، مفصول من كلية العلوم، منذ مايو 2016 وذلك لاستنفاده مرات الرسوب المحددة فى الفرقة الأولى.»، وأنه تقدم إلى الجامعة فى العام الدراسى 2014 2015 ورسب عامين دراسيين، وذلك يخالف اللائحة الداخلية لكلية العلوم التى تنص على فصل الطالب فى حال رسوبه بالفرقة الأولى مرتين، مشيرًا إلى أنه لم يحضر إلى الجامعة، لاستلام الملف الخاص به رغم مرور أكثر من ستة أشهر على تاريخ فصله، وهو الأمر الذى يتنافى مع شهادة ياسمين بأن المتهم حاصل على دبلوم الصنايع وليس التعليم الجامعى. فى الوقت التى تصاعدت فيه حدة التوتر بين محامى حقوق الإنسان والسلطات، أبرز حزب التحالف شيئا من التساهل فى التعامل مع الوضع الذى برره مدحت الزاهد، القائم بأعمال رئيس التحالف الشعبى الاشتراكى، بأن الحزب يكن للمحامية ياسمين حسام كل التقدير، ولا ينكر عليها حق الدفاع عن أى متهم، لكنه يدافع عن ما تم تداوله بدفاع الحزب عن إرهابيين. فى حين أنه فى 2013 اتخذ الحزب إجراءات قانونية ضد مواقع إخبارية تداولت فيديو للمحامية ذاتها فى إحدى المسيرات، وكانت تخلع جاكت ترتديه لتظهر ب«أفارول» تضامنا مع العمال. وفى بيان له أعلن الحزب إدانته الكاملة لهذه الأكاذيب، التى تخالف المعايير المهنية وميثاق الشرف الصحفى، والغرض منها إما استخدام أساليب رخيصة لجذب القراء أو تعمد استهداف وتشويه المناضلين والمناضلات الذين يدافعون عن حرية وكرامة هذا الوطن. وأكد أنه سوف يتخذ كل الإجراءات القانونية للدفاع عن المحامية ياسمين حسام الدين، عضوة اللجنة المركزية بالحزب والتصدى لأى محاولة للنيل منها. الحزب قرر حينها الدفاع بكل قوته عن المحامية، ولكن حينما يتعلق الأمر بشهادة فى الحادث المروع كانت رائحة التنصل سابقة بداية كل سطوره. وفى ذروة سخونة الجدل الدائر، تم غلق الحساب الشخصى للمحامية على فيس بوك بعد سرقة صورها والبوستات التى كتبتها واستغلالها فى التشهير بها واتهامها بالخيانة.