سلاح واحد يقود شعبا بأكمله إلى حتفه.. ويدفع أمة إلى الموت عبر الأسلاك الشائكة والحدود وممرات تهريب البشر..كما يدفع بأطفالها إلى الموت غرقا فى مراكب الهجرة من الجحيم إلى الجحيم..كما فعلت بطفل سوريا الذى أبكت صورته العالم. ترى ما قاد هذا الطفل وعائلته وكل شعبنا السورى لهذا المصير غير الإرهاب والفساد؟. إرهابيون يحملون السلاح على إخوانهم فى الوطن فيقتلون منهم ما طالته نيران بنادقهم المهداة من أجهزة مخابرات ودول وحكومات تريد الشر بنا..وفاسدون يخطفون اللقمة من فم من تبقى فى الوطن دون أن يرحموا كبيرا أو صغيرا اضطرته الحاجة إلى الأمان لإلقاء نفسه وأطفاله فى عرض البحر الهائج. فإذا كانت صورة الطفل السورى أوجعت ضمائرنا، فعلينا أن نتذكر أن الفاسدين فى مصر يجتهدون لخطف كل اللقم من أفواه الفقراء ليل نهار، وأخشى ما أخشاه أن يستمر النزيف لتسقط مصر فى براثن عصابات الفساد التى لن ترحم، فيلجأ الفقراء إلى الهرب فى قارب هجرة غير شرعية ليصلوا فى النهاية إلى مجرد صور لجثث يشاهدها العالم وهو يحتسى قهوة الصباح ويبكى، لكن دون أن يحرك ساكنا. رجل واحد فى صدارة السلطة يعى خطورة هذا المصير.. وانبرى محاولا قطع الطريق على تكرار صورة الطفل الغريق بعشرات النسخ المصرية فى المستقبل..من قبل أن توجع الصورة ضمائرنا الراقدة فى سبات عميق. إنه الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى شن قبل ساعات من هذا المشهد المؤلم الحزين غارة جديدة على الفساد فى مصر، بعد نجاحاته فى وأد الإرهاب، غارة أسفرت عن القبض على الرجل «غير المصنف» محمد فودة، حيث لا يمكننا القطع بمهنته ومجال عمله على وجه التحديد، سواء إعلاميا أو رجل أعمال أو خبيرا ثقافيا أو صديق فنانين، أو «مشهلاتى» أعمال خارج القانون على طريقة منسقى المافيا فى إيطاليا. لكن يدا واحدة لا تصفق.. ورجلا واحدا لا يمكنه محاربة آلاف البنادق من كل اتجاه مهما كان هذا الرجل. فبعيدا عن قضية فودة التى صدر قرار فورى بحظر النشر فيها.. وبعيدا عن عشرات القضايا التى سبقتها سرا وعلانية إلى أدراج النائب العام.. نجد أنفسنا أمام عدة أسئلة شديدة الإلحاح والضرورة يجب أن نسألها الآن إذا ماصدق كل أب وأم فينا فى خوفه على طفله من مصير مشابه للطفل السورى المسكين. نتساءل: وماذا بعد؟ من يجهز لإعادة تدوير عجلة إنتاج الفساد من جديد، وبكل قوة، على أسس الإنتاج القديمة فى عهد المخلوع مبارك؟ ومن يقف ليعرقل الرئيس الذى يتحرك بجدية لسحق كل فاسد؟ من يحمى الفاسدين فى أجهزة الدولة؟ إن الإرهاب أدرك أنه أخفق إلى حد كبير فى تقويض مصر، فأخلى الساحة لشركائه القدامى من رموز فساد مبارك، على أمل العودة مجددا فى لحظة ما، للإجهاز على سلام هذا البلد وأمنه، واقتسام غنائمه، تماما كما تفعل أى عصابة لصوص..وتماما كما يفعلون بسوريا فى هذه اللحظة. ورغم الخطورة البالغة على أمننا القومى من عمليات النهب المنظم لاقتصادنا فى السابق والحاضر، ورغم توثب رجال شرفاء فى أجهزة رقابية هنا وهناك لنصرة الرئيس فى حربه على الفساد الأسود، إلا أن مراكز قوى أخرى تتصدى لإفشال تلك الجهود بكل قوة. مراكز قوى اتخذت من الاحتفاء بوجوه الفساد القديمة عبر وسائل وتكتلات إعلام خاصة سلاحا آخر لجعل ظهر الرئيس وظهورنا للحائط، وإقناعنا بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وأن زمن مبارك قدر مفروض يجب أن يعود إلينا ونعود إليه تائبين. وهكذا تم تصنيع وتجميل عودة فودة إلى صدارة المشهد قبل سقوطه للمرة الثانية.. إلى حد ظهوره الدائم واستضافته لنصف وزراء مصر فى برامج على الهواء يشاهدها ملايين المصريين يوميا، وتأهبه لدخول البرلمان، وتنظيمه مؤتمرات جماهيرية يتحرك لحضورها رئيس النادى الأهلى شخصيا ودائرة واسعة من الشخصيات العامة التى تتصدر المشهد، وكأن مصر كلها ووزراءها فقدوا الذاكرة التى تسجل قضاء فودة 7 سنوات فى السجن بعد إدانته فى قضية الرشوة الشهيرة مع محافظ الجيزة السابق ماهر الجندى. لم يكن فودة إلا تلميذا بليدا حصل بالكاد على دبلوم صنايع بالكاد يؤهله لإدارة ورشة نجارة صغيرة، فضلا عن تصدر مجتمع صفوة حاكمة وتقلد مناصب وصلت به من باب سخرية القدر إلى إدارة مكتب وزير الثقافة فاروق حسنى ومرافقته فى كل خطوة لأسباب شخصية جدا، إلى حد تجوله بصحبته فى تفقد الآثار، ومن ثم حجزه جناحًا فى فندق فورسيزونز منذ 3 سنوات من أموال كان يتلقاها من رجال أعمال لتسهيل أعمالهم. ومن مدرسة الصنايع إلى مكتب الوزير إلى السجن متلبسا بقضية رشوة، ثم العودة مجددا وكأن شيئا لم يكن بمساعدة إعلاميين فاسدين وأصحاب قلم، يتعفف القلم عن ذكرهم، ورجال أعمال تعودوا تخليص الأعمال بالطرق الخلفية، إلى الإقامة فى جناح فاخر والسهر لتخليص المصالح المشبوهة من جديد على مائدة فى أحد بارات فندق الفورسيزونز، جمعت كل ليلة محمد الأمين وأحمد أبو هشيمة ومنصور عامر وعصابة من مراكز البيزنس والنفوذ الإعلامى الذين يديرون اليوم عملية منظمة لإرهاب مجتمع ودولة ورئيس حفاظا على مصالحهم. مراكز بيزنس لا يعلم أحد عنها شيئًا، ولم يسألها أحد عن حقيقة ومصادر ثرواتها المتضخمة، بفعل النهب المنظم وشراكة الفساد مع رجال النظام البائد، رغم بداياتها المتواضعة، وغموض أعمالها، ورحلة صعودها، ووضوح جرائمها فى حق المال العام، خلال صفقات مشبوهة وتربح من أراضى الدولة وتخريب متعمد تسبب فى نزيف خسائر مستمر للخزانة العامة فى مشروعات الفقراء، وأكبر مثال على ذلك كما نستعرض هنا مشروعات محطات المياه والصرف التى أهدرت اكثر من 80 مليار جنيه على الدولة فى خطوط ومحطات لم تعمل حتى الآن رغم مرور 8 سنوات على مواعيد الانتهاء منها وتسليمها، دون محاسبة أحد من مكاتب استشارية ورجال أعمال وشركات حكومية تورطت فيما يشبه الاتفاق السرى فى هدم البلد ونهب أموال الشعب دون إنجاز أى شيء.. وآخر فضائح هذا الملف التى كنا أول من فجرناها وحذرنا من نهايتها المأساوية مشروع خط مياه القاهرة الجديدة الذى بدأ فى 2007 ولم يعمل حتى اليوم، وتسبب القائمون عليه من وزارة الإسكان وشركات المقاولات الحكومية والمكاتب الاستشارية الخاصة ورجال الأعمال فى إهدار 5 مليارات جنيه به، دون أن يقدم أى متهم للمحاكمة، رغم تدخل الجيش بتعليمات من الرئيس لدراسة موقف المشروع وتأكيد اللجنة المشكلة من وزارة الدفاع فى تقرير رسمى أن ما جرى جريمة فى حق المال العام، وأمر الرئيس بإحالة ملف المشروع للنائب العام، الذى استضاف بدوره وزير الإسكان الحالى مصطفى مدبولى ليقنعه بأن الاستمرار فى القضية سيخيف المستثمرين ويأتى بعواقب وخيمة. ولا ندرى كيف يتسبب وزراء ورؤساء شركات وقطاعات ورجال أعمال فى إهدار 5 مليارات جنيه، من أموال الشعب، دون أن يقدم أيًا منهم للمحاكمة. وعلى رأس مائدة المصالح التى تحلق حولها فودة ورفاقه، جلس محمد الأمين الذى شهدت بداياته الأولى عندما كان يتردد على مقهى «لابستك» بعد عودته من العمل فى الكويت كأى مهندس مصرى رحل لتكوين عائلة ومنزل آمن من تقلبات الدهر، كان أحد رواد المقهى فى بداية التسعينيات حسنين محمد حسنين وكيل والعضو المنتدب لشركة وادى النيل، والصديق المقرب من إبراهيم سليمان وزير الإسكان، وتقرب الأمين من حسنين حتى تحصل من خلاله على 2000 متر فى مارينا عند بوابة 1 بمنطقة الشانزليزيه، أقام عليها 4 محلات باع منها اثنين لصديقه الجديد منصور عامر افتتح فيهما محلاً بعنوان (لانوتر) للحلويات، ثم افتتح مطعما كان يعمل فيه بنفسه، مرتديا بنطلونا قصيرا وتى شيرت، وحدث ذات مرة أن استضاف المطعم إبراهيم سليمان على مائدة غداء بصحبة صديق له، وتصادف حضور رجل الأعمال توفيق دياب أحد ملاك صحيفة (المصرى اليوم) على مائدة مجاورة، فما كان من صديق سليمان إلا أن همس له أن يدفع الحساب وينادى الأمين بصوت عال، للفت نظر الحاضرين، وكانت (المصرى اليوم) شنت حملة انتقاد لسليمان وقتها، وقال له (الصحافة هنا.. وصوت الأمة بتقول عليك مفجوع بتاكل متدفعش الحساب.. نادى الأمين بصوت عالى وأدفع قدام الناس).. فما كان من سليمان إلا أن نادى الأمين الذى ظل يعتذر لربع الساعة عن قبول دفع الفاتورة، لولا إصرار سليمان، فما كان منه إلا أن ذهب وعاد بفاتورة مجاملة مخفضة من 600 إلى 90 جنيها، ليضع سليمان ورقة ب 100 جنيه فى يد الأمين صائحا (خلى الباقى علشانك). رجل بهذه البداية المتواضعة، كيف تحول إلى إمبراطور بيزنس وإعلام يملك ويدير قنوات وصحفًا تخسر مئات الملايين سنويا، دون أن يبالى أو يهتز له جفن، بينما يتوغل وينتشر فى الاستحواذ على أسوق هنا وهناك، إلى حد أن يتملك طائرة خاصة تسبق الرئيس فى زياراته الخارجية، بينما لا يدفع جنيهًا للشعب بعد دعوة السيسى للتبرع لإنقاذ اقتصاد البلد الذى يئن بفعل أرباحهم المتزايدة من قوت الشعب. وعلى مائدة فودة العامرة نفسها كان يجلس منصور عامر الذى أصبح دون حق رجل الأعمال الذى لا يقهر فى مصر، فهو الوحيد الذى يخرق قانون البناء فى أى بقعة من هذا الوطن، منذ ما يزيد على 20 عاما، وبطول وعرض المنتجعات والأراضى والمدن والمشروعات التى استحوذ عليها أو تربح منها، من بورتو مارينا مرورا ببورتو السخنة إلى شارع التسعين وأكتوبر ويعد هو الوحيد الذى استطاع بناء 12 دورا بينما شروط البناء تمنع بناء أكثر من دورين.. حدث هذا فى مارينا بينما القانون يمنع زيادة الارتفاع من الإسكندرية إلى مطروح، كما حدث فى التجمع الخامس التى يبيع فيها عامر المتر ب 26 ألف جنيه، بعدما حصل عليه بجنيهات معدودة. وبدأ عامر كرفيقه الأمين بداية خاطفة، بظهور مفاجئ، على يد حسنين محمد حسنين أيضا والشركة الكويتية لاستصلاح الأراضى التى حصلت على مساحة هائلة من الأراضى فى الحزام الأخضر بغرض الزراعة، بعد طرحها من شركة وادى النيل، وكان حسنين استصدر قرارا بتحويل غرض الاستثمار فى الأرض إلى البناء، بوصفها أرضا مملوكة لجهة سيادية، واستطاع عامر أن يستحوذ على إدارة جزء من الأرض وسارع ببناء فيللات وقصور وطرحها للبيع لتفاجأ البنوك التى أقرضت عامر والشركة الأم المالكة بتصرفه دون أن يكون مالكا للأرض. إلا أن شيئا ما جرى فى نهر الاتصالات المشبوهة بين دائرة المصالح انتهت باستمرار عامر فى التربح من بيع القصور وتوسع الشركة الكويتية فى الاستحواذ على أراضى الدولة فى العياط ومدن أخرى، بغرض الاستصلاح الزراعى ثم تحويلها إلى أراض وعقارات للبيع تدر عليها أرباحا خرافية، دفعتها لتحدى الحكومة المصرية والدخول معها فى مواجهة مباشرة عند مطالبتها بدفع فروق أسعار هذا التربح. وثالث تلك المراكز محمد أبوالعينين الذى وصل فى تحديه للدولة والقانون إلى أن دفع شركة حكومية هى مصر الجديدة للإسكان إلى نشر استغاثة من نفوذه الذى يضيع أرض الدولة فى طريق العبور بعد استيلائه عليها رغم الأحكام القضائية النهائية ضده، بمساعدة أعمال مريبة من شهر عقارى النزهة. ويزيد نفوذ أبو العينين تضخما كلما وضع يده على قطعة جديدة من أراضى الدولة، وتحضرنى قصة لم يسبق نشرها، حين تصدى المشير حسين طنطاوى ذات مرة لرغبة أبو العينين فى الاستحواذ على قطعة أرض وقال له (كفاية سرقة فى أرض مصر).. فما كان من أبو العينين إلا أن شكى لمبارك الذى كلف الفريق أحمد شفيق بفحص شكواه، وبعد أسبوع ذهب شفيق إلى مبارك وقال له (أبو العينين عاوز ينهب الأرض كلها..المشير عنده حق). لذا يعد أبو العينين صاحب أكبر كعكة فى أراضى الدولة بطول البلاد وعرضها، حيث يمتلك 20 كليومترًا فى خليج السويس أى 100 مليون متر حصل على المتر بسعر 5 جنيهات، بينما حصل على عقد من محافظ السويس يخول له حق تقسيم وبيع الأرض لحسابه بعد دفع 10 % فقط رسوما للمحافظة، فى واحدة من أكبر عمليات التربح، إلى جانب 1500 متر فى مرسى علم و500 فدان فى مطروح و8 ملايين متر فى شرم الشيخ حصل عليها من هيئة التنمية السياحية بواقع دولار واحد للمتر، إلى جانب 7 ملايين متر بحق الانتقاع، و60 فدانا فى أكتوبر و17 ألفًا فى شرق العوينات إضافة لعشرات القطع فى كل المدن الجديدة. ولحماية تلك الدولة المترامية الأطراف من الأراضى يطلق أبوالعينين قناته الفضائية لإرهاب الجميع، كما حاول إرهاب المشير طنطاوى من قبل فى عهد مبارك، ولم يكن مستغربا أن يتصدى أبوالعينين لقرار سحب الأراضى المخالفة من أصحابها فى أكتوبر والحزام الأخضر، بتوجيهات من الرئيس السيسي، ويقيم الدنيا ولا يقعدها عبر مذيعين وإعلاميين باعوا ضمائرهم على موائد رجال الأعمال فى سهرات الليل، فقط لأنه أحد المتربحين والمنتفعين من تلك الأراضى. وآخر عنقود مائدة الفورسيزونز الشاب أحمد أبوهشيمة الذى بدأ حياته متواضعا للغاية ابنا لأحد تجار الحديد البسطاء، قبل صعوده المباغت، بواسطة أحد رجال مبارك، ثم تصدره فى إحدى حفلات هيفاء وهبي بفندق شيراتون، وتعرفه إليها، بعد أن استعار سيارة هامر لتكون فى خدمتها، ثم تمكنه من إقناعها بالزواج لتفتح له علاقات ممتدة مع رجال أعمال إماراتيين وقطريين. وبعيدا عن هذه اللفتة الخاصة، من وراء تصعيد شاب فقير ليصبح إمبراطورا بالصدفة، إلى حد تربحه عمدا من أموال الدولة، بإبرام الحكومة عقود شراء حديد من شركته حتى عام 2017 رغم العلاقة المشبوهة التى جمعت أبو هشيمة بالإخوان فى فترة حكم مرسي، وخاصة خيرت الشاطر الذى ساهم فى تصعيد وتلميع أبو هشمية بدرجة كبيرة. إن دائرة المصالح التى تخنق أنفاس مصر تجمع أسماء ووجوها يصعب تخيلها، إلا أنه من السهل ملاحقتها والتحصن بالرأى العام والشعب فى كشفها ومحاسبتها على جرائمها، ولا أدل على ذلك من صورة حميمية ننفرد بنشرها تجمع أبوهشيمة وياسمين النرش بطلة واقعة المطار المحبوسة والتى تمتلك جاليرى لديكورات القصور فى الجونة، وكانت على علاقة بأبوهشيمة وقامت بتجهيز قصره هناك، بينما لم يسعفها القدر لتجهيز قصره الجديد فى هاسيندا والذى تجاوزت تكلفته 50 مليون جنيه. مياه راكدة عفنة تحيط بنا من كل جانب ليس على الرئيس وأجهزة الدولة إلا إلقاء حجر فيها وراء حجر لسرعة إنقاذ مصر من بركة دم كالتى تحدث لأشقائنا المظلومين الذين يوجعون قلوب العالم اليوم بمأساتهم، بشرط التحصن والاستقواء بالشعب الذى عاد لعادته فى كتمان الغضب إلى حين، والشعب وحده.