فى الوقت الذى تعلن فيه الدولة المصرية عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى، أو بالأحرى «عصرنته» بما يساهم فى استئصال التطرف والمتاجرة السياسية بالإسلام، ومع الضربات التى توجهها للتنظيمات المتطرفة والتكفيرية، التى تستهدف الانتقام من الشعب بعد إسقاط الإخوان، تبدو العلاقة بين حكومة المهندس إبراهيم محلب والتيار السلفى مثل «السمن على العسل». تنسيق مستمر، اجتماعات، مشاورات، ترتيبات سياسية.. فالسلفيون الذين يوصفون بالنسبة للكثيرين بأنهم أكثر تشددًا من الإخوان، ليسوا كذلك بالنسبة للحكومة، ومن ثم فلا بأس من ترشيح نادر بكار نائب،رئيس حزب النور السلفى لمنحة دراسة الماجستير بجامعة هارفارد أعرق الجامعات الأمريكية رغم أنه وفقًا لدرجاته الدراسية «مجرد طالب مقبول» تخرج فى كلية التجارة بجامعة الإسكندرية، وفى الإطار ذاته لا مشكلة فى أن تبادر الحكومة إلى معالجة أزمة منع شيوخ السلفية من اعتلاء المنابر، فالسلفيون لهم الحق، هم جزء من المشهد، يعرفون من أين تؤكل الكتف، و«لحم كتافهم» من خير محلب. وكشف مصدر بأحد الأحزاب الناصرية طلب عدم ذكر اسمه، عن أن اجتماعًا عقده المهندس إبراهيم محلب قبل فترة مع قيادات من حزب النور، منهم الدكتور يونس مخيون رئيس الحزب، ونادر بكار، وآخرين، وحضره أيضًا ممثلون عن أحزاب مدنية، لبحث ترتيبات لها علاقة بالبرلمان المقبل. وقال المصدر إن «محلب» يتعامل مع البرلمان المقبل على طريقة نظام الرئيس المخلوع مبارك، والحزب الوطنى المنحل، موضحًا أن رئيس الحكومة وافق خلال الاجتماع على أن يحصل السلفيون على 15 مقعدًا بالإسكندرية والبحيرة ومطروح، مع منحهم الفرصة للمنافسة على مقاعد الفردى، وكذلك «غض الطرف» على استيعاب شباب الإخوان غير المتورطين فى جرائم عنف داخل التيار السلفى. وانتقد المصدر هذه الإجراءات قائلا: إن الحكومة تعيد خطيئة السادات، حين لجأ إلى تيارات الإسلام السياسى لضرب المعارضة الناصرية والليبرالية واليسارية، وهى الخطيئة التى تكبدت مصر كلها ثمنها الباهظ فيما بعد، حين خلت الساحة من الجميع، وأصبح الإخوان القوة الأكثر تأثيرًا وانتشارًا فى الشارع، نتيجة لأن هذه التنظيمات تتقن العمل تحت الأرض، وتعرف كيفية كسب الناس عبر الزيت والسكر وما شابه ذلك. وأوضح المصدر ذاته أن الحكومة كانت وراء ضم الأقباط المنشقين عن الكنيسة ممن يسمون بمجموعة ال38 على القوائم الانتخابية لحزب النور، بحيث يستوفى الحزب الاشتراطات اللازمة لقانون الانتخابات مشيرًا إلى أن الحزب بهذه الطريقة يضع «ورقة توت مدنية» على فاشيته الدينية. وتساءل: هل كان ممكنًا بالنسبة لحزب لا يتورع رموزه على الإفتاء بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم أن يضم قبطيًا واحدًا؟.. وهل يعقل أن الأقباط الذين انضموا للحزب وجدوا فيه ما يلبى طموحاتهم إلى دولة مدنية تحترم الحريات الدينية؟ ويجيب على سؤاله بقوله: هذا أمر مستحيل، ولولا وقوف الحكومة وراء هذه الصفقة لما كان ممكنًا أن ترى النور. وأضاف أنه معلوم بالضرورة أن جميع تيارات الإسلام السياسى مجرد أوجه متعددة لعملة واحدة، ومن ثم فإن خوف الحكومة من معارضة مدنية قوية، داخل البرلمان، قد يوقعها فى فخ السلفيين الذين قد لا يتورعون عن رفع شارة «رابعة» تحت القبة. وأكد أن السلفيين رغم ما يظهرونه من تأييد لمدنية الدولة، إلا أنهم ضد هذه الفكرة قلبًا وقالبًا، وهم يهادنون الدولة المصرية فى الوقت الراهن،لكن فى حال شعروا بأنهم قادرون للانقضاض عليها لن يترددوا ثانية واحدة. على صعيد آخر، كشف مصدر حزبى عن أن تعامل حكومة محلب مع السلفيين يقوم على قاعدة «اللى رماك على المر»، فالحكومة تشعر بحرج من الضغط على التيار السلفى إرضاءً للسعودية التى دعمت الثلاثين من يونيو بقوة، هذا بالإضافة إلى أن السلفيين يسوقون أنفسهم أمام الولاياتالمتحدة على إنهم مؤهلون لوراثة الإخوان. ويقول السلفيون باستمرار أنهم يمثلون تيارًا وسطيًا يقبل بالتعايش مع الآخر ولا يميل إلى العنف. كما تخشى الحكومة من أن يؤدى الضغط على السلفيين إلى ترويج أكذوبة الإخوان بأن النظام يعادى التيار الإسلامى عامة، الأمر الذى يزيد من وتيرة استقطاب الشباب المتدين إلى تيارات أشد تطرفًا. ويعتبر الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، ومهندس الصفقات مع السفارة الأمريكية والحكومة المصرية معًا، والرجل القوى فى التيار السلفى كلمة السر فى الصفقات السلفية.. فالرجل يعرف كيف يلعب بالبيضة والحجر، حيث يقدم نفسه للولايات المتحدة باعتباره زعيمًا روحيًا لتيار ذى شعبية كبرى، وبوسعه استقطاب شباب السلفيين، وإلى الحكومة المصرية باعتباره عدوًا لتيارات العنف وعلى رأسها «داعش» الأمر الذى يرفع أسهمه عند الجميع. وأيما تكون المبررات والأسباب والملابسات، فإن تدخل الحكومة فى شكل البرلمان المقبل، وسعيها ل«تضبيط» المقاعد، لن يؤدى إلى برلمان فعال بعد ثورة من أبرز أسبابها الفساد السياسى وتزوير انتخابات برلمان .2010∎